دعا ريتشارد هاس - رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» وهو أحد أكبر مراكز الأبحاث المعنية بالعلاقات الدولية في أمريكا، والمدير السابق لمكتب تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية - إدارة الرئيس جورج دبليو بوش للتخلي عن مبدأ تغيير الأنظمة في تعاملها مع إيران وكوريا الشمالية أو تأجيله حتى استنفاد الخيارات الدبلوماسية المطروحة. كما دعا هاس الإدارة الأمريكية للانخراط في دبلوماسية أكثر نشاطاً في عرض الحوافز والعقوبات مع البلدين حيث رأى هاس أن انشغال الإدارة بالبحث عن أسلوب لتغيير النظامين الإيراني والكوري الشمالي جعلها لا تستنفذ الخيارات الدبلوماسية الممكنة في التعامل مع البلدين. جاء ذلك في مقال نشره هاس في عدد يوليو/أغسطس 2005 لمجلة «فورين أفاريز» السياسة الخارجية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية. وأشار هاس في بداية مقاله إلى تعبير الإدارة الأمريكية بشكل متكرر عن رغبتها في تغيير النظامين الحاكمين في إيران وكوريا الشمالية، وقال هاس إن تغيير الأنظمة هو خيار غير جديد فقد سبق واستخدمته أمريكا ضد اليابان وألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية وتبعته بإعادة بناء البلدين كما تفعل الآن في العراق. كما سعت أمريكا بشكل مستمر لإسقاط الاتحاد السوفيتي، وهنا يرى هاس أن امتلاك السوفيت لترسانة نووية عملاقة دفع أمريكا لتغيير سياستها من إسقاط الأنظمة إلى احتواء الاتحاد السوفيتي على مستوى السياسة الخارجية والانخراط معه في دبلوماسية نشطة على المستويات الاقتصادية والتجارية لهدمه من الداخل عن طريق تقديم بدائل أمام شعوبه. وهنا يرى هاس - كما يعبر بوضوح في نهاية مقاله - أن الدبلوماسية النشطة مثلت حصان طروادة الذي مكن أمريكا من المساهمة في انهيار الاتحاد السوفيتي من الداخل، وينادي بتطبيق المسار نفسه مع النظامين الحاكمين في إيران وكوريا الشمالية. وقبل الوصول إلى هذه النتيجة يقدم هاس مراجعة متميزة للبدائل المختلفة المتاحة أمام أمريكا في التعامل مع إيران وكوريا الشمالية، ولاحتمال نجاح أو فشل كل بديل من هذه البدائل، ويبدأ هاس بالحديث عن سياسة تغيير الأنظمة، وهنا يرى هاس أن مشكلة هذه السياسة تكمن في صعوبة ايجاد أنظمة حكم بديلة ممكن أن تعيد الاستقرار والأمان لإيران وكوريا الشمالية في حالة نجاح أمريكا في إسقاط النظامين الحاكمين في البلدين، وقال إن هذه الحقيقة تُعد بالغة التكلفة في حالة البلدان التي تمتلك أسلحة نووية لأن التأخر في إحلال الأمن في تلك البلدان قد يؤدي لنتائج كارثية كسرقة الأسلحة النووية أو تسربها. كما أشار هاس إلى أن غزو كوريا الشمالية وإيران لن يكون عملية سهلة على الإطلاق بسبب تعداد البلدين ومستوى تسلحهما. وهنا يتطرق هاس لبديل ثان وهو شن حربين إجهاضيتين على البلدين في حالة التأكد من وجود نية لديهما لشن هجوم على أمريكا أو على جيرانهما، ويرى هاس أن صعوبة هذا البديل تكمن في صعوبة الحصول على الموافقة الدولية على الحروب الإجهاضية، ولصعوبة الحصول على الاستخبارات الدقيقة اللازمة لنجاح الهجمات الإجهاضية، كما أن برامج كوريا الشمالية وإيران النووية مغلفتان بالسرية مما يؤدي لصعوبة استهدافهم. كما يرى هاس أن الهجوم على كوريا أو إيران قد يدفع إلى زعزعة استقرار شرق آسيا والشرق الأوسط، كما أن الهجوم على إيران قد يؤدي إلى أزمة دولية في صادرات النفط قد تقود إلى أزمة اقتصادية عالمية. وهنا يتطرق هاس للدبلوماسية كبديل ويرى أنها بديل قد يحقق الهدف المطلوب إذا انخرطت فيه أمريكا بنشاط من خلال تقديم حوافز اقتصادية وسياسية كبيرة للبلدين في حالة قبولهما وقف برامجهما النووية مع التهديد بعقوبات شديدة في حالة عدم التزامهما بوعودهما. وعلى الجانب الآخر يرى هاس أن الدبلوماسية ليست بديلاً خالياً من التكلفة لأنه قد لا يفرض على البلدين الوفاء بوعودهما، كما أنه قد يعطي أنظمة البلدين مزيداً من الوقت لبناء قواتهما النووية في سرية، كما أن بعض الدول قد تنظر لهذا البديل على أنه مكافأة للنظامين الإيراني والكوري الشمالي، مما قد يدفع مزيداً من النظم لحيازة أسلحة نووية حتى تصل لمكانية كوريا الشمالية وإيران. كما أن الدبلوماسية تتطلب تعاوناً دولياً وثيقاً من القوى الدولية كالصين وروسيا واليابان والدول الأوروبية وهو تعاون يصعب تحقيقه في بعض وربما كثير من الأحيان. ويرى هاس أن فشل جميع البدائل السابقة قد يؤدي إلى نتائج أكبر حيث أن امتلاك إيران وكوريا الشمالية الأسلحة النووية دون قيد أو شرط أو محاسبة قد يدفع دول شرق آسيا كاليابان وكوريا الجنوبية، ودول الشرق الأوسط كمصر والسعودية لامتلاك أسلحة نووية لتحقيق التوازن الإقليمي في المنطقتين. وفي النهاية يرى هاس أن على أمريكا أن تستعد لجميع الخيارات السابقة مثل تغيير الأنظمة والحروب الإجهاضية والاحتواء والدبلوماسية، على أن تقدم الدبلوماسية لسببين أولهما احتمال نجاح الدبلوماسية في إثناء النظامين عن برامجهما النووية، وفي إقناع شعوب البلدين بتغيير النظامين من الداخل بطرق سليمة، أما السبب الثاني فهو أن استنفاذ الوسائل الدبلوماسية ضرورة يجب تحقيقها قبل اللجوء للبدائل المسلحة في التعامل مع النظامين.