حسمت وزارة الداخلية الإيرانية الصراع ما بين رغباتها بفوز الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وحقيقة المعطيات التي أفرزتها نتائج صناديق الاقتراع لانتخابات رئاسة الجمهورية، والتي أظهرت تقدماً كبيراً وساحقاً لمرشح التيار المحافظ بكل أطيافه التقليدية والجديدة محمود أحمدي نجاد الآتي من الصفوف وعتمة الطبقة السياسية، وأعلنت فوز الأخير بنسبة 62.2 في المئة من أصوات المقترعين 28 مليون ناخب، أي 17 مليوناً و248 ألفاً و782 صوتاً، تاركاً لمنافسه هاشمي رفسنجاني الذي وصفه الرئيس محمد خاتمي المنتهية ولايته في إحدى المرات بأنه"هوية الثورة والنظام الإسلاميين"35.3 في المئة من الأصوات 10 ملايين و46 ألفاً و701 صوت. تقويم للخسائر ولن يقتصر السقوط المدوي لرفسنجاني فقط على شيخ الثورة ومناصريه، بل سيتعداه ليطاول كل الطبقة الإصلاحية التي يتوجب عليها إعادة النظر في مكوناتها الفكرية والاجتماعية وخطابها السياسي والسلوكي الذي انتهجته خلال السنوات الثماني الماضية، في ظل رئاسة محمد خاتمي للجمهورية. في المقابل، يبدو أن التيار المحافظ المنتشي بالانتصار الذي حققه واستطاع من خلال القضاء ،اجتماعياً وسياسياً، على فلول الخطاب الإصلاحي، باختياره خطاب الصراع الطبقي ومواجهة الفساد الاقتصادي والمالي الذي غرقت فيه الجماعات الإصلاحية، خصوصاً المقربين من رفسنجاني، مادة لدعايته الانتخابية تحقيق انقلاب في الصورة السياسية التي سيطرت على تاريخ الثورة منذ وصول رفسنجاني للرئاسة عام 1988 إلى نهاية عهد خاتمي عام 2005 . ونفت الميليشيات الإسلامية الباسيج وحراس الثورة الإيرانية الباسدران انحيازها إلى احمدي نجاد. وقال الناطق باسم مجلس صيانة الدستور، المؤسسة الرئيسية في النظام غلام حسين الهام:"يمكننا ان نؤكد ان العسكريين لم يتدخلوا في الانتخابات ولا ينوون التدخل بتاتاً وان هذا الامر غير ممكن في ظل الجمهورية الاسلامية". اقتسام الحصص وسيكون أمام أحمدي نجاد، صاحب الاسم الجديد في سلسلة رؤساء الجمهورية لنظام الثورة الإسلامية الخمسة، تحديات كبيرة ومتعددة، عند توليه منصب الرئاسة رسمياً في 3 أغسطس آب المقبل بحكم تنفيذي من مرشد الجمهورية وولي الفقيه علي خامنئي، لعل أولها محاولة استرضاء الأحزاب المحافظة التي تطلع للمشاركة واقتناص حصتها في الحكومة الجديدة، على غرار ما حصل في الترشيحات لرئاسة الجمهورية. لكن طبيعة المرحلة، والظروف التي رافقت وصول أحمدي نجاد إلى السلطة، خصوصاً الطرف صاحب التأثير الأكبر والمؤثر في ذلك، لن يسمح بحدوث شرخ داخل أبناء التيار الواحد. لذلك، سيساعد أحمدي نجاد في تشكيل حكومة ستكون من لون واحد وتوجه واحد تحت شعار الوحدة الوطنية، وتطبيق التعهدات التي أطلقت خلال الحملة الانتخابية. وفي هذا السياق، بدأت المعلومات تتسرب عن خلافات بين قيادات في التيار المحافظ وأحمدي نجاد حول طبيعة الأسماء المقترحة لتولي حقائب وزارية قبل بدء معركة المرحلة الثانية للانتخابات الأسبوع الماضي، ما يشير إلى حالة من الاطمئنان لدى هذا التيار بأنه سيكون المنتصر في الانتخابات، وبالتالي ربما تؤدي إلى الإطاحة ببعض الوجوه التي عارضت خفية الدعم المطلق لأحمدي نجاد في مواجهة رفسنجاني. حظر الاحتفالات إلى ذلك، دعا مرشد الثورة آية الله السيد على خامنئي المنتصر في الانتخابات الرئاسية إلى التخلي عن دعوة الجماهير للاحتفال في الشوارع، باعتبار ذلك"يخالف بشدة"المصالح الوطنية. وتأتي هذه الدعوة في ظل مخاوف من أن تؤدي الاحتفالات إلى تجييش مجموعات شعبية تعتبر نفسها مهزومة في الانتخابات، وبالتالي يمكن ان تدخل الشارع الإيراني في فوضى ربما يصعب التحكم بها. من جهة أخرى، اعتبر خامنئي ان الايرانيين"اذلوا بعمق"الولاياتالمتحدة نتيجة"شفافية الديموقراطية"في الانتخابات. وقال في رسالة موجهة الى الايرانيين تليت عبر التلفزيون الرسمي الايراني"لقد جسدتم سر قوتكم ضد السياسات التوسعية للامبريالية العالمية". وأضاف"لقد اذل كبركم وشفافية ديموقراطيتكم العدو على رغم كل ما قاله". وتابع"على كل الرسميين وكل النخب في كل القطاعات مساعدة الرئيس الجديد من منطلق الواجب الاسلامي والانساني". وحيا المرشح الخاسر في الانتخابات علي اكبر هاشمي رفسنجاني معتبراً انه"احد نقاط القوة في الثورة وشخصية كبيرة في الجمهورية الاسلامية". وقال:"آمل ان يستمر هذا الاخ العزيز والزميل القديم في القيام بدور على الساحات المهمة في النظام الاسلامي". رفسنجاني من ناحيته، تقبل الشيخ هاشمي رفسنجاني الهزيمة الانتخابية بكل رحابة صدر، معلناً انه يعترف بانتصار احمدي نجاد وهزيمته، لافتاً إلى أن ذلك لم يثنه عن متابعة عمله السياسي والوقوف إلى جانب الشعب والثورة، وانه سيعمل على دعم جبهة اتحاد وطني انطلاقاً من اعتقاده بأن إيران في المرحلة المقبلة في حاجة أكثر من أي وقت مضى الى مثل هذه الجبهة لمواجهة المخاطر التي تحدق بها.