اتسمت التعديلات الوزارية التي اجراها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على حكومته بعد انتصار العمال التاريخي للمرة الثالثة على التوالي في الانتخابات البرلمانية بالفوضى والاضطراب والتعثر، وسط تساؤلات عن"موعد تنحيه عن السلطة". وعلى رغم خلو التغييرات من مفاجآت كبيرة، الا انها كما يقول المعلقون، تنذر بمزيد من التوترات بين رئيس الوزراء ووزير ماليته وخليفته المرجّح غوردون براون، ذلك أن بلير لم يقم باستشارته في شأن التعيينات الجديدة كما كان مفترضاً. ومن المعروف أن بلير لا يتقن فن اجراء تعديلات وزارية، وعادة ما ينتهي الامر بالتراجع او اعلان تعديل على التعديل. وتبدو الفوضى هذه المرة اوسع نطاقاً وعلى نحو تأخر فيه إعلان التغييرات، لأن بلير لم يحسم أمره بعد مقاومة شديدة من نائبه جون ليسكوت للتقليل من صلاحياته او"إمبراطوريته"التي تشمل فظاعات واسعة من الحكم المحلي والاسكان والخدمات. وكان بلير يسعى الى ان يعطي بعض هذه الصلاحيات لوزيره المفضل، وزير الداخلية السابق الضرير ديفيد بلانكيت الذي كان استقال بعد فضائح غرامية مدمرة. وبعد اعتراضات بريسكوت على أي انتقاص من مسؤولياته، قرر بلير إعادة بلانكيت لشغل حقيبة وزارة العمل والتقاعد. وظلت المناصب الرئيسة في حكومة بلير من دون تعديل حيث احتفظ غوردون براون بحقيبة المال وجاك سترو بمنصب وزير الخارجية، على عكس تكهنات سابقة بإبعاده عنها. وكذلك سيواصل شاركز كلارك عمله كوزير للداخلية التي تعتبر بمثابة مقبرة الوزراء بسبب كثرة مشكلاتها ومسؤولياتها التي تشمل النواحي الامنية الحساسة. كما احتفظت روث كيلي بحقيبة التربية، فضلاً عن اليستر دارلينغ نقل ومارغريت بيكيت بيئة وزراعة وتيسا جويل ثقافة وإعلام ورياضة وهيلاري بن تنمية. أما وزارة الدفاع، فعيّن فيها وزير الصحة السابق جون ريد، بينما عيّن جيف هون، وزير الدفاع في الحكومة المنتهية ولايتها،"زعيم"مجلس العموم خلفاً لبيتر هاين الذي اصبح وزيراً مكلفاً شؤون ايرلندا الشمالية. ولا يبدو أن بلير سينعم بالهدوء بعد"درس العراق"وفوزه غير الساحق. إذ عادت المطالبة بضرورة تقاعده في اسرع وقت ممكن، لا في نهاية فترة الحكم الجديدة أي اربعة أو خمسة اعوام، في حملة يتزعمها وزير الخارجية السابق روبن كوك الذي كان استقال احتجاجاً على حرب العراق. ومن بين الامور الاخرى التي ينبغي على بلير ان يخشاها، اصرار عدد من الجناح اليساري في حزب العمال داخل البرلمان وخارجه على التعجيل في اثارة ازمة العراق من جديد، والعمل على عرقلة تمرير مشروعات قوانين مهمة امام مجلس العموم، مثل قانون الهوية الشخصية. كما واجه بلير مطالب بالتخلي عن اسلوب الحكم الفردي كما فعل عند اتخاذه قرار غزو العراق. وتنذر الغالبية المحدودة للعمال بأزمات مستحكمة، خصوصاً انهم حصلوا على اقل نسبة تصويت لحزب حاكم في تاريخ بريطانيا 36 في المئة، مما يتيح المجال للصحافة ومجلس العموم لاستعراض العضلات. وتعول صحيفة"ذي غارديان"الموالية للعمال اليوم ان هناك سيناريوات عدة لرحيل بلير، من بينها احتمال قيامه بتقديم استقالة مفاجئة بعد"قمة الثماني"أو بعد الاستفتاء على الدستور الاوروبي، او خلال المؤتمر السنوي لحزب العمال 2006، وهي سيناريوات تنفيها 10 داونينغ ستريت.