تنطلق في جزيرة الليدو في مدينة البندقية فينيسيا الإيطالية يوم الثلثاء المقبل 31 أغسطس/ آب فعاليات الدورة الثانية والستين من"مهرجان البندقية السينمائي الدولي"وتستمر حتى العاشر من الشهر المقبل. وهي الدورة الثانية تحت إدارة المدير المحنّك والمجرّب ماركو موللر. جائزة المهرجان التي يحلم بها كثرٌ هي الأسد الذهبي وهي أعرق جائزة سينمائية على الإطلاق لأعرق مهرجان سينمائي في العالم كان انطلق في ليلة من ليالي آب 1932. ويتبارى على هذه الجائزة في هذه الدورة 19 فيلماً من أرجاء مختلفة من العالم. ولم يستبعد مدير المهرجان ماركو موللر أن ينضم إلى تلك الكوكبة شريط آخر يحمل صفة"المفاجأة"من النوع الذي أعتاد موللر حفظه سراً حتى اللحظة الأخيرة كما كان يفعل إبّان إدارته لمهرجان لوكارنو وكما فعل في العام الماضي عندما قدّم"حديد 3"للتايواني كيم كاي دوك الذي فاز بجائزة الأسد الفضي كأفضل مخرج. ويشير بعض المقربين من ماركو موللر إلى أن مفاجأة هذا العام قد تأتي من اليابان وقد تحمل توقيع المخرج الياباني المشهور تاكيشي كيتانو الذي سبق أن فاز بأسد المهرجان الذهبي قبل بضع سنوات بفيلمه"ألعاب نارية". حضور التسعيني وبعيداً من المفاجأة، فإن قائمة الأفلام المتنافسة على الأسد الذهبي تضم عدداً كبيراً من المخرجين المخضرمين من بينهم الإيطالي بوبي آفاتي الذي يعود إلى"البندقية"بفيلمه الأخير" ليلة الزفاف الثانية"، والبريطاني تيري غيليام الذي يقدّم من خلال أداء مات ديمون والحسناء مونيكا بيلّوتشي وجوناثان برايس شريطه"الأخوان غريم"، والبولندي كريستوف زانوزسّي الذي سيقدّم شريطه"شخص غير مرغوب فيه"، والأميركي الإيطالي الأصل جون تورتورّو الذي يحضر إلى البندقية للمرة الأولى كمخرج. وبطبيعة الحال لم يكن لماركو موللر أن يتجاهل العمل الأخير للبرتغالي التسعيني مانويل دي أوليفييرا"العصا السحرية". موللر كان منح دي أوليفييرا في العام الماضي جائزة"الأسد الذهبي للحياة الفنية". دي أوليفييرا استعان من جديد بالنجم الفرنسي الكبير ميشيل بيكولي الذي سيؤدي البطولة إلى جانب الإسبانية الرائعة ماريزا باريديس. إلاّ أن الأضواء ستتركّز بالتأكيد على النجم الأميركي جورج كلوني الذي لن يحضر البندقية كبطل في أحد الأفلام بل كمخرج حيث سيقدّم شريطه"عمت مساءً وحظاً سعيداً"الذي يتناول فيه موضوع حرية الصحافة وأخلاقياتها وأوضاع الرقابة التي فرضتها الماكارثية على الصحافة الأميركية في خمسينات القرن الماضي. غياب عربي المشاركة العربية"أُقصيت"في هذه السنة أيضاً إلى البرامج الجانبية. وتحمل هذه المشاركة العلم الفلسطيني فقط وذلك من خلال شريط المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الأخير"الانتظار"الذي سيُعرض ضمن برنامج"أيام المخرجين"الذي ينظمه اتحاد المخرجين السينمائيين الإيطاليين وهو على شاكلة برنامج"نصف شهر المخرجين"في مهرجان"كان"السينمائي الدولي. إلى جانب فيلم مشهراوي سيُعرض الشريط القصير لعلا طبري"الشتات"ضمن مسابقة الأفلام القصيرة وهو بطول 16 دقيقة ومن إنتاج فلسطيني - فرنسي - بلجيكي مشترك. ولدى الاستفسار من مدير المهرجان عن سبب هذا الغياب، أكد أن السينما العربية لم تعرض عليه ما يستحق أن يكون ضمن مسابقة المهرجان. موللر كان أعطى في العام الماضي الرد نفسه على رغم أنه كان شاهد مجموعة مهمة من الأفلام المغاربية الجميلة مثل"بابا عزيز"وپ"الأمير"للتونسيين الناصر خمير ومحمد زرن وشريطي الجزائري سعيد ولد خليفة والمغربي جيلالي فرحاتي الجميلين والمهمين"شاي آنيا"وپ"الذاكرة المعتقلة"، وهما على صلة كبيرة بما يعتلج في المجتمعين الجزائري والمغربي اليوم. وعلى رغم أن المشاركة العربية في العام الماضي اقتصرت على الشريط القصير"حلم انتماء"للمبدع التونسي الشاب كمال شريف و"الرحلة الكبرى"للمغربي إسماعيل فرّوخي الذي عُرض ضمن برنامج"أسبوع النقاد"، أكد هذان المبدعان حضوراً بليغاً في قائمة الجوائز الممنوحة من خلال فوزهما بأسدين من بين أسود المهرجان. فقد منحت لجنة تحكيم الأعمال الأولى التي ترأسها المخرج المصري يوسف شاهين جائزة"أسد المستقبل"للمخرج المغربي الشاب إسماعيل فرّوخ عن شريط"الرحلة الكبرى"، فيما فاز كمال شريف بجائزة الأسد الفضي لأفضل شريط قصير. بطبيعة الحال لا يفترض تسجيلنا لغياب السينما العربية عن مسابقة المهرجان الرسمية لسنتين متتاليتين سوء النية من جانب ماركو موللر تجاه السينما العربية. فهو صديق لهذه السينما ويعرفها جيداً وقدم الكثير من مبدعيها لسنين عدة سواء عندما كان ضمن إدارة مهرجان بيزارو السينمائي أو عندما أدار مهرجان لوكارنو. وقد تكون فسحة الوقت القصيرة التي تُترك، عادة، لمديري مهرجان البندقية ما بعد انقضاء مهرجان"كان"هي التي تحول دون سعيهم وراء البحث عن اعمال عربية. ولربما يكون الغياب العربي ناتجاً أيضاً من أن إدارة المهرجان فشلت في اختيار مستشارين يعرفون السينما العربية جيداً. وهنا لا بد من الإشارة إلى الجهد الرائع الذي بذله الزميل الراحل غسان عبدالخالق في دفع السينما العربية إلى مهرجان البندقية إبان كونه مستشاراً لمدير المهرجان السابق موريتز دي هادلن لسنتين متتاليتين حيث حققت السينما العربية حضوراً ما. الإشارة إلى الغياب العربي واحتمالات الخلل في هذا الإطار لا بد من تسجيلها هنا، ساعين بذلك إلى رمي حجر صغير في البركة الساكنة بغية فتح نقاش قد يدفع الأوساط السينمائية العربية إلى أن تنتبه هي نفسها إلى هذا المهرجان العريق أيضاً بدلاً من تركيز الاهتمام على مهرجان"كان"فحسب. وعلى أية حال، فإن وجود فيلم"الانتظار"لرشيد مشهراوي ضمن برنامج"أيام المخرجين"يخفف من وطأة قلقنا على السينما العربية ومستقبلها. ذهبية لمعلم التحريك الياباني جائزة"الأسد الذهبي للحياة الفنية"ستُمنح في هذه الدورة لمعلم السينما اليابانية وسينما التحريك هاياو مايزاكي الذي ولد في طوكيو عام 1914 وحاز عدداً كبيراً من الجوائز العالمية، من بينها الدب الذهبي في مهرجان برلين عام 2002 عن شريطه"المدينة المسحورة"والذي فاز في السنة التالية بجائزة الأوسكار كأفضل فيلم تحريك. لجنة التحكيم الدولية يقودها هذه السنة مبدع الديكور والمناظر الأوسكاري الإيطالي دانتي فيرّيتّي، وستضم في صفوفها الكاتب الصيني آتشينغ والمخرجة الفرنسية كلير دينيس والمخرج الألماني إدغار رايتز والموسيقية الآيسلندية إيمليانا تورّيني والمنتجة الأميركية المستقلة كريستينا فاكون.