سجلت نتائج مهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته الستين للسينما التي ينجزها السينمائيون في منطقتنا نجاحاً ندرت ملاحظته منذ سنين طويلة. وعلى رغم أن مخرجين عرباً مثل الأخضر حامينا ويوسف شاهين ورضوان الكاشف ويسري نصر الله وإيليا سليمان ورشيد مشهراوي، وسواهم، عادوا من مهرجانات السينما المهمة قبل "كان" و"برلين" و"لوكارنو" بجوائز كبيرة، فإن الحضور العربي والشرق أوسطي كماً ونوعاً فيلم "فودكا ليمون" للمخرج الكردي العراقي هونير سالم وأفلام الإيرانيين أبو الفضل جليلي وباباك بيامي وهناء مخملباف ومجيد مجيدي كان من الأهمية حتى انه جعل عودة ثلاثة من الأسماء المشاركة من المنطقة بثلاث من أهم جوائز المهرجان أمراً طبيعياً ومستحقاً. فيلم رندة الشهال الصبّاغ "طيارة ورقية" حاز جائزة الأسد الفضي التي تمنحها لجنة التحكيم الخاصة، وقررت اللجنة ذلك بالإجماع. وعندما اعتلت خشبة المسرح لم تدع رندة هذه المناسبة تفوت من دون توجيه رسالة سياسية واضحة، فقالت: "جئت من بلد صغير جداً...هل أبدو كمن يشكل خطراً؟ هل نمثل نحن محور الشر؟ وهل السيد بوش هو محور الخير؟". وكان "طيارة ورقية"، وفق ما أكدت مصادر من لجنة التحكيم الى "الحياة"، منذ عرضه في اليوم الثالث من المهرجان، المرشح الأقوى ل"الأسد الذهبي" وتراجع خطوة إلى الوراء بعد ستة أيام عندما عُرض فيلم "العودة" للروسي الشاب آندريه زفياجينيتسيف الذي "اصطاد" من المهرجان أسدين ذهبيين كأفضل فيلم وأفضل عمل أول. لحظة الفرح بحصد الجائزتين شابه كثير من الحزن، إذ أهداهما المخرج لفلاديمير غاران الذي توفي قبل شهرين وكان أدى دوراً رئيساً في الفيلم. وكاد نجم "العودة" الصغير "إيفان" يحصد جائزة مارتشيللو ماستروياني لأفضل طاقة شابة لكنها ذهبت إلى العربية المغربية نجاة بن سالم التي أدت ببراعة دور "رجاء" في شريط الفرنسي جاك دوايون وتمكنت من كسر منافسة أكثر من ممثل شاب في أفلام المهرجان، ولكن من دون أن يتمكن المهرجان من تخطي المشكلات البيروقراطية وتمكينها من الوصول إلى الليدو لتحتفل بأهم حدث في حياتها الفنية الوليدة بتسلم جائزتها شخصياً. الجائزة سلّمت بدلاً منها إلى منتج الفيلم الذي وعد بأن يحملها شخصياً إلى المغرب ليسلّمها إلى نجاة بن سالم. المخرج الكردي العراقي هونير سالم أو هنير كما تسمّيه أمه التي لم يرها منذ سنين فاز بجائزة مسابقة "عكس التيار" التي ضمت في صفوفها عدداً من الأفلام والأسماء المهمة كفيلم "الشمس المغتالة" للجزائري عبدالكريم بهلول، و"الشفرة 45" للأميركية صوفيا كوبولا، ابنة فرانسيس فورد كوبولا، و"عودة كاليوسترو" للإيطاليين تشيبري وماريسكو و"أبجد" للإيراني أبو الفضل جليلي، إضافة إلى عدد آخر من الأسماء والأفلام المهمة التي لا نفهم لماذا لم تُضم إلى المسابقة الرسمية، وكذلك لم نفهم لماذا لم تُسقط من هذه المسابقة أفلام لم تكن لتستحق حتى الوجود في المهرجان، كفيلمي "متخيلاً الأرجنتين" و "توينتيناين بالمز". شريطا رندة الشهال الصباغ وهونير سالم تناولا حياة أشخاص من عامة الناس، ولم يغلب الخطاب السياسي المباشر على الفيلمين، وهو ما كان ليُرفض لو وُجد، ومع ذلك كان لا بدّ من أن يهدي المخرجان عمليهما إلى شعبيهما بسبب الأوضاع الأخيرة في منطقتنا وانفجار الموقف في فلسطين من جديد. رندة أهدت الفيلم إلى لبنانوالعراقوفلسطين، أي إلى الشعب الذي تنتمي إليه المخرجة فعلياً أمها من أصل عراقي وحسياً وفكرياً. وهونير سالم أهدى فيلمه إلى شعبه الكردي وإلى جميع العراقيين وخصّ بكلمته أكراد العراق وعربه وتركمانه وآشورييه وكلدانه. وفيما احتفلت السينما العربية والكردية بليلة الجوائز، ظهر على وجوه الإيطاليين وجوم كبير بسبب إقصاء المخرج الإيطالي الكبير ماركو بيللوكيو من "منطقة" الجوائز الكبيرة وقد منح جائزة أفضل مساهمة فنية للسيناريو عن فيلمه "صباح الخير أيها الليل". ورأى عدد من النقاد ان هذا الفيلم يستحق جائزة أهم ولم يكن من المبالغة أن يمنح جائزة "الأسد الذهبي"، كما أن جائزة الأسد الذهبي لأفضل عمل أول للمخرج الروسي آندريه زفياجينيتسيف كانت ربما كافية وأكثر فعلاً على الصعيد الدعائي للفيلم. إلاّ أن رأي لجنة التحكيم الدولية اختلف عمّا رأيناه ورآه الكثير من النقاد في المهرجان، ويبدو أن النقاشات في اللجنة لم توصل فيلم ماركو بيللوكيو إلى مستوى التعادل مع فيلمي "العودة" و"طيارة ورقية"، فهو حينذاك كان سينتصر عليهما، لأن رئيس لجنة التحكيم، وعميد المخرجين الإيطاليين ماريو مونتشيللي كان صرّح قبل المهرجان أنه سيمنح صوته للفيلم الإيطالي "في حال تعادله في الأصوات مع فيلم أجنبي آخر". فيلم بيللوكيو جميل، وبدأ يحصد إعجاب الجمهور ويحتل المرتبة الثانية في عروض الصالات بعد فيلم "هولك" الهوليوودي. إلاّ أن قصته الإيطالية البحتة، أي اختطاف الزعيم الديموقراطي المسيحي آلدو مورو، أفقدته الدعم وفرصة اقناع المحكّمين الأجانب. ومع ذلك كان في إمكان بيللوكيو أن يفوز عن اقتدار بجائزة أفضل مخرج، بالضبط كما هي حال المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إينياريتو. إلاّ أن هذه الجائزة مُنحت للمخرج والممثل الياباني تاكيشي كيتانو الذي سبق أن فاز ب"الأسد الذهبي" للمهرجان في عام 1998 عن فيلمه الجميل "هانا بي" أي ألعاب نارية. جائزة أفضل ممثل ذهبت إلى النجم الأميركي شون بين عن دوره في فيلم "21 غراماً" للمكسيكي أليخاندرو غونزاليس إينياريتو. أما جائزة أفضل ممثلة فمُنحت للممثلة الألمانية كاتيا رايمون عن دورها في فيلم "روزينشتراس" للمخرجة الألمانية مارغريتا فون تروتّا. جاءت الجوائز التي حصدها العرب في البندقية لتؤكد شعوراً بأن هذا الأسبوع يمكن اعتباره أسبوعاً إحتفالياً للثقافة العربية، إذ ندر أن شهدت في تاريخها الحديث هذا القدر من البروز كما يحصل الآن. والحدث اللافت أن صحيفة "لا ريبوبليكا" اليومية، وهي أهم صحيفة يومية إيطالية، ستوزع في الأسواق مع عدد يوم الأربعاء المقبل أكثر من مئة ألف نسخة من الترجمة الايطالية لرواية نجيب محفوظ "اللص والكلاب".