143 فيلماً في أحد عشر يوماً. هذا هو قوام برنامج الدورة الستين لمهرجان البندقية السينمائي الدولي الذي ينطلق يوم السابع والعشرين من آب أغسطس الجاري ويستمر حتى السادس من أيلول سبتمبر المقبل. لقد تجاوز المهرجان سن الكهولة، لكن البرنامج الذي أعلنه مديره موريتز دي هادلن يظهره اليوم كمن استعاد شبابه النابض بالحياة، وهو كمن يؤكد مرة أخرى أن المهرجانات السينمائية ليست مجرد واجهة تعرض فيها شركات الانتاج الكبرى والمنتجون المستقلون إنجازاتهم الفنية، أو مجرد تجميع عشوائي للأعمال السينمائية، بل هي مناسبة للتقاطع والتواجه بين تجارب وخبرات سينمائية من مختلف أرجاء العالم ما كانت لتتلاقى لولا المهرجانات السينمائية الكبيرة، ومن بينها أعرق مهرجان سينمائي في العالم، مهرجان البندقية الذي أعاد إليه مديره الأسبق، الصديق الناقد الراحل غولييلمو بيراغي عنوانه الأصلي الذي كنّي به عند ميلاده في شهر آب عام 1932 وكان ذلك العنوان "المعرض الدولي للفن السينمائي". إذاً عاد مهرجان البندقية السينمائي الدولي معرضاً للفن السينمائي وفاق بخطوات كبيرة الدورة السابقة لمهرجان "كان السينمائي الدولي" الذي يتفق الجميع في شكل شبه كامل على أنه كان دون المستوى الذي اعتاد أن يشاهده عليه جمهوره والنقاد. وقد عزا الكثير من النقاد الذين تناولوا هذه الظاهرة النادرة في حياة مهرجان "كان" إلى غياب السينما الأميركية عنه والتي يبدو أن أساطينها قرروا السير على خطى الرئيس الأميركي جورج بوش في معاقبة فرنسا بسبب المواقف المناهضة للحرب الأنغلو - أميركية على العراق التي اتخذها الرئيس الفرنسي جاك شيراك. قد يكون هذا الأمر صحيحاً في جانب منه، ويحلو للأميركيين تثبيته كواقع لتمرير فكرة أن غيابهم عن أي تظاهرة أو محفل دولي يعني فشله، وأن وجودهم في أي مكان هو سبب للنجاح لكن من الإجحاف حقاً منح جميع فضائل النجاح وغنى البرنامج إلى "مناكفة" الأميركيين للفرنسيين، فكما يمنح مهرجان البندقية جائزة الأسد الذهبي للأفلام الفائزة فيه فإن وراء البرنامج الغني أسداً آخر خَبَرَ المهرجانات وتنظيمها. موريتز دي هادلن أعاد، قبل توليه إدارة مهرجان البندقية منذ العام الماضي، إحياء مهرجانات أخرى كانت تسير على شارع الأفول كمهرجاني برلين ولوكارنو. وتأتي دورة هذه السنة من مهرجان البندقية كرد على الانتقادات التي وجهّت إليه في العام الماضي لأن البرنامج الذي أعده للدورة التاسعة والخمسين لم يكن بالمستوى المطلوب، وتناسى المنتقدون أنه، أي دي هادلن، استلم الإدارة قبل أربعة شهور فحسب من انطلاق المهرجان. مغناطيس ليدو البندقية استعاد في هذه السنة قدرة الجذب المغناطيسية إزاء الأسماء الكبيرة في عالم السينما، فها هو وودي آلن لا يكتفي بإرسال فيلمه "أي شيء آخر" لافتتاح المهرجان بل يكسر قاعدة من قواعد حياته التي اعتاد عليها منذ أعوام، أي الغياب عن مهرجان المدينة التي يعشقها ويقضي فيها كل عام عطلة نهاية السنة برفقة عائلته. آلن سيحضر حفلة الافتتاح، وقد أعدت إدارة المهرجان احتفالاً خاصاً لهذا الحضور الذي يتزامن مع إطفاء الشمعة الستين من تاريخ دورات المهرجان، إذ ستشهد شرفة فندق الإكسيلسيور في جزيرة الليدو حفلة موسيقية كبيرة يحيها نجم من نجوم الموسيقى العالميين. قوة الجذب التي تمتلكها البندقية وتاريخها حرّكت أيضاً أحد عمالقة التمثيل في العالم، الاسكتلندي شون كونوري الذي سيحضر المهرجان كبطل لفيلم "جمعية الرجال المحترمين الاستثنائيين" من إخراج ستيفن نورنغتن. ومعروف عن كونوري كسله عن الحركة والسفر الأمر الذي دعا الكثيرين إلى الاعتقاد بأن دي هادلن وعده بجائزة "الأسد الذهبي للحياة الفنية"، غير أن هذه الجائزة ستذهب إلى نجمنا العربي الكبير عمر الشريف الذي سيحضر المهرجان بطلاً لفيلم "السيد إبراهيم وأزاهير القرآن" من إخراج الفرنسي فرانسوا ديبوران. عمر الشريف ليس السينمائي العربي الوحيد في المهرجان. الحضور العربي هذه السنة كبير ومتميّز إنظر مكان آخر في هذه الصفحة وقد تمكن مدير المهرجان من كسر "قاعدة" الحضور العربي الناضب في المهرجان والذي كان الرد على التساؤل حوله يأتي بالقول: "لقد بحثنا ولم نجد أفلاماً تتناسب والمهرجان". دي هادلن فعل ما تجاهله مديرو المهرجان السابقون أي تعيين مختص عربي ليقوم باختيار كوكبة من الأعمال العربية لضمها إلى البرنامج. وبالفعل جاء اختيار الناقد اللبناني غسان عبد الخالق كمستشار لمدير المهرجان للسينما العربية موفّقاً للغاية. دورة الاحتفال بستّينية مهرجان البندقية سيطفئ شموعها عدد كبير من عمالقة السينما العالمية ونجومها، فإلى جانب وودي آلن سيسّجل المهرجان لنفسه عودة كبيرة للمخرج الإيطالي بيرناردو بيرتولوتشي، الفائز بتسعة جوائز أوسكار عن فيلمه "الأمبراطور الأخير" والذي سيعود إلى الليدو، بعد غياب طويل بفيلمه الجديد "الحالمون" ويتناول فيه حياة باريس إبان ثورة الشباب والطلبة. وثمة ترقب كبير لهذا الملف الذي يفتحه بيرتولوتشي لفصل مهم من تاريخ العالم في القرن الماضي والذي أفضى إلى ثورة عارمة، ليس على صعيد السياسة فحسب، بل على صعد عدة كالثقافة والوعي والأخلاق والقيم الاجتماعية، ذلك الفصل الذي كان بيرتولوتشي أحد عناصره ونتاجاته في الوقت ذاته. وكما وجد بيرتولوتشي ضرورة فتح ملف "ربيع العام 1968" لقراءة تأثيراته في الوعي الأوروبي والعالمي، فإن عدداً من المخرجين الإيطاليين وجدوا أن هناك ضرورة للعودة إلى بعض الملفات المهمة في التاريخ الإيطالي كقضية المجزرة التي حصلت عام 1947 في سهل "بورتيلا ديلا جينيسترا" في صقلية وقتل فيها عدد من المتظاهرين وجرح آخرون ونُسبت مسؤوليتها إلى عصابات المافيا الصقليّة التي كان يقودها العراب سلفاتوري جولياني، الفيلم الذي يتناول هذا الموضوع هو "أسرار الدولة" من إخراج باولو بينفينوتي. أما الملف الغامض الثاني فهو قضية خطف الزعيم السياسي الإيطالي المشهور "آلدو مورو" وقتله من جانب منظمة الألوية الحمر الإرهابية اليسارية في ربيع عام 1978 ويتناوله المخرج ماركو بيللوكيو بفيلمه "صباح الخير أيها الليل". وعلى رغم أن السينما الإيطالية تعاملت مع القضيتين بفيلم "سلفاتوري جوليانو" للمخرج الكبير "فرانتشيسكو روزي" وبفيلم "قضية مورو" للمخرج جوزيبي فيرارا فإن الغموض الذي لفّ القضيتين وتبعاتهما السياسية دعت المخرجين الى تناولهما من منطلق التحقيق الباحث عن الحقيقة. أميركا... حاضرة في الخارج السينما الاميركية التي قيل أنها غابت عن مهرجان كان تحضر هذه الدورة من مهرجان فينيسا بأفلام عدة، لكن معظمها يعرض خارج المسابقة الرسمية. وعلل مدير المهرجان هذا القرار بالقول "ربما كان المنتجون الأميركيون خائفين من فقدان ماء الوجه إذا ما خرجوا من المهرجان من دون أي جائزة" وتنحصر مشاركة السينما الأميركية في المسابقة الرسمية بفيلم واحد هو "21 غراماً" للمخرج أليخاندرو غونزاليس إينّارييتو الذي سيكون بالتأكيد منافساً كبيراً للحضور الأوروبي الضخم في المسابقة. إينّارييتو كان حاضراً في الدورة السابقة من المهرجان بجزء من الفيلم الكورالي عن أحداث 11 أيلول 2001 والذي ساهم في إنجاز جزء منه المخرج العربي يوسف شاهين. أما البرنامج الرسمي للمهرجان يضم 34 فيلماً. عشرون منها هي أفلام روائية طويلة و12 فيلماً قصيراً ضمن المسابقة الرسمية فيما يتضمن البرنامج فيلمين قصيرين آخرين خارج المسابقة. أفلام المسابقة الرسمية تتضمن، إضافة إلى الفيلمين الإيطاليين "أسرار الدولة" لباولو بينفينوتي و"صباح الخير أيها الليل" لماركو بيللوكيو، عمل المخرجة اللبنانية رندة الشهال الصبّاغ "الطائرة الورقية" الذي يتناول، بحسب بعض النقاد، قصة حب عبر الحدود الإسرائيلية - للبنانية وعمل المخرج الفرنسي جاك دوايون "رجاء" المصوّر في المغرب ويتناول يوميات حياة مجموعة من الأثرياء الفرنسيين وعدد من فقراء المغرب. إضافة إلى فيلم المخرج البولندي جان جاكوب كلوسكي بعنوان "بورنوغرافيا" والذي نبّه من أجله مدير المهرجان المشاهدين البصّاصين بعدم ترقب ما هو فاضح ومثير للشهوات والشبق لأن "أحداث الفيلم تدور في بولندا المحتلة من النازيين في عام 1943". الأفلام الروائية الطويلة خارج المسابقة هي عشرة أفلام فيما يتضمن برنامج الأحداث الخاصة خمسة عناوين، إثنان منها فيلمان روائيان طويلان وأما العناوين الثلاثة الأخرى فهي أفلام متوسطة الطول. ويتضمن برنامج "عكس التيار" 19 عنواناً يتسابق 18 منها على جائزة الأسد الفضي لأفضل عمل تقرره لجنة تحكيم خاصة تضم في صفوفها الناقد السينمائي المصري سمير فريد. ومن بين الأفلام التي تتنافس على هذه الجائزة شريط المخرج التونسي عبد الكريم بهلول "الشمس القاتلة". أما برنامج أراضٍ جديدة فيضم 64 شريطاً من بينها 24 عملاً روائياً طويلاً و40 عملاً قصيراً ومتوسطاً. برنامج أسبوع النقاد توّسع في هذه السنة ليضم تسعة أعمال روائية طويلة بدلاً من الأعمال السبعة المعتادة. نجوم المهرجان عدد كبير من نجوم السينما العالميين سيمرون على البساط الأحمر الذي يزيّن مدخل قصر السينما في ليدو البندقية يتقدمهم النجم العربي عمر الشريف الذي سيحمل على خشبة مسرح قصر السينما عالياً جائزة الأسد الذهبي للحياة الفنية ويقدّم واحداً من أهم أدواره السينمائية في السنوات الأخيرة في فيلم "السيد إبراهيم وأزاهير القرآن الكريم". نيكول كيدمان تعود إلى الليدو للمرة الثالثة في غضون أربعة أعوام وستحضر هذه السنة برفقة أنتوني هوبكنس كبطيلن لفيلم "بقايا إنسان" للمخرج روبيرت بينتون. أما كاترين زيتا جونز وجورج كلوني فسيكونان بطلين لكوميديا "قساوة مرفوضة" من إخراج الأخوين جويل وإيثان كوين. النجم الإسباني أنطونيو بانديراس سيرافق البريطانية إيمّا تومسن في فيلم "متصوّراً الأرجنتين" من إخراج كريستوفر هامبتن. بانديراس سيكون حاضراً أيضاً في فيلم "كان يا ما كان في المكسيك" الذي يتقاسم بطولته مع سلمى حايك وجوني ديب، فيما سيحضر شون بين وبينيتشو ديل تورو كبطلين لفيلم أليخاندرو إينّارييتو "21 غراماً" ويتنافس كلاهما على جائزة التمثيل الرجالية. ولن يحضر المخرج ريدلي سكوت المنشغل بعمل آخر، وسيقدّم فيلمه "الرجل عود الثقاب" إلى المهرجان بطله النجم نيكولاس كيج. كما يُنتظر حضور النجم الأوسكاري الإيطالي روبيرتو بينينّي الذي عاد ليؤدي من جديد دوراً في فيلم صديقه جيم جارموش "قهوة وسجائر" إلى جانب كيت بلانشيت وستيف بوشيمي وإيجي بوب. وقد تمكن مدير المهرجان في اللحظات الأخيرة من إقناع المخرج الكبير مارتين سكورسيزي بالمجئ إلى الليدو لعرض أربعة أجزاء من عمله المسلسل عن تاريخ موسيقى الجاز. لجنة التحكيم الدولية رئاسة لجنة التحكيم الدولية للمهرجان أسندت إلى المخرج الإيطالي الكبير ماريو مونتشيللي 87 عاماً وعرف عنه أنه "أبو الكوميديا الإيطالية" وقد أنجز أعمالاً رائعة مثل "المجهولين إياهم" 1958 و"جيش برانكاليوني" 1966 وفاز بجائزة الأسد الذهبي لمهرجان فينسيا في دورة 1977 عن فيلمه "برجوازي صغير صغير" ومنح جائزة الأسد الذهبي للحياة الفنية عام 1991. وتضم اللجنة في صفوفها كلاً من الممثل الإيطالي الشاب ستيفانو أكّورسي الفائز بجائزة أفضل ممثّل في دورة العام الماضي من المهرجان، ومدير التصوير الألماني مايكل بالهاوس والمخرجة آن هيو من هونغ كونغ والمخرج والسيناريست الفرنسي بيير غولفييه والمنتج الأميركي مونتي مونتغومري والممثلة الإسبانية آسّومبتا سيرنا. ويفترض أن تمنح اللجنة الجوائز الآتية: الأسد الذهبي لأفضل فيلم" الجائزة الكبرى للجنة التحكيم الدولية أسد فضي" الجائزة الخاصة لأفضل إخراج أسد فضي" الجائزة الخاصة لأفضل مساهمة فنية ذات قيمة إبداعية أسد فضي" كأس فولبي لأفضل ممثل الجائزة تحمل اسم الكونت جوزيبي فولبي دي ميسوراتا مؤسس المهرجان في العام 1932" كأس فولبي لأفضل ممثلة" جائزة "مارتشيللو ماسترويانّي" لأفضل طاقة تمثيلية شابة الجائزة استُحدثت من مدير المهرجان الأسبق فيليتشي لاودادّيو تكريماً للممثل الإيطالي الراحل مارتشيللو ماسترويانّي" كما أن لجنة التحكيم ستمنح أيضاً إلى الأفلام المشاركة في مسابقة الأفلام القصيرة من دون إمكان تقسيم الجائزة مناصفة بين عملين الجوائز الآتية: الأسد الفضي لأفضل عمل قصير" جائزة شركة الإنتاج يو آي بي لأفضل عمل قصير أوروبي" إضافة إلى إشادة خاصة واحدة. أما لجنة التحكيم الدولية الخاصة بمسابقة برنامج "عكس التيار" فقد أسندت رئاستها إلى المؤرخة الفرنسية لور آدلر وتضم في صفوفها الناقد المصري سمير فريد والمختص الإيطالي بالآداب الإنكليزية والأميركية فيتو آموروزو والممثلة التايوانية رينيه ليو والممثل والموسيقي الألماني أولريك توكر وستمنح اللجنة الجوائز الآتية: جائزة سان ماركو خمسون ألف يورو لمخرج أفضل عمل" الجائزة الخاصة لأفضل مخرج" جائزة عكس التيار لأفضل ممثل" جائزة عكس التيار لأفضل ممثلة. يذكر أن فيلم المخرج التونسي عبد الكريم بهلول "الشمس القاتلة" يشارك في هذه المسابقة.