تمثل قضية البيئة نوعاً من الاهتمام الحيوي المشترك عالمياً، اذ تلفت النظر الى مشكلات من نوع"الأمن البيئي"كمسألة سياسية، و"مخاطر البيئة"التي رفعت الوعي بضرورة حماية النظام الايكولوجي للطبيعة وتحسين ظروف العيش الإنساني، وغيرهما. وهكذا تحولت البيئة الى جزء اساسي من السياسة والاقتصاد على المستوى العالمي. كما فرضت نفسها كموضوعة ملحة على الدول النامية والمتقدمة. وكذلك لفتت الى اهمية العلاقة بين معدلات النمو السكاني، وأنماط الإنتاج والاستهلاك، واثرهما في البيئة محلياً ودولياً. اذا تتبعنا مصادر الضرر البيئي، يتبين بسهولة أن الدول الصناعية الغنية تمثل المصدر الاساس لتلوث الهواء، وما يترافق معه من ظواهر مثل الارتفاع التدريجي في حرارة الكوكب الارضي، وهطول الامطار الحمضية Acid Rain، المحملة بغازات المصانع والسيارات، والنفايات السامة، و تآكل طبقة الأوزون وغيرها. في المقابل، تتحمل الدول الفقيرة نصيباً وافراً من آثار الاضطراب البيئي، خصوصاً لجهة انقراض الكثير من الانواع الحية، ما يُعرف باسم فقدان التنوع البيولوجي Biodiversity، وفقدان سبل الرزق نتيجة لتدهور التربة والتصحر وإزالة الغابات وغيرها. والحال ان الضرر البيئي ينهك كوكب الأرض كله، بفعل الاخلال بالتوازن البيئي، ويؤثر سلباً في قدرة البشر على التأقلم. والارجح ان تمتد عواقبه الى الأجيال المقبلة. العولمة تساهم في تخريب البيئة تمثل آليات العولمة قوة تغيير جذري في المشهد العالمي، مع الشركات العملاقة العابرة لحدود الدول ومؤسسات ذات بعد دولي مثل"منظمة التجارة العالمية"وغيرهما. وتمثل محوراً فاعلاً في التأثير في البيئة. ويحمل انفلات نمو المصالح الاقتصادية، مع اهمال التحوط لآثاره على البيئة، مخاطر جمة للمحيطين المحلي والعالمي. ولا يكفي التذرع بمردودات الدخل الناتج من التجارة الحرة سبباً منطقياً للقبول بالتدهور البيئي المتفاقم. وتعيق العولمة، بتفلتها من المعايير البيئية، عملية التنمية المستدامة، ويشير هذا الامر الى الحاجة لمجموعة من الإصلاحات الجذرية لمواجهة سلبيات تجاهل التنمية الاقتصادية للبعد البيئي. ومثلاً، تعتمد العولمة على زيادة الاستهلاك، لكنه يزيد من نسب التلوث. فما هو الحل؟ وفي هذا المعنى، هل تصبح العولمة اطاراً ل"تصدير التلوث"الى الدول النامية؟ وتطرح مشكلات البيئة، بطابعها العالمي، إشكالية خاصة حول كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة، التي تفترض تدفقاً دائماً للاستثمارات المعولمة. ومثلاً، يؤدي الاستنفاد المستمر للمصادر الطبيعية، بفعل ارتفاع وتيرة الانتاج، الى زيادة المخلفات ما يحدث تعارضاً بين البيئة والتنمية. في هذا المعنى، يبدو النظام الاقتصادي العالمي الراهن وكأنه لم يعد إطاراً مناسباً لحل مشكلات البيئة. ويطالب الكثير من ناشطي البيئة عالمياً بإعادة صوغ شروط هذا النظام، بما يتضمن دعماً لمسألة التوازن البيئي. ومثلاً، يرى هيرمان دالي، وهو ناشط بيئي مشهور، وجوب ألا يزيد معدل استخدام الموارد الطبيعية على معدلات قدرة النظام الايكولوجي على تجديدها، إضافة الى ضرورة خفض معدل انبعاثات التلوث عن معدلات القدرة الطبيعية على استيعابها. في سياق مماثل، يوجه بعض ناشطي البيئة نقداً قوياً للسياسة الأميركية تجاه قضية البيئة، مثل موقفها السلبي في مؤتمر قمة الأرض عام 1992، حينما رفضت اعتماد معاهدة"التنوع البيئي"، وكذلك رفضها التوقيع على معاهدة حظر التجارب النووية التي اعتمدتها الأممالمتحدة عام 1996، وأيضاً خروجها من الاجماع الدولي على معاهدة"كيوتو"، اضافة الى انعدام مبادرتها لتحسين موقفها كأكبر ملوث مفرد للهواء في العالم وغيرها. ويخلص هؤلاء للقول ان الاستراتيجية الأميركية في البيئة تعطي الاولوية لمصالح الشركات المعولمة، وليس للحفاظ على التوازن الديناميكي للبيئة العالمية. وفي الاطار نفسه، يلاحظ ان مطالبتها المستمرة بتحرير التجارة عالمياً، لا تترافق مع اصرار مماثل على معايير البيئة، ولا يصاحبها موقف مسؤول تجاه الضرر البيئي الذي تحدثه شركاتها، خصوصاً في بلدان العالم الثالث. والانكى انها تتخذ من المطالبة باجراءات بيئية متشددة، عبر نفوذها في"منظمة التجارة العالمية"، ذريعة للحد من صادرات تلك الدول اليها! وهكذا تقع بلدان العالم الثالث بين مطالبتها بقبول انفلات الشركات المعولمة من جهة، وفرض القيود على صناعاتها عبر شروط بيئية متشددة، من جهة ثانية. سؤال البيئة والتنمية في مصر في اطار هذه المعطيات، يمكن طرح السؤال الآتي: الى اي مدى يمكن أن يتسق النظام البيئي في مصر مع المعايير البيئية ل"منظمة التجارة العالمية"؟ اذا اخذنا المعطيات التي وردت آنفاً، خصوصاً الصورة المتشابكة للعلاقة بين التنمية والعولمة من جهة، والبيئة من جهة ثانية، فالارجح ان نصل الى موقف نقدي من سياسات"منظمة التجارة العالمية": الذراع القوية للعولمة وشركاتها. وتستهدف سياسات هذه المنظمة إزالة العوائق أمام حرية التجارة، وخفض التعرفة الجمركية، وتنسيق المعايير البيئية ليتحقق شرط"جودة المنتج"من خلال استخدام مواد غير مضرة بالبيئة في صناعته، وهو صلب التشدد البيئي، الذي يخدم الكثير من المصالح الاميركية. ومن الممكن توجيه نقد اولي الى اعطاء منظمة التجارة العالمية الاولوية المطلقة لتحرير التجارة، من دون ربطه بشروط تلزم الشركات الحفاظ على البيئة المحلية والعالمية. وكذلك يفرض اصرارها على رؤية البيئة من زاوية ضيقة، او ما تطلق عليه مصطلح"جودة المنتج"، شروطاً قاسية على الدول الاقل تقدماً، ما يعيق وتيرة التنمية فيها. واصلاً، هل تتوافر للدول النامية مقومات تحقيق معايير الجودة؟ وهكذا، يبدو تعميم الأيزو كمعيار لللبيئة، وكأنه يعمل لمصلحة اقتصادات الدول الصناعية وحدها. تصل بنا هذه الامور الى التساؤل عن الاستراتيجية التي يمكن أن تتبعها الدول النامية لإعادة صوغ سياسات منظمة التجارة، بما يتوافق مع النمو الاقتصادي، ومفهومي التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة. والحال ان مصر تعطي مثالاً مهماً للاشكاليات السابقة. فالنظام البيئي في مصر يتدهور في خصائصه الحيوية لأنه يتأثر سلباً بمعايير"منظمة التجارة العالمية"وسياساتها. ومن المنطقي القول ان هذا النظام لا يتسق مع الأطر العامة للمعايير البيئية ل"منظمة التجارة العالمية"لأنها تتحدد طبقاً للعلاقات الاقتصادية المصلحية بين الدول وليس طبقاً لإحداث التوازن الكوكبي.