تتابع الاوساط الديبلوماسية العربية والدولية في بيروت باهتمام المسار العام للعلاقة بين الغالبية النيابية في البرلمان وتحديداً كتلتي"المستقبل"النيابية برئاسة سعد الحريري و"اللقاء الديموقراطي"بزعامة وليد جنبلاط، وبين الثنائية الشيعية المتمثلة بحركة"أمل"و"حزب الله"، خصوصاً في ضوء اختلاف الغالبية مع"حزب الله"على توسيع صلاحية لجنة التحقيق الدولية لتشمل بالاضافة الى جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري كل الجرائم التي سبقتها محاولة اغتيال مروان حمادة. ويتلازم الاهتمام الدولي والعربي بالمفاوضات الجارية بعيداً من الاضواء بين الاطراف المذكورة مع اهتمام آخر للقوى المسيحية في الغالبية البرلمانية التي تسأل عن التوتر السياسي الدفين الذي بدأ يسيطر على هذه العلاقة. كما تسأل ما اذا كان الحريري وجنبلاط قد ارتكبا اخطاء سياسية دفعت ب"حزب الله"الى عدم مراعاتهما في مطلبهما تشكيل محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وتوسيع صلاحية لجنة التحقيق الدولية. واذ استبعدت اوساط مقربة من القوى المسيحية حصول اخطاء من الحريري وجنبلاط أدت الى تحفظ الحزب عن المحكمة الدولية وتوسيع صلاحية لجنة التحقيق، قالت ان رئيس كتلة"المستقبل"بادر الى الطلب بعد استشهاد والده، من الفريق الذي كان يعمل معه الى إجراء تقويم لما آلت اليه العلاقة بين الرئيس الشهيد وقيادة"حزب الله". واضافت ان الحريري اكتشف في ضوء التقويم الذي رفعه اليه فريق العمل ان والده كان يسعى الى حماية سلاح المقاومة انطلاقاً من قناعته الراسخة بأن هذا السلاح يشكل حاجة استراتيجية للبنان في مواجهة عدو محتل لمزارع شبعا ولا يرتدع عن مواصلة انتهاكه اليومي للاجواء اللبنانية واعتداءاته على القرى المجاورة للمزارع. ولفتت الى ان الحريري وانطلاقاً من هذه القناعة التي كونها بادر بعد التشاور مع جنبلاط الذي يملك القناعة نفسها، الى اتخاذ قراره الاستراتيجي بالتحالف مع الحزب وانه بدأ تسويقه مع حلفائه في لقاء 14 آذار مارس، اضافة الى سعيه الحثيث لدى المجتمعين الدولي والعربي من أجل الدفاع عن تحالفه من جهة، وتوضيح وجهة نظره حيال سلاح المقاومة من جهة ثانية. وأكدت الاوساط ذاتها أن قرار الحريري التحالف مع الحزب كان وراء اشراك الأخير في الحكومة وبصورة مباشرة للمرة الاولى منذ خوضه الانتخابات النيابية في عام 1992، مشيرة الى ان رئيس كتلة"المستقبل"بالتعاون مع جنبلاط قام بتحرك مميز لدى المجتمع الدولي بغية اقناعه بأن سلاح المقاومة خاضع للحوار الداخلي ولمصلحة البلد الى حين انتفاء الحاجة اليه لتحرير المزارع ولوقف الاستفزازات الاسرائيلية من خروقات واعتداءات يومية. وبحسب الاوساط نفسها، فان الحريري نجح في فصل سلاح المقاومة عن القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وبالتالي في اقناع المجتمع الدولي بأن الحزب جزء اساس من النسيج اللبناني وان لا مبرر لعزله أو استهدافه لا سيما أن لديه توجهاً وطنياً وبرنامج عمل سياسياً وان سلاح المقاومة شرعي باجماع اللبنانيين. وأوضحت الاوساط أن الحريري وجنبلاط كانا أوعزا الى نوابهما بضرورة ابداء الرأي تحت سقف الحفاظ على التحالف مع الحزب وتعزيزه لكنها رأت في المقابل أن لديهما شعوراً بأن"حزب الله"لم يتعامل معهما بالمثل خصوصاً لجهة الوقوف الى جانبهما كحليف في موضوع توسيع صلاحية لجنة التحقيق وتشكيل المحكمة الدولية ومبادرة وسائل الاعلام التابعة له ومن حين لآخر الى استضافة فريق من السياسيين يهاجم باستمرار لجنة التحقيق وكل ما حمله تقرير رئيسها القاضي ديتليف ميليس الى مجلس الامن الدولي. وقالت ان اصرار الحريري وجنبلاط على المحكمة الدولية من ناحية وتوسيع صلاحية التحقيق من ناحية ثانية يصبان في خانة تحصين الساحة الداخلية من الاعتداءات الارهابية التي تستهدفها من خارج الحدود. واعترفت بأن الحريري وجنبلاط سيواجهان مشكلة سياسية في حال اتخذ الحزب قراره بالخروج من الحكومة لأن انسحابه سيولد لدى الرأي العام شعوراً بأن مثل هذا الموقف سيؤثر سلباً في الاجماع حول المقاومة نظراً الى انه سيضعها في وجه بقية مكونات المجتمع اللبناني وهذا من شأنه ان يضعف الحوار الجدي القائم بين الغالبية النيابية والمجتمع الدولي على اساس ان المقاومة تندرج ضمن الاجماع اللبناني وتحظى بغطاء سياسي واسع يؤمنه لها فريق الغالبية. وشددت على ان أي تلويح من الحزب بالانسحاب من الحكومة سيضعف موقف لبنان حيال المجتمع الدولي لا سيما بالنسبة الى اقراره بأن سلاح المقاومة ينتسب الى السلطة وليس خارجاً عنها. وسألت هذه الاوساط عن الجدوى من ربط سلاح المقاومة بالسلاح الفلسطيني خصوصاً الموجود خارج المخيمات والذي يتبع لفصائل فلسطينية متحالفة مع سورية؟ وقالت ان هذا الربط لا يضعف موقف الحزب فحسب وانما الموقف العام للحكومة في دفاعها عن الحزب في المحافل الدولية. كما سألت ايضاً ما اذا كان هناك رابط بين تهديد الحزب بالانسحاب من الحكومة وبين المشهد السياسي الذي بدأ يجسده رئيس كتلة"الاصلاح والتغيير"النيابية العماد ميشال عون الذي يتصرف حالياً وكأنه على وشك انجاز المعاملات المطلوبة للاعلان عن الطلاق النهائي بين"التيار الوطني الحر"وقوى 14 آذار؟. واضافت ان عون بدأ يمهد الاجواء للانفصال عن هذه القوى من خلال هجومه العنيف عليها في مؤتمره الصحافي الاخير الذي لم يخف فيه رفضه لاسقاط رئيس الجمهورية اميل لحود تحت ضغط الشارع، معتبرة ان"الجنرال"ليس في وارد الطلب من الاخير التخلي ما لم يضمن وصوله شخصياً الى سدة الرئاسة الاولى. وسألت الاوساط عن عدم مبادرة الحزب الى توجيه انتقادات لعون على مواقفه امام الكونغرس الاميركي في واشنطن والتي دعا فيها الى نزع سلاح المقاومة والتركيز على الوسائط الديبلوماسية لتحرير مزارع شبعا ومشدداً ايضاً على انه كان وراء قانون محاسبة سورية وتحريرها من الداخل؟ ورأت ان عون اخفق في اقامة علاقات سياسية متوازنة مع الحريري وجنبلاط خلافاً لقائد"القوات اللبنانية"سمير جعجع الذي نجح في تسجيل حضور من خلال اعتماده على لغة المنطق في تظهير مواقفه السياسية بينما لا يرى عون في أي قوة سياسية حليفاً له ما لم تقر بضرورة ايصاله الى الرئاسة الاولى، من دون ان يتوافق مع الآخرين على ان انهاء عهد الوصاية السورية على لبنان لن يكتمل الا بانتخاب رئيس جديد.