يبقى الحوار المفتوح بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري تحت سقف ضرورة تضافر الجهود لتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي مدخلاً للحفاظ على الاستقرار العام في البلد ومنعاً للفلتان الأمني. لكن ذلك لا يعني أنهما على استعداد لتجاوز نقاط الاختلاف بينهما، وأبرزها الموقف من سلاح «حزب الله» في الداخل ومشاركته في القتال إلى جانب الرئيس بشار الأسد في سورية، والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان لجلاء الحقيقة في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري و «سرايا المقاومة» المتواجدة في المناطق ذات الغالبية السنّية بذريعة أنها تؤمن الغطاء للمقاومة. وبكلام آخر، فإن الحوار يمكن أن يسمح في نهاية المطاف بتنظيم الاختلاف بين الطرفين بما يفتح الباب أمام إعادة ترسيم الحدود السياسية بينهما على قاعدة احتفاظ كل طرف بمواقفه التي هي على تناقض جوهري مع مواقف الآخر. ولم تكن الجلسة الأخيرة من الحوار سوى مناسبة أتاحت لكل طرف مصارحة الآخر بما لديه من هواجس شرط ألاّ تؤثر في استمراريته لأن الحوار يبقى ضرورة وطنية - كما تقول مصادر سياسية مواكبة لهذه الجلسة - في ظل الأجواء المحيطة بالمنطقة والأخطار الناجمة عنها والتي تتطلب من الجميع التعاون، ولو في حده الأدنى، لمنع الحريق الأمني من الاقتراب من لبنان. وتؤكد المصادر نفسها ل «الحياة» أن الجلسة الثامنة من الحوار انتهت إلى تأكيد نقاط الاختلاف شرط التمييز في التعبير عنها بين التجريح والتخوين السياسي وبين التذكير بنقاط الاختلاف، وهذا ما حال دون مقاربة ملف انتخابات رئاسة الجمهورية من زاوية امكان البحث عن قواسم مشتركة من شأنها ان تؤدي الى التفاهم على انتخاب رئيس توافقي يحظى بإجماع الأطراف السياسيين ولا يكون صفقة ثنائية سنّية - شيعية، مع ان عقبته الرئيسة تكمن في أن «حزب الله» ليس في وارد التخلي عن ترشح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. وتلفت أيضاً الى ان «حزب الله»، ومن معه، يحاول أن يستغل المواقف التي تصدر عن الاجتماعات الأسبوعية لكتلة «المستقبل» أو تلك التي يعلنها النواب الأعضاء فيها لتمرير رسالة مفادها بأن رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة يتزعم فريق الصقور في مواجهة فريق الحمائم الذي يتزعمه زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري. وترى المصادر عينها ان المضمون السياسي لمواقف السنيورة وعدد من النواب لا يختلف عمّا يقوله الرئيس الحريري وأن الفارق بينهما يتعلق بطبيعة النبرة التي يعتمدها كل فريق في صوغ مواقفه السياسية. وتعتبر أن «حزب الله» وفريقه يلجآن الى التذرع بمواقف السنيورة ليقولا ان الحوار يمكن ان يحقق تقدماً ملموساً في مقاربة نقاط الاختلاف لكن كتلة «المستقبل» تقف عائقاً دون الوصول اليها وبالتالي ليس هناك من مشكلة عنوانها ان الصقور يقفون سداً منيعاً في وجه الحمائم لقطع الطريق على تحقيق الحوار خطوات سياسية ملموسة من شأنها ان تؤدي الى تضييق رقعة الاختلاف بين الطرفين المتحاورين. لكن المصادر قد تأخذ على كتلة «المستقبل» المغالاة في تقديم مواقفها الى الرأي العام وتتصرف وكأن الحوار غير قائم مع «حزب الله» أو أن الكتلة لا تشارك في حكومة ائتلافية، إلا ان هذا المأخذ لا «يصرف» في تبرير التأخر في مقاربة الملف الرئاسي من قبل «حزب الله» لأنه لا يزال يخوض معركته لكسب الوقت لعل الظروف السياسية في وقت لاحق تسمح بتسويق عون رئيساً للجمهورية. لذلك، لا بد من ضبط أداء «المستقبل» لجهة تنعيم موقفه من دون أن يقدم أي تنازل يتعلق بثوابته السياسية لأن ذلك يدعم فريقه المحاور ويسقط ذرائع «حزب الله»، خصوصاً ان تحقيق تقدم في الحوار يتطلب منه تقديم بعض «التسهيلات» لأن ليس لدى «المستقبل» ما يعطيه على الطاولة سوى استعداده للتعاون من أجل تنفيس الاحتقان المذهبي لوضع حد لتطييف النزاع الدائر في البلد. خيار «حزب الله» الحوار وفي هذا السياق تسأل المصادر هل المطلوب من «حزب الله» الانكفاء عن مشاركته في القتال في سورية أو وقف تمويل وتسليح «سرايا المقاومة» أو التجاوب مع المحكمة الدولية في تسليمه للمتهمين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري؟ وتقول إنه ليس في وسعه سوى أن يقدم على طاولة الحوار بلا أي تردد استعداده للبحث في رئيس توافقي ليس من لون سياسي واحد. وتضيف أن «حزب الله» وفريق 8 آذار يستخدمان موقف السنيورة وبعض النواب في «المستقبل» لتبرير عدم استعدادهما للبحث في مواصفات الرئيس العتيد وكأن هؤلاء هم العائق أمام الولوج الى الملف الرئاسي. طالما ان الطرفين على تفاهم على تحييد الحوار عن نقاط الاختلاف الأخرى. وتتابع هذه المصادر ان خطاب الحريري في الذكرى العاشرة لاستشهاد والده أو موقفه لمناسبة انطلاقة «ثورة الأرز» أكثر ايلاماً ل «حزب الله» بالمفهوم السياسي للكلمة من مواقف الآخرين في «المستقبل»، لكن الحزب تغاضى عن وصف الحريري مشاركته في الحرب في سورية الى جانب الأسد بأنها ضرب من الجنون واختار شنّ حملة سياسية على السنيورة لتقديم موقفه وكأنه يعيق التقدم في الحوار. وتعتقد المصادر أنه يفترض ب «المستقبل» أن يبادر إلى «تنعيم» موقفه من دون تخلّيه عن ثوابته، لأنه بذلك يحشر «حزب الله» في الزاوية نظراً إلى رفضه البحث بمواصفات المرشّح التوافقي لرئاسة الجمهورية، بدلاً من أن يبقى الحوار يراوح مكانه، مع أن لا مصلحة لأحد في عدم استمراريته. أما في خصوص إصرار عون على ترشيح العميد شامل روكز لقيادة الجيش وسعيه الدؤوب إلى رفع سنّ التقاعد للعسكريين فإن هناك من يسأله لماذا لا يلتفت إلى حلفائه ومن خلالهم إلى حليفهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري للوقوف على رأيهم من عدم التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي لمصلحة تعيين روكز خلفاً له بدلاً من أن يركز على الآخرين لينتزع منهم موقفاً مؤيداً لتعيينه وتحديداً «المستقبل» ورئيس اللقاء «النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط. وعلمت «الحياة» أن عون لم يأخذ من جنبلاط «لا حقاً ولا باطلاً» في مسألة تعيين روكز قائداً للجيش وأن الأخير أبلغه أن الأمر يحتاج إلى إجماع من مجلس الوزراء وبالتالي فإن القرار ليس عنده وحده. وتؤكد مصادر سياسية أخرى أن الحريري أبلغه الموقف نفسه الذي أعلمه به جنبلاط، ومفاده بأن لا فيتو على تعيينه إذا كان هناك إجماع لأن البلد لا يحتمل في ظل الظروف الراهنة حصول فراغ في رأس المؤسسة العسكرية، إضافة إلى أن جنبلاط صارحه أيضاً بأنه لا يريد أن يحشر نفسه أو أن يدخل في اختلاف مع قهوجي إذا ما أيّد روكز أو من يمثّله الأخير في حال عارض مجيئه. وفي هذا السياق، تسأل المصادر عن الجهة التي سرّبت معلومات حول الاجتماع الأخير بين عون والحريري في «بيت الوسط» وفيها أنه أيّد تعيين روكز قائداً للجيش في مقابل عزوف «الجنرال» عن خوض معركة الرئاسة، وتستغرب كل ما نسب إليهما في هذا الخصوص على رغم أن هناك من سارع إلى توظيفها لتبرير اللقاء الوزاري التشاوري الذي دعا إليه الرئيس ميشال سليمان، والذي كانت خلاصته التأكيد أن قرارات مجلس الوزراء تؤخذ بالإجماع! ويكمن التفسير الوحيد لهذا الموقف الصادر عن اللقاء التشاوري بأن من شارك فيه يعترض على تعيين روكز قائداً للجيش علماً أن ما نسب إلى حصيلة اللقاء بين عون والحريري نسب أيضاً إلى اجتماع الأخير برئيس المجلس النيابي. ولعل انعقاد اللقاء التشاوري في حضور سليمان جاء تتويجاً لسوء التباس للأجواء التي سادت اجتماع الحريري - عون كان وراء تسريب معلومات تفتقد للدقة إضافة إلى أنه جاء، كما تقول مصادر مواكبة، على خلفية وجود شعور في غير محله بأنهما توصلا إلى عقد صفقة عنوانها المجيء بروكز على رأس القيادة العسكرية. وعلمت «الحياة» أن وسطاء دخلوا على خط التواصل لدى سليمان وأعضاء في اللقاء الوزاري التشاوري و «المستقبل» بغية تصويب ماحصل في اجتماع عون - الحريري نافين حصول صفقة على حساب المسيحيين في «14 آذار» أو المستقلّين في مجلس الوزراء. ويقول أحد هؤلاء الوسطاء أمام زواره أن سليمان عاتب على الحريري على خلفية خطابه في الذكرى العاشرة لاستشهاد والده لسببين: الأول عدم الترحيب به بالاسم والثاني لتجاهله أي إشارة إلى «إعلان بعبدا» على رغم أن البيان الوزاري لحكومة المصلحة الوطنية برئاسة تمام سلام أغفل أي ذكر للإعلان مع أنها شكّلت في عهد سليمان قبل انتهاء ولايته الرئاسية. رد عون على عدم تعيين روكز ويسأل هذا الوسيط عن الأسباب التي دفعت اللقاء الوزاري التشاوري أو معظم أعضائه إلى التوجس من اجتماع عون - الحريري مع أن مثيله لم يكن له من أثر لدى حزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع؟ ويقول إن الأمر يتعلق بثقة الأخير بحليفه الحريري بخلاف الآخرين الذين «ركبوا» موقفهم على تسريبات بدلاً من ان يستوضحوا من المعنيين بالأمر حقيقة ما حصل في هذا الاجتماع. وعليه كيف سيرد عون في حال عدم تعيين روكز قائداً للجيش؟ هل ينسحب من الحكومة كما أبلغ أحد المطارنة أم أنه يطلب من وزرائه الانكفاء عن حضور جلسات مجلس الوزراء؟ وماذا سيكون موقف حليفه «حزب الله» حيال هذين الاحتمالين وهل سيتضامن معه على «بياض» أم يسارع الى إقناعه بالعدول عن الانسحاب من الحكومة خصوصاً ان انسحابه قد يؤثر في حواره الذي لم ينقطع مع «المستقبل» وكان آخره لقاء عقد ليل أول من أمس بين وزير الخارجية جبران باسيل ونادر الحريري رئيس مكتب الرئيس الحريري؟ لذلك، تعتقد المصادر المواكبة أن عون قد يقرر أخيراً أن «يطحش» برفع سنّ التقاعد للعسكريين لعله يتمكّن من «حجز» مقعد لروكز كمرشح لقيادة الجيش عندما تسمح الظروف، لا سيما أنه يدرك أن تعيينه في الوقت الحاضر دونه عقبات أبرزها انتزاع موافقة مجلس الوزراء بالإجماع، واستعداد نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل ليتقدم باقتراح من مجلس الوزراء بهذا الخصوص وهل «يمون» عليه عون كما يقول الأخير أم أن لسليمان موقفاً آخر سيأخذه في الاعتبار إضافة الى ان تعيينه يستدعي الوقوف على رأي رئيس الجمهورية وهذا لن يتوافر في ظل الفراغ الرئاسي؟