تصلح رواية كويتزي الأخيرة أن تكون رواية أخيرة. "اليزابيث كوستيلو" 2003 ظهرت قبل وقت قصير من فوز الكاتب بنوبل الآداب 2003. هذه رواية تتألف من دروس. أحد هذه الدروس محوره الشر، أو العنف البشري. تقرأ كوستيلو رواية لبول وست عن محاولة لاغتيال هتلر سنة 1944. تفشل المحاولة ويُلقى القبض على المخططين. قبل اعدامهم يتعرضون للتعذيب. تشعر كوستيلو بالذعر وهي تقرأ الوصف الدقيق لعملية التعذيب. تقول ان هذه الأشياء لا تُكتب، لا ينبغي أن تُكتب. تقول ان الكاتب القادر على وصف هذه الفظائع هو - على نحو ما - رجل قادر على ارتكابها. هل تقول كوستيلو كلاماً مخيفاً كهذا؟ ليس تماماً. ديفيد لودج كتب ان كويتزي ذاته وصف مشاهد مثيرة للرعب في رواياته. هل تُحاكم كوستيلو كويتزي أيضاً، وهي تحاكم بول وست؟ لكن بول وست ليس شخصية خيالية. ليس معادلاً روائياً لكويتزي. بل كاتب حقيقي. ولودج يدرك هذا. لا يهاجم لودج كويتزي لكنه لا يفهم موقف كوستيلو: لماذا تهاجم كوستيلو حق الكاتب في تصوير مشهد عنيف، بينما صاحبها كويتزي ارتكب مثل ذلك في روايات كثيرة؟ يكاد لودج يقول: لماذا لا تهاجم كوستيلو "في انتظار البرابرة"؟ لماذا لا يهاجم كويتزي نفسه أولاً؟ والسؤال مفهوم ومعقول. لكنه مردود أيضاً. ذلك أن الجواب قائم في قلب السؤال ذاته، وفي كلمات كوستيلو: يستطيع المؤلف أن ينقسم على ذاته. أليست الكتابة حواراً بين شخصيات لا تحصى تحيا في الأعماق؟ لا تفهم كوستيلو كيف يُقدم روائي على تعذيب شخصياته: ترى ان الشر يدخل الكاتب وهو يكتب مثل هذه السطور: اذا كانت الفظائع قد حدثت فالأجدى أن تُدفن تحت التراب، وأن تُنسى الى الأبد، تقول كوستيلو، الروائية بطلة رواية كويتزي الأخيرة. كوستيلو على حق. أين النُبل في وصف انسان يتعرض للتعذيب؟ ما القيمة الأدبية لمثل هذا الوصف الشنيع؟ ألا يكفي ما حدث فعلاً في التاريخ لنأتي ونضاعف كل تلك الشناعة خيالياً في الأدب أيضاً؟ تطلب كوستيلو أن نُشيح بوجهنا. تبدو مواقفها متطرفة. لا تفهم مثلاً كيف يستطيع الإنسان أن يأكل لحماً. تُخبرنا أنها نباتية، وتلقي محاضرة في جامعة عن الحيوانات وحقوق الحيوانات. كويتزي نفسه سبقها الى ذلك. لكنه فعل ما فعله بأسلوب مبتكر: قال أمام القاعدين في القاعة أنه لا يلقي محاضرة بل يقرأ فصلاً من عملٍ أدبي. الفصل المذكور لا يلبث أن يظهر في هذه الرواية. ماذا يصنع كويتزي؟ يمحو الحد بين الواقع والأدب؟ يقول رأيه ولا يتحمل المسؤولية؟ أم يُظهر جانباً واحداً من المسألة، ثم يطلب - من نفسه، ومن القارئ - أن يجاوز كل هذا الجدل الى أفقٍ جديد؟ لكن ماذا يكون الأفق الجديد؟ والى أين يأخذنا كويتزي؟ كوستيلو التي تلج الشيخوخة تعرف أين هي ذاهبة: ذاهبة الى حيث تذهب المخلوقات كلّها، ذاهبة الى موتها. تفتح الباب وتغادر عالمنا. * تصلح رواية كويتزي الأخيرة أن تكون رواية أخيرة. لكن كويتزي يقدر أن يبدأ مرة أخرى. لم يبلغ الخامسة والستين بعد. وفي بدنه طاقة. ثم ان العالم ما زال هو هو: أرض مملوءة عنفاً وصخباً وجنوناً. لم يتغير العالم. وما زال قادراً على تصويره، رواية بعد رواية بعد رواية. * هل يعرف الروائي روايته الأخيرة بينما يكتبها؟ أم أن هذه المعرفة تأتي بعد وقتٍ، في أيامٍ آتية، بعد سنين؟