صحيح ان الحديث عن موضوع قيادة المرأة للسيارات فقد حالياً من إثارته وغرابته في الجزائر على عكس السنوات السابقة، وبالضبط في سنوات السبعينات والثمانينات عندما كانت المرأة نادراً ما تجلس وراء مقود السيارة، إن لم يكن معدوماً خصوصاً خارج العاصمة أو كبريات المدن الساحلية... غير ان اللافت والمثير في الأمر هي المواقف التي تصنعها يومياً النساء والفتيات بعد ان اكتسحن بسياراتهن الصغيرة وحتى الكبيرة طرق الجزائر، مما جعل الحديث عنهن أمراً يفرض نفسه بقوة. "منذ ان أمسكت المرأة مقود السيارة أصبحنا نشاهد عجائب وغرائب في الطرقات... انها الكارثة"... هكذا لخص "كمال 27 عاماً حديثه عن النساء السائقات، فهو يضم صوته الى أصوات آلاف الرجال الذين يعتبرون ان النساء وراء كوارث الطرق في الجزائر، سواء بسبب عدم اجادتهن القيادة مثل الرجال، او لسبب آخر اعتبره الاكثر خطورة، اذ قال: "حتى ولو لم يقمن مباشرة بحادث... فالمؤكد انهن المتسببات بذلك الحادث الذي حتماً يكون الرجال ضحاياه"! كما يعيب الرجال - أيضاً - على النساء السائقات في الجزائر انهن غير مباليات على الطريق، ولا يهمهن أحد حتى ولو أجهد نفسه بالصراخ، فلا يفسحن الطريق لأحد، وفي حال قمن بذلك، تظهر عليهن علامات الغضب... وهنا يروي كمال حادثة عاشها قبل أسبوع فقط على الطريق السريع الذي يصل بين ضاحيتي زرالدة وبن عكنون في العاصمة، عندما كان يقود السيارة وبرفقته صديقه: "كان لدينا موعد عمل مهم، وكنا جد متأخرين لكننا لم نقلق لأن الطريق كان شبه فارغ... لكن لسوء الحظ... كانت فتاة تقود السيارة أمامي، ولم ترد ان تفسح لي الطريق حتى "تنرفزت" وقررت ان أغير خط السير فجأة، في الوقت نفسه كانت سيارة مقبلة بسرعة فائقة وكدنا ان نصطدم لولا تحكمي الجيد في المقود ولأنه لحسن الحظ كان السائق في السيارة الاخرى رجلاً فلو كانت امرأة، لكانت كارثة حقيقية". عيوب النساء السائقات - بحسب ما يقول الرجال طبعاً - لا تنتهي. فالمشكلات تكون كبيرة عندما تحاول احداهن ركن سياراتها بين سيارتين أو في مكان ضيق، وتكون المشكلات كبيرة كذلك عندما تحاول السائقة ان تتفادى الوقوع في الحفر فهي حتماً تنسى ان هناك سيارات الى جانبها... كما تكون المشكلات أكثر عندما تتشاجر سائقة مع سائقة اخرى. انه فيلم هندي هكذا سمعنا بائعاً يتحدث مع زبون في سوق الابيار" عن فتاتين تشاجرتا من داخل سيارتيهما من دون ان يفهم أحد السبب الحقيقي للمشكلة! وإذا كانت نقطة اتفاق غالبية الرجال هي ان النساء يقفن وراء مشكلات الطريق ويتسببن بالمتاعب الحقيقية في القيادة فإن السائقات لهن وجهات نظر مختلفة، وقد تقف تقارير الجهات المختصة الى جانبهن، إذ تؤكد الاحصاءات الرسمية ان نسبة الحوادث التي ترتكبها النساء جد متدنية مقارنة مع الرجال، وتذهب تقارير أعدتها وكالة - غير رسمية - للبحوث في حوادث المرور الى الكشف عن ان 87 في المئة من الحوادث يرتكبها الرجال، مقابل 13 في المئة فقط للنساء. هذه النسبة على رغم انها غير رسمية غير انها افرحت الكثير من السائقات، لا سيما اللواتي يؤكدن اجادتهن للسواقة، ومن بينهن نادية 28 عاماً التي سألت عن سبب الانتقاد الدائم لهن، فقالت: "لا أفهم لماذا ينظر الرجال الينا دائماً كأننا مبتدئات أو ناقصات خبرة وكفاية، فأنا مثلاً أقود السيارة منذ 7 أعوام ولم أتسبب الى الآن في اي حادث، ويمكن ان تلاحظوا ذلك في سيارتي، فأنا لا أذهب أبداً الى شركات التأمين الا لتجديد عقدي" أكدت ايمان 22 عاماً من جهتها انها تتقن قيادة السيارة، بدليل ان والدها يسمح لها بأخذ سيارته كلما شاءت في حين لا يسمح لشقيقها بذلك، غير انها تعترف بأن مشكلتها الوحيدة مع السيارات هي الميكانيك، فكلما حدث لها عطل تتصل هاتفياً بوالدها أو أحد اصدقائها لإنقاذها. وبعيداً من تراشق التهم والانتقادات بين السائقين من الجنسين، فإن المؤكد الذي ربما لا يتشرف به الجزائريون هو ان نسبة حوادث المرور في بلادهم في ارتفاع مستمر مما جعل السلطات المختصة تدق ناقوس الخطر للحد مما يعرف بارهاب الطريق. وتكشف الاحصاءات الرسمية في ولاية العاصمة مثلاً عن انه في العام الماضي بلغ معدل الحوادث القاتلة واحداً كل 3 ساعات. وقد يعكس هذا الرقم خطورة الطريق في الجزائر، لا سيما منها المؤدية الى الولايات الداخلية، وفي مقدمها الطريق الرابط بين ولايتي العاصمة وسطيف، حيث يشتهر سائقو الاجرة - وهم عادة من ولاية سطيف - بالمقولة الشهيرة: "عام في السبيطار... ولا ساعة روطار" بمعنى: "نختار البقاء عاماً كاملاً في المستشفى، على ان نتأخر ساعة من الزمن!".