يؤمل ان يسهم تأهل منتخبي تونس والمغرب الى المباراة النهائية في بطولة كأس الامم الافريقية لكرة القدم التي اختتمت أمس في تونس في تعزيز الآمال العربية بمستقبل حافل، وفي ازاحة احتكار دول غرب أفريقيا عن زعامة الكرة في القارة السمراء بإقصاء الكاميرونونيجيريا. لكن البطولة شهدت ايضاً استمرار ابتعاد دول شرق القارة عن المنافسات الكروية، ما قاد الى المقارنة لمعرفة اسباب هذا الاخفاق وتحديداً بين اللاعبين من الجهتين. وشاعت قبل اعوام نظرية عن الفارق الجسدي بين الرياضيين من العرق الاسود وبين نظرائهم البيض، والذي كان السبب في تفوق السود في رياضة الجري وتحديداً في المسافات القصيرة، وهو يعود الى التركيبة الجينية والفيزيولوجية الطبيعية. من هنا يبرز السؤال عن سبب تفوق منتخبات غرب القارة كروياً على نظيرتها من الشرقية؟ في حين تتفوق الاخيرة في جري المسافات الطويلة خصوصاً. وعلى رغم ان شعبية كرة القدم هي الاكبر في الدول الافريقية كلها، الا ان الثوابت الميدانية لا تعكس هذه الشعبية, فباستثناء المنتخبات العربية في شمال افريقيا حيث نجح الجزائريون والمغاربة في تحقيق النجاحات على غرار رياضيي غرب القارة وأيضاً في مسابقات جري المسافات الطويلة على غرار نظرائهم في الشرق، لذا فإن التفوق الكروي القاري والتألق عالمياً كانا من نصيب الكاميرونونيجيريا، في حين ان رواندا وكينيا كانتا الوحيدتين اللتين تمثلان شرق افريقيا في "تونس 2004". وهي المرة الاولى ايضاً منذ 1976 التي يتأهل فيها منتخبان من شرق القارة الى النهائيات. وعلى صعيد اللاعبين، فإن الانجح في الاحتراف اوروبياً بين الجهتين هم من غرب القارة وبينهم الكاميرونيان جيريمي وإيتو والنيجيري جاي جاي اكوشا والسنغالي حجي ضيوف... وتطول القائمة، خصوصاً اذا عدنا الى التاريخ وتوقفنا عند انجازات نجوم كبار أمثال اوزيبيو الذي تألق مع البرتغال بعد هجرته لبلده موزامبيق، وأيضاً الكاميروني روجيه ميلا والغاني عبيدي بيليه والليبيري جورج ويا. ولكن البحث عن أبرز موهبة كروية في شرق القارة السمراء يطول ويتعمق قبل الوصول الى كيني يلعب في الدوري القطري، وآخر في الدرجة الثانية في الدوري البلجيكي، وعدد من "الشرقيين" من الصومالوكينيا يلعبون في دوري الهواة في انكلترا وفرنسا. فلماذا اذاً يفشل ربع القارة وتحديداً الجزء الشرقي منها في انتاج مواهب كروية من بين اكثر من 700 مليون شخص؟ وعلى عكس قدرته في انتاج ابطال سباقات المسافات الطويلة، هل تعوقه الكوارث الطبيعية من جفاف ومجاعات والنزاعات الداخلية عن مواكبة تطورات اللعبة؟ وهل تختلف ثقافة كرة القدم بين مواطنيها والنظرة اليها عما يتمتع به ابناء الطرف الغربي؟ ومن الاجوبة المثيرة، جواب قدمه اكاديميون من الولاياتالمتحدة وجنوب افريقيا واوروبا يفيد ان التركيبة الجسمانية للاعبي غرب افريقيا اكثر ملاءمة لمتطلبات كرة القدم العصرية من نظرائهم ذوي الاجساد النحيلة في الجهة الشرقية. ويقول المتخصص في ابحاث الأداء الجسماني الدنماركي بينغت سالتن: "يعتقد عدد من خبراء العلاج الطبيعي والجسد البشري ان ابرز عوامل نجاح الرياضي هي التدريبات المنتظمة والبيئة المحيطة ونوعية الغذاء، لكن التركيب الجيني عادة هو الذي يحدد مدى تألق الرياضي". ويقول عالم الجنس البشري الاميركي جون انتين الذي قاد هذه النظرية: "ليست مفاجأة ان يخفق لاعبو كرة القدم من شرق افريقيا، وأساساً هم من الاسوأ في العالم عندما يتعلق الامر بقدراتهم في مزاولة اللعبة، لأن تركيبة اجسادهم تختلف عن نظرائهم في الغرب، ولا اقول ان العرق يختلف وإنما الجسد بسبب المحيط الذي يعيشون فيه وهذا اساس علم الجنس البشري. ولا علاقة لذلك بثقافة الطرفين او الخلفية الاستعمارية التي حكمتهما. واعتقد ان الامر سيبقى على حاله في المدى الطويل من منطلق ان طبيعة الجسد البشري تبقى ثابتة ومتعلقة بالمحيط مهما تغيرت الظروف وزاد الاهتمام او ضخت الاموال وقدمت التسهيلات, وببساطة، فإن بروز لاعبين مميزين بأعداد كبيرة في شرق افريقيا سيكون شبه مستحيل في اي وقت". وأكد ان "من الصعب تخيل ان تكون الاندية الاوروبية تبحث عن لاعبين نحفاء وضعفاء البنية، بل العكس هو الصحيح، فهي تبحث عن اقوياء البنية من ذوي العضلات. وكشافوها يجوبون انحاء العالم من اجل ذلك". وفي هذا الصدد يوضح كشاف نادي مانشستر يونايتد نيكولاس مكغاون الذي حضر منافسات كأس الامم الافريقية "جميع كشافي الاندية الاوروبية في البطولة تابعوا لاعبي نيجيريا والسنغال والكاميرون وليس كينيا ورواندا. كان هناك مشروع لتأسيس اكاديمية لاكتشاف اللاعبين في شرق افريقيا منذ سنوات ولكن لم يحدث شيء حتى الآن". وأكد الكشاف الانكليزي الذي كان يتابع مهاجم المنتخب الكيني دينيس اوليش البالغ من العمر 19 عاماً والمحترف في الدوري القطري، انه "على رغم تألق الاخير مقارنة بصغر سنه، الا انه يظل بعيداً من المستوى الذي يتطلع اليه اداريو مانشستر". ولكن اوليش نفسه لم يوافق آراء علماء الجسد البشري عندما سئل عن رأيه في هذه النظرية، "لا علاقة للقدرة الجسدية والتركيبة الجينية في بروز لاعبي شرق افريقيا، بل يتعلق الامر باكتشاف المواهب في هذه المنطقة التي تخلو تماماً من الكشافين، وهناك مواهب كثيرة ضائعة او غير مصقولة" ويقول المدرب الالماني اوتو بفيستر الذي اشرف على عدد من الفرق الافريقية وقاد منتخب غانا للشباب دون 17 عاماً الى احراز بطولة العالم عام 1991 "هناك مواهب عدة في انحاء افريقيا كلها وهم بالآلاف، لكنهم يحتاجون الى من يتابعهم ويبدو ان لا احد لديه الوقت", وعن سيطرة دول غرب افريقيا على اللعبة يرى بفيستر: "ليست هذه قاعدة، ومشاركة كينيا ورواندا في تونس دليل إلى ان هناك املاً بتحقيق تقدم حتى وإن لم تحرزا نتائج باهرة". ويقول كشاف نادي يوفنتوس الايطالي مومينيكو ريتشي: "يذهب المال والاستثمار الى حيث تتلألئ المواهب، وهناك الكثير منها في شرق افريقيا... انها مسألة وقت فقط قبل ان تنهض منتخبات هذا الجزء من القارة ويبرز نجومها".