لم تكن خديجة تعرف مدام كاميليا كثيراً، ولكنها دعتها الى شقتها يوماً، لتلك العلاقة التي كانت تربطها بوالدها في اطار العمل، مع ان الوالد كان يصفها ب"السيدة الغريبة". وما ان جلست "مدام كاميليا" وبدأت ترشف الشاي حتى انتفضت واقفة، وانطلقت نحو غرفة النوم وقالت بصوت خافت: "هناك شيء غريب في البيت". وأخذت تجول يميناً ويساراً وهي تتثاءب، حتى تمكن الخوف من خديجة التي لا تكاد تعرفها. وفجأة انتشلت مدام كاميليا شيئاً من تحت الوسادة و"شيئاً" آخر من فوق خزانة الملابس. حملت مدام كاميليا الشيئين، وقالت لخديجة انهما "عملان" لإفساد حياتها الزوجية، وفتحتهما متمتمة كلمات غير مفهومة، ومن ثم همهمت بآيات من القرآن الكريم، وحرقتهما، وأكدت ل"خديجة" ان "كل شيء سيكون تماماً" بعد ايام. وبعد ايام، انفصلت خديجة عن زوجها وانتهى الأمر بالطلاق. والجدير بالذكر ان "السيدة الغريبة" موظفة عادية في احد دواوين الدولة، ولا تمتهن تحضير "الأعمال" او فكها. بخلافها، تعيش "مدام عنايات" على "الأعمال". تستدعيها العائلات الثرية في القاهرة لعرض مشكلاتها من خلافات زوجية، وشكوك في علاقات الزوج بأخريات، وغيرها من اسرار البيوت المعتادة. وتستخدم "مدام عنايات" وسائل غريبة في "الكشف" عن "الأعمال"، ومن ثم "فكها" اي إبطال مفعولها. وتتقاضى بين 300 و400 جنيه في فك العمل الواحد، اضافة الى بدل الانتقال. وقد يرتفع الأجر في حال كانت المؤشرات الأولية تدل على ثراء صاحب الطلب. بين الغيب و"الدجل" وتؤكد مريم سمير مثلاً انها استعانت بمدام عنايات قبل نحو ثلاثة اعوام لمساعدتها في العثور على خاتم ألماس باهظ الثمن، وفعلاً عثرت عليه في بيتها وكلفها ذلك نحو ألف جنيه. كثيرون يعملون في مجال ما يسمى ب"قوى ما وراء الطبيعة" حيناً و"أمور الغيبيات" حيناً آخر، و"الدجل" احياناً اخرى. ويشمل القطاع تخصصات متعددة منها "وضع" و"فك" الأعمال الهادفة الى حل المشكلات او التسبب فيها، وقراءة الفنجان، وتحديداً فنجان القهوة التركية اي العربية. سيدات كثيرات يتخذن من قراءة الفنجان هواية اجتماعية، فتلتف مجموعة من الصديقات في منزل احداهن يحتسين القهوة ثم يقلبن الفناجين في صحونها، لترسم بقايا المشروب في قعر الفنجان اشكالاً مختلفة. وتطلق قارئة الفنجان لخيالها العنان، فهذا شكل حصان يعني "سكة سفر" وهذه "صرة" تعني اموالاً في الطريق الى صاحب الفنجان، وهذه عين "مقورة ومدورة" تشير الى وجود حاسد يتربص... الى قائمة طويلة جداً من التفسيرات منها ما هو دارج كثير الاستخدام، ومنها ما هو غير مألوف يعتمد على حنكة "القارئة". لكن هناك من يتخذ من قراءة الفنجان حرفة. وثمة في مصر من يثق بهذه الحرفة الى حد القول ان قصيدة الشاعر الراحل نزار قباني "قارئة الفنجان"، التي غناها المطرب الراحل عبدالحليم حافظ كانت تعبيراً عن تنبؤات "حقيقية" بنهاية العندليب الأسمر! "قراءة مستعجلة" والغريب ان "قراءة الفنجان" المحترفة تشيع بين سيدات "المجتمع الراقي" والمتعلمات في احد اشهر فنادق مدينة الاسكندرية. وتشهد حديقة الفندق ظاهرة صيفية غريبة تستحق الدراسة، اذ تتجمع عشرات السيدات والفتيات الثريات والمتعلمات حول قارئة الفنجان المدعوة "ستوتة" والتي يرجح بعضهم انها من اغنى نساء مصر والوطن العربي. تقول ش. وهي في الخامسة والثلاثين من عمرها - وتشغل منصباً مرموقاً، ان قريبة لها في الاسكندرية دعتها الى جلسة "ستوتة" واعداة اياها بأن علاقتها بالقارئة ستوفر عليها عناء الانتظار الطويل الذي قد يمتد الى ساعات متأخرة من الليل. وبعدما دفعت بدل "قراءة مستعجلة" على غرار الكشف المستعجل لدى كبار الأطباء، فوجئت ش. بستوتة تخبرها بأن قريباً لها اسمه س. سيواجه مأزقاً، وأنها ش وأسرتها سيساعدونه الى أن يتغلب عليها، وأن شخصا عزيزاً عليها سيتعرض لوعكة صحية قريبة وأخبرتها بتفاصيل أخرى كثيرة ودقيقة تحقق جميعها. وعلى رغم أن ش. نفسها لا تؤمن بتلك الأفعال، تتعجب من دقة الاسماء والأحداث التي قالتها ستوتة. وتقول إحدى هاويات قراءة الفنجان إن "قراءة الفنجان أشبه بتأمل السحب وتخيل وجود أشكال، مع فارق واحد هو أن الاشكال الموجودة في كل فنجان تخص صاحبه وحده". وتؤكد أن أشكالاً كثيرة "تتكرر ولها تفسيرات شبه ثابتة، ومنها التفاحة التي تعني الخصوبة والابداع، والقوس الذي يعني أموالاً تأتي من عمل ما، والخبز الذي يعني تحقيق الآمال والأحلام، والجسر الذي يمثل دليلاً على ضرورة اتخاذ قرار حيوي، والكاميرا ومعناها أن شخصاً ما منجذب الى صاحب أو صاحبة الفنجان، والعملات المعدنية وهي مؤشر على قرب وصول أموال، والزهور دليل السعادة، والمصباح يؤكد أن أمنية غالية ستتحقق، وآلة الهارب الموسيقية ومعناها أن في الأفق قصة حب رومانسية، والعقد تعني معاناة صاحب الفنجان من مشكلات معقدة قد تؤثر على صحته. أما الطريق فيعني اتاحة فرص قد تغير من وضع صاحب الفنجان، والباخرة او السفينة معناها فرصة عمل أو كسب مال جديد". وعلى رغم أن غالبية الضالعين في هذا المجال من الجنس الناعم، فإن ظاهرة جديدة فرضت وجودها في مصر في السنوات القليلة الماضية، ضمن مجموعة أخرى من الظواهر غير المفهومة. فقد عرف رجال ونساء أجانب طريقهم الى قلب المجمتع المصري الثري رافعين شعار قراءة الطالع، ومدعين دراستهم لهذا المجال دراسة علمية في "بلاد برة" التي حتماً تكون متقدمة "لأن أي شيء من بلاد برّة متقدم وأفضل من المحلي". أحد اولئك فرنسي في منتصف الاربعينات من عمره، اسمه جان - لوك بايلي. يقدم نفسه على أنه شديد الحساسية للقوى الروحية او الخارقة للطبيعة. يتردد كثيراً على حفلات رجال الاعمال والفنانين، ولا يكاد يلفت انتباه أي من الحاضرين، لكنه دأب على مباغتة رجل أو امرأة أمامه، قائلاً: "ستخسر قضيتك المعروضة حالياً أمام المحاكم"، أو "ستضع شقيقتك مولوداً ذكراً"، وذلك من دون أن تكون هناك سابق معرفة. الاقتصاد المصري لن يتهاوى ويداوم على زيارة بايلي شخصيات عدة مشهورة. بعضهم يزوره دورياً وآخرون يزورونه كلما شعروا بالحاجة الى ذلك. ويقول عنه من تعامل معه إن لديه تخاطراً اتصال عقل بآخر بطريقة ما خارجة عن النطاق العادي واستبصاراً القدرة على رؤية كل ما هو واقع وراء نطاق البصر وأشياء أخرى يصعب على كثيرين فهم حتى معناها. وفي مقابلة أجريت معه قبل عامين، صرح بايلي بعدد من التوقعات الخاصة بمصر، كان اطرفها ان "الاقتصاد المصري في حالة سيئة لكنها ليست كارثة، وهو لن يصل ابداً لمرحلة الانتعاش... لكنه لن يتهاوى!" وعن السلام في المنطقة، قال: "ستكون هناك فترات قصيرة من السلام، لكنها لن تدوم طويلاً". وتوقع بايلي أن يعود نظام طالبان الى الحكم في افغانستان، ورجح أن يكون بن لادن قد مات. الغريب أن بايلي قال إنه توقع حدوث كارثة في الاقصر قبل وقوع "مذبحة الاقصر" في تشرين الثاني نوفمبر عام 1997. وقال في المقابلة نفسها وكان هذا في عام 2002: "لدي حالياً الشعور نفسه لكن عن شرم الشيخ". وقال بايلي إنه لا يؤمن بالأبراج، إلا إذا كانت معدة في صورة مشخصنة. وعلى رغم ان الابراج المنشورة في الجرائد والمجلات غير "شخصية"، ويكتبها أي محرر يتسع وقته لذلك، الا ان نسبة كبيرة من قارئي الصحف في مصر يطالعونها. وصحيح ان الغالبية تقرأها اتباعاً لعادة الا ان بعضهم لا سيما من المراهقين والمراهقات يأخذها على محمل الجد. وتلاحظ المكتبات وبائعو الجرائد اقبالاً كبيراً من الشباب على اقتناء كتب الابراج التي تفرد صفحات مطولة عن خصائص كل برج، والصفات الرئيسية للشخصية، والاهم من كل ذلك احتمالات نجاح او فشل علاقة هذا البرج مع ذاك، وذلك طبعاً لأسباب تتعلق بعلاقات الصداقة والخطوبة بين الجنسين.