وقف راعي كنيسة في إحدى محافظات مصر ليعلم المصلّين أن فلاناً - وهو شاب في مقتبل العشرينات - من أبناء هذه الكنيسة مصاب بمرض الإيدز، داعياً الجميع الى عدم الاقتراب منه. وفي أحد المساجد الصغيرة في قرية نائية في صعيد مصر، طلب شاب من شيخ المسجد أن يختلي به ليسأله عن أمر بالغ الخطورة، وما إن بدأ الشاب يسرد مشكلته، حتى هب الشيخ واقفاً وعلامات الغضب واضحة على وجهه وخرج متوعداً الشاب بأغلظ العقاب دنيا وآخرة. والحكاية هي أن الشاب تعرف الى فتاة ليل أثناء إقامته في القاهرة، وأمضى معها بعض الوقت، ثم نمى إلى مسامعه وجود مرض قاتل اسمه الإيدز يمكن أن ينتقل من خلال مثل هذه العلاقات، لكن الشيخ لم يتحمل ما سمع. كان هذا قبل نحو عقد من الزمان، لكن دوام الحال من المحال، وهذا يكون أحياناً رحمة من السماء. وعلى رغم أن التغيير الذي طرأ على هذا الوضع القاتم لم يتغير كلياً، فإن التغيير =الحادث إيجابي. فالغالبية العظمى من شباب وشابات الجامعات والمدارس الثانوية في مصر، يعرفون ولو معلومة واحدة صحيحة عن مرض الإيدز، فيما تكون المعلومات الباقية مغلوطة او على الأقل منقوصة. وعلى رغم أن مشروع الخط الساخن للإيدز الذي دشنته وزارة الصحة المصرية يعمل منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام، فإن المكالمات التي ترد تعكس حاجة الشباب الماسة إلى المزيد من المعلومات حول الثقافة الجنسية. وتشير إحصاءات الوزارة إلى أن نحو 60 في المئة ممن يتصلون من غير المتزوجين، وأن نحو 27 في المئة طلبوا معلومات حول الممارسات الجنسية. برنامج الإيدز الوطني يشير إلى أن متوسط عمر الإصابة في مصر هو بين 20 و40 عاماً، ما يعني أن هذه الشريحة العمرية هي الأحوج إلى المعلومات. والمعلومات التي أعلنها برنامج الأممالمتحدة الخاص بالإيدز UNAIDS قبل أيام في ما يختص بمصر، نصفها وردي والنصف الآخر في حاجة إلى الاهتمام. فمعدلات الإصابة"الرسمية"أقل من واحد في المئة من السكان، إلا أن عوائق إجراء اختبارات الإيدز والفقر، إضافة إلى السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، جميعها يؤكد أن حالات الإصابة أكثر من ذلك وسترتفع اكثر اذا لم يتم العمل الفوري على تطويقها وتوعية الأجيال الجديدة عنها. ويعكف"المجلس القومي للطفولة والأمومة"حالياً على دراسة مشروع للتوعية عن مرض الإيدز، وطرق الإصابة به، والوقاية منه، لكن الموضوع يتسم بالكثير من الحساسية بسبب النظرة الاجتماعية والتقليدية السائدة والمتحفظة عموماً على الحديث عن الصحة الجنسية. إلا أن هناك دائماً طرقاً للالتفاف حول نقاط الحرج. فمثلاً في إطار مشروع مكافحة المخدرات والإدمان الذي بدأه المجلس قبل نحو عامين، يتخلل الحديث في الحملات والزيارات التي يقوم بها أفراد المشروع للمدارس الثانوية في شتى محافظات مصر إشارات إلى مرض الإيدز، وذلك في سياق الحديث عن انتقال المرض من خلال تعاطي المخدرات. وإذا كان التقرير السنوي لمنظمة"يونيسيف"عن"وضع الأطفال في العالم"واتخذ عنوان"الطفولة المهددة"هذا العام، حدد"الإيدز"كأحد أضلع مثلث المشكلات المهددة لأطفال العالم ومراهقيه، فإن هذا يعني أن كارثة الإيدز لم تعد مجرد مشكلة شخص أقام علاقة جنسية غير آمنة، أو نُقل إليه دم ملوث أو ما شابه، لكنها أضحت مشكلة أبناء وأقارب المصابين بالإيدز الذين قد يفقدون معيلهم بسبب المرض، أو يضطرون إلى التسرب من المدارس أو الجامعات لرعاية ذويهم المصابين أو للعمل بدلاً منهم، ما يعرضهم ايضاً لخطر الاصابة، وهو ما سمته"يونيسيف"الوجه اليافع لفيروس نقص المناعة المكتسب. هذه الصورة القاتمة، على رغم واقعيتها، ما زالت بعيدة من دولة مثل مصر حيث معدلات الاصابة متدنية وإن كانت تتزايد. وقبل أيام، وفي"المنتدى العربي الأول لحقوق الطفل والإعلام"، الذي عقد في دبي، خرج المجتمعون بمشروع"الميثاق العربي الأول للإعلام وحقوق الطفل". وطالب الميثاق وسائل الإعلام بتوفير فرص لوصول المراهقين والمراهقات إلى المعلومات المتصلة بالصحة الجنسية والإنجابية والمسائل المتعلقة بتنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل، والوقاية من فيروس الإيدز والوقاية من العدوى بالأمراض المنقولة من طريق الاتصال الجنسي وعلاجها". كما طالب الميثاق ب"الامتناع عن فرض الرقابة على المعلومات ذات الصلة بالصحة، بما في ذلك التثقيف الجنسي، والمعلومات المتعلقة بالجنس، أو إساءة عرضها عمداً". قد تبدو مثل هذه التوصيات بعيدة المنال في ظل قيام غالبية المدارس في مصر إما باستبدال معلم مادة العلوم في الصف الثالث الإعدادي بمعلمة في مدارس الفتيات لتدريس الفصل الأخير في الكتاب وعنوانه"الجهاز التناسلي"أو تجاهل الفصل برمته، على اعتبار أن الامتحانات لا تتضمن أسئلة عن هذا"الموضوع المشين". وإذا كان 60 في المئة من الشباب والمراهقين الذين شملتهم دراسة أجرتها الهيئة الدولية لصحة الأسرة على عينة من الشباب والشابات في مصر قالوا إن"اتباع التعاليم الدينية هو أسلم طريق لحماية الشباب من الإصابة بمثل هذا المرض"، فإن هذا هو تحديداً ما فعله قادة الأديان العرب في القاهرة قبل أيام، حين أعلنوا مسؤوليتهم وواجبهم في التحرك العاجل أمام خطر وباء الإيدز. وفي ظل ضلوع كل من الأزهر والكنيسة القبطية المصرية في هذا الإعلان المهم والخطير، فإنه يتوقع أن يشهد الحديث عن الإيدز تحركاً كبيراً في الفترة المقبلة."إعلان القاهرة للقادة الدينيين العرب لمواجهة الإيدز"تضمن الدعوة إلى كسر حاجز الصمت من على منابر المساجد والكنائس والمؤسسات التعليمية. ولعل رحابة الصدر وسعته اللتين عبر عنهما القادة الدينيون في هذا الإعلان أفضل تشجيع للشباب والمراهقين من الجنسين لطلب المعونة، وقد جاء في الإعلان:"هناك ضرورة للوصول إلى الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالإيدز، لا سيما المتاجرين بالجنس وزبائنهم ومتعاطي المخدرات بالحقن والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، وإن كنا لا نوافق على هذه السلوكيات، فإننا ندعوهم إلى التوبة، وننادي بضرورة تصميم برامج تأهيل وعلاج لهذه الفئات نابعة من ثقافتنا وقيمنا الدينية". مثل هذه الخطوة قد تكون مقدمة لتقبل إدماج قضايا الصحة الجنسية والإنجابية في المناهج الدراسية للمراهقين والمراهقات، وهي الخطوة التي واجهت مناهضة ومعارضة عنيفتين منذ بدء التفكير في طرحها عقب مؤتمر السكان الذي عقد في مصر عام 1994 والذي اعتبره أصحاب المناهج"التقليدية"في التفكير، دعوة إلى الفحش والفساد، لما دعا إليه من مبادئ نشر الصحة الجنسية وغيرها. من جهته قدم المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية، ومقره القاهرة، إلى كل من جامعة الدول العربية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة والمنظمة العربية للصحة المدرسية والبيئية، توجيهات تقنية في التعليم الصحي شملت سبل إدماج قضايا صحة المراهقين في المناهج الدراسية. وفي دراسة عنوانها"الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشباب والمراهقة"، ذكرت الدكتورة إيمان فرج أن المعرفة المكتسبة من خلال المدرسة أوسع من تلك التي تنقلها المناهج الدراسية، وهذا يدفع إلى البحث في فحوى"المناقشات الحرة"في داخل الفصول. ويشير مشروع ميداني سعى لقياس معلومات شباب من الجنسين بين 18 و24 عاماً عن الصحة الإنجابية في مصر، وأجرته الجمعية المصرية لصحة الأسرة، إلى أن"استعراض تساؤلات الشباب الجامعي في هذا الشأن تدفع إلى الاعتقاد بأن أكثر المعلومات بداهة لم يسبق تداولها إلا على نحو محدود جداً بين الشباب ومعلميهم في المراحل المدرسية السابقة". تقرير التنمية الإنسانية العربية أشار إلى أنه"على رغم بدء الكثير من الدول العربية في تنفيذ مشاريع التطوير التربوي، لا سيما مراجعة المناهج الدراسية، فإن خلافات عدة تنشب في ما يختص بالمواضيع التي يُعتقد أنها تمس المحرمات الاجتماعية مثل تعليم الثقافة الجنسية".