حان موعد الحصة الأخيرة من مادة الأحياء للصف الثالث الإعدادي، وهي الحصة التي ظل ينتظرها طلاب وطالبات تلك المدرسة المشتركة طوال العام. وجاء اليوم الموعود، فتم فصل الفتيات عن الفتيان، وانفرد المعلم بالفريق الأول، في حين استدعيت طبيبة شابة قريبة إحدى المعلمات في المدرسة للفريق الثاني. وعلى مدى 45 دقيقة، بدأت بتنبيه كلا الفريقين بضرورة عدم توجيه أية اسئلة أو استفسارات أو تعليقات أثناء تلك الحصة غير العادية، سرت همهمات وضحكات مكتومة وأحمرت وجوه واصفرت أخرى. وانتهت الحصة "بتنفس المعلم والمعلمة الصعداء"، وجاءت مديرة المدرسة لتؤكد على الطلاب والطالبات أن هذا الفصل الأخير لن ترد منه اسئلة في امتحان آخر العام. ومنعاً للتشويق، فإن هذا الفصل الأخير عنوانه "الجهاز التناسلي الذكري والأنثوي". فعلى رغم الانفتاح الكبير الذي فرض نفسه على عقول معلومات الشباب والشابات بفضل الفضائيات والانترنت وتقنية المعلومات الحديثة بأنواعها، إلا أن تعتيماً شبه كامل ما زال يحيط كل ما يتعلق بالجنس، وذلك من قبل المدرسة والبيت. وفي دراسة أصدرها صندوق الأممالمتحدة للسكان عنوانها "ستة بلايين: حان أوان الاختيار" حذرت من أن شباب وشابات العالم يواجهون مخاطر صحية عدة وتحديداً في مجال القضايا الجنسية. وعلى رغم ذلك فهم يتلقون قدراً ضئيلاً من المعلومات والمشورة والخدمات لمساعدتهم على اجتياز الطريق الصعب نحو عالم البالغين. واذا كان المراهقون يحتاجون الى الدعم لبناء احترام الذات، وتطوير مهاراتهم، بما في ذلك، علاقاتهم الزوجية مستقبلا، فان المسؤولية في المقام الاول تقع على عاتق الآباء والامهات. ويدعو التقرير الى ضرورة اشراك الاهل في تصميم البرامج الخاصة بالعناية بالمراهقين، بالاضافة الى تشجيعهم على التحدث مع ابنائهم وبناتهم حول النشاط الجنسي والصحة الانجابية. ودلت دراسات عدة على ان تقديم المعلومات للمراهقين خير وسيلة لغرس المسؤولية الجنسية بينهم، بما في ذلك الامتناع عن ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج الصحي. وفي معظم المجتمعات العربية، تقضي العادات والتقاليد بفرض معايير تميز بين الجنسين، وهو ما يؤدي الى مقاييس جنسية مزدوجة للفتيات والفتيان، اذ يحظى الفتيان بقدر اكبر من المعلومات. هذا على رغم ان الفتيات هن الفئة الاكثر تعرضاً للمخاطر. وفي معظم الدول العربية، تُمنع الطالبة المدرسية الحامل بل المتزوجة من الذهاب الى المدرسة. اذ ما زال تعليم الفتيان في الدول العربية اعلى قيمة من تعليم الفتيات، وعالمياً تمثل الفتيات ثلثي الاطفال الذين لا يذهبون الى المدرسة وعددهم يزيد على 130 مليون طفل وطفلة. وبالطبع فان موضوع النشاط الجنسي والصحة الانجابية للمراهقين يتسم بالحساسية السياسية والاجتماعية، وأكثر المراهقين لا تصله معلومات وخدمات الصحة الانجابية. ويؤكد الخبراء ان التوعية ينبغي ان تبدأ في مرحلة مبكرة، وحتى قبل بلوغهن سن المراهقة، وهي التوعية التي تشمل المعلومات الاساسية، بالاضافة الى الامراض المنقولة من طريق الاتصال الجنسي، واخطرها فيروس نقص المناعة المكتسبة الايدز. وتخلص الدراسة الى ان البرامج الخاصة بالمراهقين والشباب في هذا الشأن يجب ان تعترف ان احتياجات الشباب تختلف حسب التجربة الجنسية لكل منهم، ويجب ان تبدأ بما يريده الشباب، وما يفعلونه للحصول على معلومات. وتنصح بادراج بناء المهارات العامة والخاصة بالصحة الانجابية بوصفها خدمة اساسية، وعليها ان تحمل البالغين على تهيئة بيئة آمنة واكثر دعماً يستطيع فيها الشباب تطوير حياتهم وتصريف شؤونهم، بما في ذلك صحتهم الجنسية والانجابية. وتشير الدراسة الى الدور الكبير الذي تلعبه المنظمات غير الحكومية في مجال اختيار نهج جديد لبلوغ المراهقين، مثل تثقيف الاقران، وبناء المهارات، واسداء المشورة، وغيرها من الخدمات. وهناك تجربة ناجحة في كينيا، اذ لعبت الاغنية الرائجة "يجب ان اعرف" I need to know - والتي يؤديها موسيقيون شباب من نيروبي- دوراً ناجحاً، اذ طالب المراهقون انفسهم باضافة الصحة الانجابية الى الخدمات الصحية المدرسية. وفي جزر مارشال، اثبت برنامج يديره الشباب قدرته على توعية الاقران من الشباب وأسرهم والمجتمع المحلي في قضايا مثل حمل المراهقات، والامراض المنقولة من طريق الاتصال الجنسي، ومرض الايدز وادمان المخدرات، وسوء التغذية. حكومات العالم اتفقت في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عُقد في القاهرة عام 1994- على ان الشباب يتمتعون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الكبار في مجال الصحة الانجابية. ومع الانتشار المرعب لمرض الايدز، ذهبت الحكومات الى ما هو ابعد من ذلك. اذ اتفق عدد كبير من البلدان في عام 1999 على ضرورة توفير التوعية الصحية الانجابية للاطفال في سن الدراسة، بالاضافة الى توفير امكانية الحصول على المعلومات والخدمات لنسبة 90 في المئة من الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 15 و24 عاماً بحلول عام 2005. وهذه الضرورة، لا سيما في ضوء الاحصاءات التي تشير الى ان 11،1 اصابة بمرض الايدز تحدث كل دقيقة واكثر من نصف المصابين من الشباب دون ال24 عاماً. ولما كان اكثر من شخص بين كل ستة اشخاص ينتمون للفئة العمرية بين 15 و24 عاماً، ولما كان 40 في المئة من السكان في 62 بلداً دون سن ال15، فان قضية التوعية اصبحت اكثر إلحاحاً مما كانت عليه في أي وقت مضى. وبدلاً من ان يلجأ الشباب- وايضاً الشابات - العرب الى المجلات الاباحية والكتب الجنسية الدخيلة لاستقاء المعلومات المحظورة في المدرسة والبيت، يمكن ادراجها ضمن دروسهم وفي برامج ترفيهية للتوعية، والاهم من ذلك هو كسر حاجز الصمت والخجل المرضي الذي يحيط بكلمة "جنس".