في عشر دول حليفة للولايات المتحدة اجريت استطلاعات للرأي بشأن المرشحين للرئاسة الاميركية. الغالبية تفضل الديموقراطي جون كيري. والسبب واضح: جورج بوش جرّب، ومن يرغب في تجريب المجرَّب لا بد ان عقله مخرّب، على ما يقول المثل العربي. لم يكن الامر ليحتاج الى استطلاعات. فالعالم ينظر الى بوش على انه وجه شؤم، لا يذكر الا ب11 سبتمبر وبثلاثة اعوام متتالية من وجبات الموت المتلفز طوال اليوم كل ايام الاسبوع، مع وعود بالمزيد. واذا شفعت لبوش سذاجته، فان سموم عصابة المتعصبين من ورائه ومن حوله تنجز المهمة في اعطاء العالم صورة غير مستحبة لاميركا. على رغم ان كيري لم يعد ابداً بأن يكون ناعماً ولطيفاً ومسترخياً، الا ان العالم يريده في البيت الابيض من قبل التغيير وانطلاقاً من اعتبار"واقعي"جداً مفاده ان احداً لا يمكن ان يكون أسوأ من بوش وزمرته. قد تكون هذه النظرة الى كيري صائبة وقد لا تكون، لكن وجود اي خيار آخر غير"دبليو"يغري بالمغامرة، خصوصاً ان الديموقراطي دأب على انتقاد منافسه الجمهوري لأنه اساء الى الحلفاء وأفسد علاقة الولاياتالمتحدة مع العالم، وان لم يختلف معه على المبادئ والأهداف سواء بالنسبة الى العراق او في الحرب على الارهاب او في الاصطفاف وراء قاتل دولي اسمه ارييل شارون. في الاسبوع الاخير رصدت مؤسسات صحافية واعلامية ميول عدد من الرؤساء والقادة الحاليين. واضطر الكرملين لنفي"مزاعم"بأن فلاديمير بوتين يفضل بقاء بوش في منصبه. وتبرأ مكتب رئيس الوزراء الياباني من"تهمة"كهذه. ونجح خبراء رئيس الوزراء البريطاني ومستشاروه في تمويه تفضيلاته، لكن"العارفين"كتبوا ان توني بلير يميل في سره الى حصول تغيير في واشنطن. ويقول"الشارحون"ان بلير، شأنه شأن غيره، يتعامل مع الموجود في البيت الابيض انطلاقاً من ثوابت استراتيجية بريطانية، الا انه تعب مع حليفه الحالي وتعب منه ولم يحصد داخلياً سوى المشاكل. وفي الوقت الذي يحتمل ان يعاد انتخاب بوش على"انجازاته"، فان هذه الانجازات التي شارك فيها بلير بهوس وتهور لم تنعكس سلباً على شعبيته وحزبه فحسب بل اثرت في صحته شخصياً. لا احد من الحلفاء المفترضين يريد ان يصنّف ك"مشتبه به"في تأييد بوش. وحده مجرم الحرب شارون لا يخفي تأييده للرئيس الاميركي الحالي، ليس حباً به، وانما لأنه رهينة لديه، كلما ساءت اوضاعه داخل اسرائيل يوفد مستشاريه لانتزاع قطع اخرى من ثياب الرهينة ليذكّر منتقديه ومؤاخذيه بأن رئيس اميركا لا يرفض له طلباً. ولم يكن مستغرباً، ان تظهر الاستطلاعات الدولية تفضيل الروس والاسرائيليين ل"دبليو". فبوتين، كما شارون، كما بوش، يتعيشون على خوف مواطنيهم من الارهاب، بل اصبح الارهاب اداة رئيسية في عدّة الاحتيال للبقاء في المنصب، كلما زاد الخوف ساد الميل الى عدم التغيير، ولا احد يحاسب احداً او يسأل اين اصبحت الحرب على الارهاب وهل افلحت فعلاً في اضعافه او القضاء عليه. ليس في مصلحة بوتين او شارون او بوش ان يغيروا نهجهم لئلا يتوقف"الارهاب"فتضيع المناصب. ابداء الرأي لا يعتبر تدخلاً في الشؤون الاميركية، فالناخبون الاميركيون هم الذين سيقررون في نهاية المطاف، وهؤلاء كعادتهم لا يفكرون بالعالم الخارجي، على رغم أن هذه من المرات القليلة النافرة التي تبرز تداخل الخارج بالداخل. واذا كان العالم واضحاً الى هذا الحد في نفوره من بوش، فان استمراره متفوقاً في توقعات التصويت يعني ان الاميركيين لا يبالون برأي الآخرين بمن فيهم الحلفاء. لا غرابة بعدئذ ان يستهزئ بوش وزمرته المتعصبة بالعالم.