إذا كتبت عن جرائم اسرائيل، أتلقى بريداً يسألني لماذا لا أكتب عن سورية، وإذا كتبت عن معمر القذافي يوم سقوطه، أتلقى بريداً آخر يسأل السؤال نفسه، بل إن القارئ هشام صبري يقدر أنني لم أزر ليبيا أو بغداد ويسأل لماذا لم يشمل «موقفي الانساني» هذا شعب سورية. بكلام هادئ وبمحبة، دمشق على قرب مئة كيلومتر من بيروت، وبغداد وطرابلس الغرب بعيدتان، وفي دمشقوبيروت قرابة بين الأسر وتواصل يومي، والناس تتصاهر وتتزاور، وقد أخذني أهلي الى دمشق طفلاً وزرتها مراهقاً وفي كل مراحل حياتي حتى اليوم. أقترح على القراء أن يتركوا السياسة جانباً ويفكروا بالناس. هل يمكن أن أعيش في بيروت ولا أزور دمشق. كان طموح السنّي البيروتي إذا «ريّش»، أي إذا أصبح ذا مال بالفصحى، أن يتزوج شامية حسناء بيضاء من «الخِبِي»، لأنها تبتعد عن أشعة الشمس، مكتنزة قليلاً لأنها تفضل لزوم البيت. وإذا كان من القراء من يريد متابعة الموضوع، فهو يستطيع أن يتصل بي مباشرة لأرسل اليه إسمي أقرب صديقين إلي في الثانوية في بيروت، وأحكي له كيف أن والدة كل منهما كانت شامية، وكلا الزوجين اللبنانيين كان تاجر أقمشة في سوق سرسق. لماذا لا تكتب عن سورية؟ كتبت عن سورية خمس مرات منذ انفجار الوضع فيها، وكنت حتماً سأكتب أكثر لو استطعت زيارتها، إلا أنني طلبت الزيارة مرتين ولم أتلقَ جواباً. في المقابل، ذهبت الى البحرين مرتين وكتبت عما سمعت ورأيت في المرتين. وكتبت أكثر من هذا وذاك عن مصر لأنها مفتوحة للزوار، وقد ذهبت اليها ثلاث مرات منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، ولم أكتب مرة واحدة عن اليمن، حيث أعرف الرئيس منذ يومه الأول في الحكم، والسودان لتعذر الذهاب اليهما. كان بين القراء من أيّد كل كلمة في مقالي الأخير عن سورية، كما فعل القارئ ابراهيم زَبَد في رسالة إليّ مباشرة بالانكليزية من كاليفورنيا حيث حصل على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعتها، وكان هناك معترضون كثيرون. أرحّب بالقراء مؤيدين ومعترضين، وأحاول تصحيح بعض الأخطاء. والقارئ طلال العتيبي يقول إنني أستعمل «لغة رقيقة» مع نظام دموي، ونصف مقالي الأخير انتقاد لقتل المتظاهرين وسرد لأخطاء النظام، وقد عارضت إطلاق النار على المتظاهرين في كل مقال لي عن سورية. وله أقول إن بعض أخبار ممارسات السلطة في الانتقام والتعذيب والتشويه والبتر لا يكاد يُصدَّق، إلا أن هناك أدلة متزايدة عليه. والدكتور أحمد الغامدي يتحدث عن مقالات سابقة لي «مجّدت» فيها النظام السوري. أرجو الدكتور أحمد أن يطلعني والقراء على هذه المقالات لأنني لم أرَ «التمجيد» المذكور، ومقالي الأخير كانت فيه إشارة الى أن الدكتور بشار أذكى من مستشاريه، وهو طبيب فلا بد من أنه أذكى، إلا أن العبارة كانت لانتقاد المستشارين الذين أوصلونا الى هذه الحال. أغرب مما سبق نقطتان وردتا في بعض الرسائل: - ستيف جوبس كان أنجح رئيس شركة تكنولوجيا وأكبر شركة تكنولوجيا في العالم كله، وكتبت عن عبقريته لرفع معنويات السوريين، فوالده سوري، كما كتبت قبل ذلك عن حاكم انديانا ميتش دانيالز الذي طرح اسمه للرئاسة الاميركية، فهو من أصل سوري. ووجدت أن بعض القراء رأى في المقال «تلميعاً» للنظام كأنه أبو ستيف جوبس. - قلت إن سورية وإيران هزمتا الولاياتالمتحدة في العراق بالارهاب، وأنكر قراء ذلك مع أن معلوماتي صحيحة وقد راجعتها مع الرئيس العراقي والسفيرة الاميركية في دمشق. والقارئ سامي ثابت يستغرب أن ترسل ايران إرهابيين الى العراق وهي أكبر المستفيدين من احتلاله. هذا صحيح، إلا أن القارئ اختار أن يتجاوز السبب الذي سجلته، فسياسة إدارة بوش الابن المعلنة رسمياً كانت «تغيير النظام» في سورية وإيران، فردّتا عليها بالسلاح المتوافر لهما وهزمتاها. اليوم حاولت أن ألتقي مع القراء في منتصف الطريق لشرح بعض النقاط وأرجو أن أكون نجحت، غير أنني أختتم بموضوع آخر، فقد تلقيت رسالة أسعدتني وكانت من وليد عبدالحميد البكوش، ابن رئيس وزراء ليبيا الأسبق الراحل، فقد كتبت آسفاً أن الصديق البكوش رحل عن هذه الدنيا قبل أن يرى سقوط القذافي، وتلقيت رسالة من الابن يشكرني فيها ويحيي انتصار الشعب الليبي، وكلنا يحيي هذا الشعب البطل. [email protected]