غيّرت هجمات 11 أيلول سبتمبر الولاياتالمتحدة. "الحرب على الإرهاب" التي بدأت في أفغانستان في تشرين الأول أكتوبر 2001، انتقلت إلى العراق في آذار مارس 2003. أين ستحط رحالها في محطتها المقبلة؟ ليس ذلك واضحاً حتى الآن، وإن كانت الانتقادات الأميركية العنيفة لسورية في الأسابيع الماضية أوحت بأن دمشق قد تصبح هدفاً لواشنطن في المستقبل. وليس سراً أن إدارة الرئيس جورج بوش لم تحسم خيارها بعد في طريقة التعامل مع حكم الرئيس بشار الأسد. في الإدارة "صقور" و"حمائم". بعض "الصقور" لا يتورع عن تهديد سورية بعواقب وخيمة إذا لم تُنفّذ "المطلوب منها". وثمة لائحة مطالب أميركية طويلة، تبدأ بوقف دمشق ما تسميه واشنطن "رعاية الإرهاب" وتنتهي بإنهاء ما باتت تسميه اليوم "احتلالاً سورياً" للبنان. وبين هذا المطلب وذاك، تمتد اللائحة لتشمل مساعدة سورية الولاياتالمتحدة في سياستها في العراق والتوصل إلى اتفاق للسلام مع إسرائيل، وحتى إدخال تغييرات جذرية على نظام الحكم في دمشق في شكل يجعله "ديموقراطياً". كان هذا الموضوع محور ندوة الاثنين الماضي في واشنطن تحدث فيها مسؤولون حاليون وسابقون في الإدارة الأميركية. ستيفن ساش، مدير مكتب سورية والأردن ولبنان في الخارجية الأميركية، اعتبر أن استمرار "الموقف السلبي" لسورية سينعكس سلباً عليها. فيما رأى مارتن أنديك السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل بين 1995 و1997 ثم بين 2000 و2001، أن سورية الرئيس بشار الأسد على عكس سورية حافظ الأسد "لا تعرف قراءة خريطة" ما يحصل في المنطقة. أما فرانك غافني، مساعد وزير الدفاع لشؤون سياسة الأمن العالمي في إدارة الرئيس رونالد ريغان، فكان أكثر قسوة من أنديك، وإن وافقه الرأي أنها باتت "جزءاً من المشكلة" للإدارة الأميركية. وحده ريتشارد ميرفي، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا والسفير سابقاً لدى سورية والسعودية وموريتانيا والفيليبين، كان الأكثر تحفظاً. فسورية، كما قال، لا يُتعامل معها ب"لغة التهديدات". في أي حال، ومهما اختلفت مواقف المتحدثين في الندوة التي رعاها السفير الأميركي السابق إدوارد ووكر من "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن، فإن الأمر الذي اتفقوا عليه جميعاً كان أن العلاقات الأميركية - السورية أمام "مفترق طرق" وسيعتمد تطورها، سلباً أو إيجاباً، على طريقة تعامل دمشق مع مطالب واشنطن. ماذا سيحصل إذا لم تلب سورية هذه المطالب؟ هل ستكون إذذاك الهدف المقبل للأميركيين في "الحرب على الإرهاب"؟ يعرض هذا التقرير قضية العلاقات الأميركية - السورية حالياً مُعتمداً على أقوال المسؤولين الأربعة حالياً وسابقاً أمام ندوة واشنطن وبناء على مقابلات خاصة معهم على هامشها. يقول ستيفن ساش إن زيارة وزير الخارجية كولن باول لدمشق قبل أسابيع جاءت في ظل "شعور بالإحباط" ساد إدارة بوش من "تصرفات" الحكم السوري. ويشير إلى أن من بين هذه التصرفات قضية الأجهزة العسكرية التي تقول واشنطن إنها وصلت إلى العراق عبر سورية عشية بدء "عملية الحرية للعراق". ومنها أيضاً سماح سورية بانتقال "المتطوعين" العرب الذين ذهبوا إلى العراق للقتال ضد الأميركيين وسماح السلطات السورية بلجوء مسؤولين عراقيين إليها إثر سقوط بغداد في نيسان أبريل الماضي. ويرى أن "هذه الأخطاء في الحسابات" من "بعض أركان النظام السوري" هي التي إسهمت في أن يقرر باول زيارة دمشق، والتي تزامنت مع تصريحات شديدة اللهجة ضد سورية صدرت عن بعض المسؤولين الأميركيين، خصوصاً في وزارة الدفاع. ويقول ساش إن باول أبلغ الرئيس الأسد أن ثمة فرصة لتحقيق أمور إيجابية كثيرة "بعدما سقط نظام صدام في العراق وبات على رأس الحكومة الفلسطينية رجل يتمتع بصدقية مثل السيد أبو مازن محمود عباس". ويضيف أن "رسالة" باول كانت أن "سورية أمام مفترق طرق. أمامكم فرصة لتحسين علاقاتكم بالولاياتالمتحدة وأن تلعبوا دوراً مهماً في المنطقة ... لكنكم إذا استمريتم في هذه السياسة فإنكم ستعزلون أنفسكم". ويوضح أن باول أثار مع الأسد تحديداً قضية مكاتب "المنظمات الإرهابية" الموجودة في دمشق، وبينها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وأنه طلب منه إغلاقها و"قطع العلاقة معها"، كما أثار معه "قضية العلاقة السورية مع حزب الله"، ودعاه إلى المساعدة في تحقيق "تغيير إيجابي" في عراق ما بعد صدام. كما أثار باول مع الرئيس السوري معلومات عن امتلاك دمشق أسلحة دمار شامل وإمكان أن تكون بعض أسلحة الدمار العراقية وجدت طريقها إلى سورية. وماذا كانت نتائج هذه الزيارة؟ يقول ساش: "كانت غير حاسمة. لا أستطيع أن أقول إن سورية تجاوبت". لكنه يُقر بأن "بعض الرسائل التي وصلتنا من سورية إيجابي"، وأنها استجابت بعض الطلبات الأميركية مثل إغلاق الحدود مع العراق وأسهمت في اعتقال مسؤولين في نظام الرئيس العراقي المخلوع. لكنه يعتبر أن الوقت ليس وقت "نصف خطوات" وأن مصلحة سورية "على المدى البعيد تعتمد على طريقة تعاملها مع الأوضاع الحالية". وماذا يمكن أن يحصل إذا لم تتجاوب سورية؟ يرد ساش: "إذا استمر الموقف السلبي لسورية فإنه سينعكس عليها سلباً. ... هناك أشياء كثيرة يمكن القيام بها ضد سورية ونحن ندرسها". ويشير، في هذا الإطار، إلى مشروع "قانون محاسبة سورية" إذ إن إدارة بوش يمكن أن تغيّر موقفها المعارض لاعتماد هذا القانون في الكونغرس إذا لم يحصل التغيير المطلوب في موقف دمشق. مارتن أنديك ويشرح أنديك أن سياسة إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون في الشرق الأوسط اعتمدت على أمرين أساسيين: الأول السعي إلى تحقيق السلام فيها لأنه سيكون في مصلحة دولها وفي مصلحة أميركا نفسها، والثاني "سياسة الاحتواء" ل"الدول المارقة". ويوضح أن إدارة كلينتون راهنت على تحقيق السلام انطلاقاً من مسار "سورية أولاً"، معتقدة أن تحقيق السلام بين سورية وإسرائيل سيسهّل الوصول إلى اتفاق فلسطيني - إسرائيلي". ويقول أنديك إن واشنطن فكّرت في قضية "رعاية سورية المنظمات المعارضة لعملية السلام ... لكننا اعتقدنا أن الوصول إلى اتفاق سلام سيعني أن سورية ستغلق نشاطات ومكاتب حماس والجهاد الإسلامي ومنظمات أخرى كمنظمة أحمد جبريل. كان موقفنا هو أن اتفاق السلام يأتي أولاً ثم يأتي بعده إغلاق نشاطات المنظمات المتطرفة". ويروي أن السوريين حاولوا إقناع الأميركيين منذ 1994 بأن يحصل تحسين للعلاقات الثنائية في انتظار تحقيق السلام مع إسرائيل، لكن الأميركيين ردوا بأن ذلك "غير ممكن" ما لم يتخذوا إجراءات ضد "المنظمات الإرهابية" تسمح بنزع اسمهم من لائحة الدول "الراعية الإرهاب". ويضيف أن الأميركيين "لم يستطيعوا إقناع السوريين عبر الحوار معهم باتخاذ إجراءات ضد المنظمات الإرهابية، ولذلك لم تتحسن العلاقات الثنائية". ويزيد أن ذلك تزامن مع فشل التوصل إلى اتفاق سلام سوري - اإسرائيلي "على رغم أننا كنا قريبين من الوصول إليه بأقل من 200 متر، وأقول إن تحقيقه كان حتى أقرب من إمكان تحقيق السلام على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي". ماذا تعلمت إدارة كلينتون من ذلك؟ يقول أنديك: "تعلمنا أننا اخطأنا لأننا لم نضغط على السوريين لإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية المتشددة بدل انتظار أن يحصل ذلك بعد الوصول إلى اتفاق السلام. ويضيف أن الأميركيين تعلّموا درساً ثانياً في طريقة التعامل مع سورية: "التجربة التركية". ويوضح: "وصل غضب الأتراك من سورية إزاء إيوائها زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان إلى درجة دفعتهم إلى حشد قواتهم على الحدود... فطردته سورية بعدما كانت تنفي دوماً أنه على أرضها واعتقلته أنقره". فرانك غافني ويعتبر غافني بدوره أن "سورية جزء من المشكلة لأميركا في المنطقة. فهي توفر مأوى لكثير من المنظمات الإرهابية وعلى رأسها حزب الله. هم السوريون يقولون إن هذه المنظمات منظمات مقاومة لكنها ليست كذلك في نظرنا". ويرى أن سورية "اتخذت مواقف غير صديقة" خلال الحرب الأميركية على العراق من خلال سماحها بانتقال المتطوعين إلى العراق للقتال ضد الأميركيين، وسماحها بنقل أجهزة رؤية ليلية للقوات العراقية. ويقول غافني إن الموقف الحالي لإدارة بوش يتمثّل في "إنك إما معنا وإما مع الإرهابيين. ... حاول بعض الناس في وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية سي آي أيه أن يضعوا السوريين في خانة "معنا" بسبب مشاركتهم في الحرب ضد "القاعدة"... لكن الرأي الغالب في الإدارة حالياً هو أن سورية في خانة "ضدنا"". ويزيد أن "تحالف الراغبين" - في إشارة إلى التحالف الذي سار مع الولاياتالمتحدة في الحرب على العراق بمعزل عن الأممالمتحدة - يجب أن يضغط على سورية ل"تغيير تصرفاتها" الأمر الذي سيتيح "تحرير" الشعب السوري مما وصفه ب"الديكتاتورية" و"تحرير الشعب اللبناني المُحتل". ويرى غافني أن سكوت الولاياتالمتحدة إزاء عدم تنفيذ سورية المطلوب منها "سيوحي بأننا لسنا جادين في حربنا على الإرهاب، كوننا نتجاهل دعمها المنظمات الإرهابية ...". ويشير إلى أن على الولاياتالمتحدة أن تضغط أيضاً لتحقيق الانسحاب السوري من لبنان والقضاء على نشاط المنظمات "الإرهابية" على أرضه، ويعتبر أن ذلك سيعني "أن لبنان سيكون أول دولة ديموقراطية في المنطقة العربية ... حتى قبل العراق". ويعتبر غافني أن إدارة كلينتون "لم تكن غبية" في سياستها إزاء سورية "لكنها كانت على خطأ. اعتقادي منذ البداية أن الأسد لم يكن جاداً في التوصل إلى سلام مع إسرائيل". ويضيف أن على سورية أن تُبدّل سياستها و"إلا فإنها سترى أن انتباه أميركا سينصبّ عليها في شكل لن يُعجبها". ريتشارد ميرفي أما ميرفي فيرى، من جهته، أن سورية دخلت لبنان عام 1976 ب"غطاء أميركي" في وقت كانت تواجه فيه الميليشيات المسيحية اليمينية خطر الهزيمة على يد القوات الفلسطينية واليسارية. ويقول إن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان واضحاً منذ اللقاء الأول معه في السبعينات: كان يريد استرجاع "آخر شبر" من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. ويضيف أنه لا يعتقد أن سورية ستتنازل عن هذا المبدأ في ظل حكم الرئيس بشار الأسد. غير أنه يتمنى "أن تنجح سياستنا الحالية في الضغط على سورية لإغلاق مكاتب المنظمات التي تعتبرها أميركا إرهابية. حان الوقت لذلك. وأعتقد أن سورية يمكنها أن تفعل ذلك وإن لم تُعلن عنه". ويشير إلى مسألة "حزب الله"، فيقول إن ليس عنده حالياً اطلاع على التقارير الاستخباراتية التي تتوافر للمسؤولين الأميركيين عن نشاطات الحزب. لكنه يضيف: "ما أعلمه هو أن هذا الحزب مسؤول عن قتل أميركيين من خلال تفجير مقر المارينز والسفارة الأميركية في بداية الثمانينات في بيروت. وأعلم أيضاً أن لديه خط إمدادات من إيران عبر دمشق. لكنني ألاحظ منذ سنوات أن الحزب يتحول نحو السياسة". ويشير إلى أن الحزب "تصرّف بذكاء" منذ انسحاب إسرائيل من جنوبلبنان عام 2000، إذ لم يشن عمليات سوى في منطقة مزارع شبعا"من أجل إبقاء نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي حياً". ويضيف أنه يرى أن الحزب على درجة من الذكاء تمنعه من التسبب بحرب بين سورية وإسرائيل. ويختتم أنه "لا يعتقد بأن السياسة الناجحة هي أن نتكلم مع سورية بلغة التهديد".