نجحت السلطات النقدية في مصر في استغلال "الأثر النفسي" للتلويح بالتدخل لتغطية الفجوة القائمة في سوق الصرف بين الموارد والاستخدامات، التي قدرتها الحكومة بنحو 400 مليون دولار، وهيأت السوق لهذا التدخل قبل وقت طويل نسبياً امتد قرابة الاسبوعين ثم قصرت التدخل على نسبة ضئيلة من ذلك العجز قدمته الى مصارف صغيرة تواجه صعوبات في تدفقات النقد الاجنبي لتعطي قدراً من الصدقية لخططها الى جانب بعض الاجراءات الادارية المكملة التي تمثلت في حصر الانكشافات بأرصدة النقد الاجنبي في المصارف المختلفة. ساهمت هذه الاجراءات مجتمعة في خفض سعر صرف الدولار امام الجنيه من نحو 30.7 جنيه قبل اسبوعين الى اسعار تراوح بين 70.6 و50.6 جنيه وهو فارق تراجع هائل يعكس نوعين من المؤثرات، الاول هو العامل النفسي الذي دفع المضاربين الى الشعور بالقلق على محصلة نشاطهم لأن لحظة التدخل الحاسم للمصرف المركزي المصري ستكون بمثابة ضربة قاصمة لأسعار السوق غير الرسمية ما يعني تعرضهم لخسائر فادحة من دون ان تكون لديهم فرصة للاستدراك. وانعكس اثر هذا العامل سريعاً في قطاع عريض من مكتنزي الدولار غير المحترفين الذين لجأوا اليه كمخزن للقيمة وسرعان ما اضطروا تحت الضغط الى الشروع في التخلص منه تحسباً للخسارة الفادحة. وكان عامل المناورة "المؤثر الثاني" حيث استعدت الحكومة الاسبوع الجاري لتنفيذ سد الفجوة بين الموارد والاستخدامات مخافة الاثر العكسي ما أدى الى نجاح المناورة حتى الآن. ويؤكد الرئيس التنفيذي لمصرف "المؤسسة العربية المصرفية" ايه. بي. سي مصر طارق حلمي ان ما قامت به السلطات النقدية حتى الآن يمثل نجاحاً ملحوظاً لم يتحقق منذ قرار تحرير سعر الصرف في 29 كانون الثاني يناير الماضي، إذ كان الاتجاه الصعودي لسعر صرف الدولار الاميركي في سوق الصرف المحلية قبل نحو اسبوعين ينبئ بالارتفاع الى حدود 50.7 جنيه مع تزايد الطلب على فتح الاعتمادات لتغطية مستلزمات رمضان ونجح المركزي وقبل التدخل الحاسم في خفض سعر الدولار اكثر من 50 قرشاً لكل دولار على الاقل. وتوقع ان يواصل الدولار تراجعه أمام الجنيه في حال تدخل المركزي في غضون ساعات لتحقيق ما اعلن عنه من ضخ الدولار، لافتاً الى انه من الصعب التنبؤ بمقدار التراجع الا ان من المتوقع أن يحدث بقيم ملحوظة. واوضح نائب المدير العام في المصرف العربي الافريقي احمد سليم انه من الصعب التعرف على النيات الحقيقية للمركزي وهو عنصر مطلوب لكفاءة السياسات النقدية، وهو السبب في نجاح السياسة الحالية التي أدت الى خفض سعر صرف الدولار في سوق الجنيه الا انه شدد على اهمية الاسراع بتدخل المركزي في هذا التوقيت لإكساب التصريحات الخاصة بالسياسة النقدية صدقية عالية ليس هذه المرة وحدها ولكن في المرات المقبلة كذلك. ومن جهة اخرى كشف مصدر ب"المركزي" عن بدء تطبيق آلية "الانتربنك" الدولاري التي تتولى الافصاح الكامل عن تعاملات سوق الصرف في النقد الاجنبي في غضون ساعات وهو ما سيعزز من استقرار سوق الصرف واستعادة الجنيه لجانب من قوته المهدورة بفعل المضاربة.