هدأ موقتاً زلزال الدولار الذي ضرب الاقتصاد المصري العام الماضي ومطلع السنة الجارية لكن لا تزال ذيوله مؤثرة في السوق عموماً وأكثر من يُحس بذلك المواطن المحدود الدخل الذي يلاطم الأمواج للوصول الى بر أمان يحميه من الضربات المتوالية وغير المحددة التي تصيب اقتصاد بلاده. ويعاني المواطن من غلاء معيشة ملحوظ في ظل ارتفاع غير مبرر للدولار أمام الجنيه رآه التجار ذريعة لرفع أسعار غالبية السلع الضرورية بنسبة تتجاوز أحياناً 20 في المئة وبات حتمياً تدخل الدولة لوضع الأمور في نصابها الحقيقي بعدما دخلت ذروتها في الفترة الأخيرة ما خلق احجاماً شبه شعبي على شراء غالبية المستلزمات. وترصد "الحياة" على حلقتين الاولى علاقة تاريخية بين الدولار والجنيه وتوجهات الدولة في هذا الإطار والثانية تأثير الدولار في السوق عموماً وآراء المستهلكين في الضغوط القائمة عليهم. وتنشر "الحياة" على حلقتين قصة الصراع والأزمة بين الدولار والجنيه التي بدأت قبل 54 عاماً. أزمة الدولار في مصر ليست وليدة اليوم بل تعود الى نحو 40 عاماً مضت، ففي عام 1961 تعرض ميزان المدفوعات في البلاد الى خلل شديد، واعتبر وقتها سعر صرف الجنيه المعبر الاساسي عن كفاءة الادارة ويتم تحديده بقرار من وزير الاقتصاد. وكانت التعليمات ألا يرتفع سعر الدولار أمام الجنيه ومن ثم دخل سعر الصرف في دهاليز ومخابئ. احياناً بفعل افراد وسياسات واحياناً أخرى بفعل ازمات طارئة خارجية وداخلية. ومنذ منتصف الستينات عندما كان سعر الدولار 34 قرشاً كان يتم اعلان سعر جديد وبعدها يتوقع المضاربون ارتفاعه بعد شهور فيحدّون من صرف العملة للأفراد، وتجد الحكومة نفسها مضطرة الى اقتراض عملات اجنبية تضخها في السوق، وهكذا الحال حتى وصل السعر اخيراً الى 5،463 قرش الذي تعرضه المؤسسات النقدية في البلاد حالياً. تضاعف 15 مرة في 40 عاماً وفي ضوء الإصرار على عدم قبول تحديد سعر صرف القطع الاجنبية نتيجة العرض والطلب تضاعف السعر نحو 15 مرة في 40 عاماً بعد فشل سياسات تقييد سعر الصرف في إلغاء قانون العرض والطلب، مما يعني ان الصواب هو في ترك سعر الصرف حراً يُحدد طبقاً لقوى العرض والطلب سعياً لزيادة القدرة التصديرية للخدمات وانكماش القدرة الاستيرادية للسلع. اجراءات على أية حال يبدو مشهد الدولار على مسرح الاحداث الاقتصادية في مصر غامضاً، وفي الوقت نفسه مخيفاً بعد أحداث ايلول سبتمبر الماضي في الولاياتالمتحدة. وما قامت به المؤسسات المالية المتخصصة، دولية ومحلية، من اسداء النصح للحكومة المصرية يشير إلى هذا الوضع. وأكدت المؤسسات أن هناك فجوة في العرض والطلب من النقد الاجنبي مستمرة حتى حزيران يونيو المقبل بقيمة 5،2 بليون دولار ما يتطلب اتخاذ حزمة من السياسات الاقتصادية من دون المساس بالاحتياط من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الذي يصل، حسب الحكومة، الى 14 بليون دولار. وعلى رغم النظرة التشاؤمية للغالبية في شأن الوضع الاقتصادي الا انه يحسب لحكومة عاطف عبيد انها حققت نجاحاً في تموز يوليو الماضي في شأن استقرار نسبي في سوق الصرف ومعالجة الآثار التراكمية في العجز على مدى ثلاث سنوات، وأخذت الحكومة في اعتبار أن سعر الصرف في السوق يتوقف على العرض والطلب وطالما انهما غير متوازنين، فهناك حل من اثنين إما أن يتم سداد الفجوة من خلال الاحتياط النقدي او يترك السعر حتى يؤثر في العرض بالزيادة والطلب بالنقص الى أن يتوازنا او يتم المزج بين الاثنين. وقررت الحكومة في آب اغسطس الماضي استيعاب الفجوة السابقة لهذا التاريخ وضخت مبلغاً متواضعاً من النقد الاجنبي لدى المركزي، وذلك حرصاً على الاحتياط النقدي لديه. وتحدد السعر عند 415 قرشاً وأصبحت المصارف حرة في أن تتعامل في السعر بالزيادة والنقصان في حدود نسبة 3 في المئة. وبعد ذلك جرى حوار متصل بين البنك المركزي وشركات الصرافة للتعاون في تحقيق استقرار هذا النظام، وتعاونت المصارف مع الشركات، واستمر الطلب على النقد الاجنبي بصورة طبيعية، وبدأ المواطنون الذين لديهم دولارات التحول تدريجاً من العملة الأجنبية الى العملة الوطنية. وجاءت احداث ايلول لتؤثر في الموارد من النقد الاجنبي من السياحة والنقل الجوي والبحري وكذلك على الصادرات، ومع الفجوة الجديدة التي حدثت في موارد النقد كان أمام الحكومة ثلاثة بدائل، إما اللجوء للأخذ من الاحتياط النقدي أو ترك السعر الى حدود غير مأمونة، أو تحريك السعر في حدود معقولة تؤثر في العرض والطلب، وبالتالي على قدرة الحكومة لمواجهة الفجوة ثم بعد ذلك الحصول من موارد غير الاحتياط النقدي لتغطية المبلغ المطلوب لسد الفجوة المذكورة. اعادة نظر ومنذ بداية السنة تعاملت شركات الصرافة مع الدولار بواقع 459 قرشاً للشراء و463 قرشاً للبيع، الامر الذي فرض إعادة النظر من جديد في تقويم اجراءات الخفض الاخيرة للجنيه التي اعتبرتها مؤسسة "ميريل لينش" المالية العالمية غير كافية، وقد تمهد الطريق امام اجراءات خفض اخرى بعدما ضاق الفارق بين سعر البيع والحد الاقصى المسموح به إلى 6.2 قرش، وهو الرأي الذي ايده احد المصرفين المصريين المقربين من دوائر صنع القرار، اذ اكد ان تراجع البنك المركزي عن قرارات ترشيد الاستيراد استجابة لضغوط جماعات المصالح ورجال الاعمال كان إجراءً خاطئاً تبعه خطأ افدح باللجوء الى خفض الجنيه مرة اخرى ليفقد اكثر من 34 في المئة من قيمته في الشهور الستة الماضية، واشار الى أن البنك المركزي وقع في براثن شركات الصرافة التي عادت مجدداً الى التحكم في عرض القطع الاجنبية وخصوصاً الدولار في سوق النقد الاجنبي. واستبعد المصدر ان يحافظ البنك المركزي على السعر الترجيحي الذي أعلنه أخيراً، مشيراً الى أن الدلائل الاولية لتعاملات داخل المصارف وشركات الصرافة معاً كشفت عن وجود ميل قوي لتجاوز هامش ال3 في المئة الذي سمح به "المركزي" لصعود سعر الدولار مقابل الجنيه بعدما تضاءل الفارق بين سعر البيع الرسمي والحد الاقصى للارتفاع، الى 6.2 قرش، ما يعني أن الاسعار في السوق السوداء مرشحة لتجاوز هذا الفارق لا سيما أن المركزي لم يضخ دولارات بكميات كافية الى المصارف، إذ اكتفى ب250 مليون دولار كحد اقصى شهرياً لتغطية الارصدة المكشوفة في المصارف. مهمة صعبة وواجه كل من محافظ المركزي والحكومة مهمة بالغة الصعوبة في تدبير موارد اضافية بالنقد الاجنبي بعيداً عن أرصدة الاحتياط التي تعرضت للتراجع على نحو بات يهدد حصيلة الدولة من بيع السندات الدولارية التي اضيفت الى نقود الاحتياط وقوامها 5.1 بليون دولار تتراجع حال استبعاده ارصدة الاحتياط إلى اقل من 13 بليون دولار. وحتى الآن لا تبدو الحلول التي طرحتها الحكومة للتغلب على هذه المشكلة واقعية لكون المبلغ الذي قدرته لسداد العجز في موارد الدولار وحتى حزيران يونيو المقبل ويصل الى 5.2 بليون دولار غير دقيق والا ما كان الدولار ليرتفع على النحو الراهن عقب ضخ الحصة الشهرية من المبلغ، كما أن اللجوء الى تمويل هذه العملية من حقوق السحب المصرية لدى صندوق النقد الدولي لا يتسم أيضاً بالواقعية إذ يظل الاسلوب الامثل هو تضييق الفجوة بين الصادرات والواردات ومحاولة فتح اسواق جديدة أمام المنتج المصري القابل للتصدير. وعلى رغم ما قامت به الحكومة إلا أن المؤشرات الشهر الماضي - سواء من خبراء أو مسؤولين غير حكوميين - رأت أن الفترة المقبلة هي للدولار محرزاً تفوقاً كعادته على الجنيه الذي فقد 34 في المئة من قيمته، وقد تصل نسبة الانخفاض الى ما بين 40 - 50 في المئة منتصف السنة الجارية لو استمر الاتجاه الحالي للسوق كما هو من دون اجراء سياسات غير تقليدية تركز على الانشطة التي لمصر فيها ميزة نسبية مثل السياحة والزراعة، اضافة الى إصلاحات هيكلية ضرورية في اتجاهات عدة اقتصادية واجتماعية بعد اعتراف الجميع أن هناك أزمة. اعتقال المضاربين ما سبق طرحه أفرز عداءً بين الحكومة وشركات الصرافة وصل الى حد تهديد الوزراء المعنيين باغلاق هذه الشركات التي تأسست عام 1991 بدعوى أنها سبب أزمة سوق الصرف فيما دافعت الشركات عن الاتهام بأن الأزمة قائمة وبحدة منذ عام 1997 بسبب فشل الحكومات في معالجة الأمور ما أدى إلى تفاقمها، ذلك يعني أن تردي الأوضاع مرده فشل السياسات، وبدأت لجان البنك المركزي والادارات التابعة لوزارة الداخلية في تضييق الخناق على المضاربين وبالفعل هدأت الأمور نسبياً لينخفض سعر الدولار في السوق السوداء من 600 قرش في الشهر الماضي الى 490 قرشاً حالياً، وسط توقعات بانخفاض 10 قروش نهاية الشهر، لكن الخبراء اطلقوا تحذيراً للحكومة بأن مطاردة شركات الصرافة لا تكفي لإنهاء أزمة الدولار، المهم وحسب نصائح الدول المانحة التي اجتمعت في شرم الشيخ الشهر الماضي ان تتبنى الدولة مرونة كافية في سعر الصرف واطلاق الحرية للسوق كونه هو المؤشر الحقيقي لقيمة العملة وهو أمر مؤجل في اجندة الحكومة على ما يبدو. "سنوات الصراع" - عام 1948 بداية الصراع بين العملتين. - عام 1949 بدء سياسة الرقابة على النقد الاجنبي، وبدء المشاكل في تقوية المدفوعات الخارجية التي استمرت 5 سنوات. - عام 1956 جمدت بريطانيا أرصدة مصر من القطع الحرة عقب تأميم القناة. - بين عامي 62 - 64 تقدمت مصر ببرنامجين لتثبيت اسعار الصرف. - 1968 بداية سياسة التيسيرات النقدية والتسهيلات الائتمانية. - 1971 استقر سعر صرف الدولار عند 38 قرشاً. - 1975 وصل السعر الرسمي الى 6،38 والسعر غير الرسمي الى 8.57. - 1976 وصل سعر الدولار الى 39 قرشاً. - 1979 وصل السعر الى 80 قرشاً. - 1980 وصل السعر الى 83 قرشاً. - 1984 وصل السعر الى 112 قرشاً. - كانون الثاني يناير 1985 وصل السعر الى 126 قرشاً. - نيسان أبريل 1985 تولى الدكتور سلطان أبو علي وزارة الاقتصاد بعد مصطفى السعيد وأصدر قرارات اعادة نظم الاستيراد والتعامل في النقد الاجنبي عموماً الى ما كانت عليه عام 1984. - ايلول سبتمبر 1985 استقالة وزارة كمال حسن علي وتشكيل وزارة علي لطفي ليقفز سعر الدولار من 136 الى 182 قرشاً مقابل 150 الى 186 في السوق السوداء. - نيسان ابريل 1986 كسر الدولار حاجز الجنيهين وتجاوز ال 205 قروش، وصدرت قرارات للدكتور علي لطفي تراجع بعدها سعر الدولار الى 177 قرشاً. - ايار مايو 1986 ارتفع سعر الدولار الى 195 قرشاً وكانت المرة الأولى التي يظهر فيها اكثر من سعر للصرف. - اذار مارس 1987 وصل السعر غير الرسمي الى 218 قرشاً واحياناً إلى 225 قرشاً. - تموز يوليو 1987 وصل السعر الى 225 قرشاً واستقر حتى نهاية الثمانينات. - 92-98 اهم فترة يتم فيها تثبيت سعر صرف الدولار ب 340 قرشاً. - اب اغسطس 1998 بداية الارتفاع الكبير للدولار بسب حادث الاقصر وانخفاض عائدات القناة وسعر النفط حتى وصل سعر الدولار في شباط فبراير 2000 الى 350 قرشاً. - تشرين الثاني نوفمبر 2000 وصل السعر الى 390 قرشاً وحلت الزيادة حتى وصلت في آب اغسطس 2001 الى 415 قرشاً ثم الى 451 قرشاً في كانون الثاني يناير 2002.