} تتحدث الاوساط الاقتصادية في القاهرة عن خيارين اثنين امام الحكومة للتعامل مع ازمة الجنيه ابرزهما القبول بمبدأ "تعويم الجنيه" كما تطالب بعض الاطراف او الدول المانحة. ويرى البنك المركزي ان بالامكان تعويم الجنيه من دون اعلان رسمي بترك سعره في غضون الفترة المقبلة ليتراجع إلى حدود السعر السائد في السوق غير الرسمية وتخفيف القبضة الإدارية للسلطات النقدية على السعر المركزي للدولار. جدد خفض سعر صرف الجنيه المصري أول من امس مقابل الدولار من 450 إلى 451 قرشاً، هواجس سوق النقد الأجنبي في شأن معدل السعر العادل للجنيه مقابل القطع الأجنبية الأخرى. وعندما يخفض البنك المركزي قيمة العملة الوطنية إلى معدل يقل عن السائد للتداول في السوق غير الرسمية من دون أن تكون لديه القدرة على التدخل الحاسم لدعم السعر الذي حدده لتلبية حاجة السوق، فإن هذا الإجراء سرعان ما تتم قراءته على نحو آخر من قبل المضاربين الذين يدركون على الفور أن تحريك السعر جاء بناءً على ضغوط ويكون الرد المباشر والسريع هو رفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه وهو ما حدث أمس، اذ ارتفع سعر بيع الدولار في السوق غير الرسمية إلى 530 قرشاً مقابل الخفض البسيط للجنيه. واعترف مصدر مصرفي ل"الحياة" بوجود ضغوط فعلية على السياسات النقدية للبنك المركزي في مقدمها الخلل المتفاقم في موارد النقد الأجنبي الذي دفع الحكومة إلى إصدار سندات دولارية لاستدانة 5،1 بليون دولار في حزيران يونيو الماضي. صعوبة السيطرة على أسعار الصرف ثم جاءت أحداث أيلول سبتمبر لتفاقم من عجز الموارد السيادية للدولة بعدما تراجعت عائداتها من النشاط السياحي وتصدير النفط ورسوم المرور في قناة السويس، إضافة إلى تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج في الوقت الذي تزايد فيه الطلب المحلي على الدولار لاستمرار معدلات الاستيراد كما هي، ما أدى إلى تقييد قرار "المركزي" بصورة ملحوظة، وانتقال دفة صناعة السعر الحقيقي للدولار في مصر إلى شركات الصرافة والسوق غير الرسمية، ما دعا الحكومة إلى التسليم بصعوبة السيطرة على أسعار الصرف خصوصاً مع تفاقم الوضع الاقتصادي والحاجة إلى الحصول على قروض خارجية بمقدار 3 بلايين دولار لاستعادة السيطرة المفقودة، وهو ما بدأ التحرك لتحقيقه على الفور حتى تم الإعلان عن اجتماع الدول المانحة في شباط فبراير المقبل الذي يتولى تمويل عملية الاستدانة. تعويم الجنيه إلا أن الترتيب لعقد الاجتماع كان المحطة الحاسمة للضغوط التي مورست على كل من الحكومة ومحافظ المركزي، فقد كان الشرط الأساسي ولا يزال لتقديم المبلغ الذي تحتاج إليه مصر هو الرضوخ إلى أحد خيارين: إما "تعويم" الجنيه بصورة كاملة وترك تحديد سعره لآليات العرض والطلب، أو ترك سعره في غضون الفترة المقبلة ليتراجع إلى حدود السعر السائد في السوق غير الرسمية وتخفيف القبضة الإدارية للسلطات النقدية على السعر المركزي للدولار، بمعنى إعطاء المصارف هامشاً للحركة بعيداً عن سقف ال3 في المئة حتى لا يتم تفريغ المصارف من النقد الأجنبي، والاقتراح الأخير يبدو حتى الآن الأكثر قبولاً. بهذه الكيفية لفت المصدر إلى أن الهامش الضئيل لتحريك السعر المركزي ليس سوى مقدمة لاختبار ردود فعل السوق ستعقبها عمليات مشابهة أو عملية واحدة تحقق طفرة في السعر تجعل من الاتفاق مع الدول المانحة أمراً ممكناً، خصوصاً أن فارق السعر الذي قام "المركزي" بتحريكه مع الأخذ في الاعتبار هامش الارتفاع المسموح به في حدود 3 في المئة، لا يمثل أي تهديد لتعاملات السوق غير الرسمية التي تظل الأكثر جاذبية لتعاملات الأفراد والقادمين من الخارج.