شهد سعر صرف الدولار ارتفاعًا ملحوظًا في سوق النقد الأجنبية في مصر في أعقاب فترة هدوء نسبي في عطلة الأعياد تجدد معه الجدل الذي تشهده الحياة الاقتصادية والسياسية في شأن مصير الجنيه، وما إذا كان مهددًا بالتعرض لشبح خفض جديد في الفترة المقبلة. علمت "الحياة" أن مسألة خفض قيمة صرف الجنيه ربما تعود إلى واجهة السجال الحكومي بين المؤيدين والمعارضين مع تجديد النظر في قانون المصارف الموحد الذي ينتظر صدوره منتصف السنة المقبلة بعد عرضه على البرلمان. وعلى الأثر امتدت هذه الموجة الصعودية المفاجئة في سعر العملة الأميركية لتزيد الانقسام داخل حكومة الدكتور عاطف عبيد حول جدوى الإقدام على هذا الخفض الجديد وهو التوجه الذي تحفظ عليه رئيس الحكومة من قبل بعد نجاح تثبيت سعر صرف الدولار من دون تجاوز حاجز الخمسة جنيهات لفترة طويلة. وإزاء هذه الموجة اضطر عبيد إلى نفي نية حكومته إجراء أي خفوضات على سعر صرف الجنيه والاستعاضة عن ذلك بحزمة من السياسات النقدية ينفذها المصرف المركزي وفقًا لصلاحيات التشريع الجديد وهو يستند في ذلك إلى أن هناك قدرًا من التوازن بين الموارد من النقد الأجنبي والاستخدامات في ظل انتعاش عائدات النشاط السياحي وارتفاع مبيعات النفط. وأشار إلى أن حكومته لا تخشى نقصًا في الموارد من النقد الأجنبي نتيجة نشوب حرب في المنطقة أو التهديد بها. وعلى رغم تصريحات عبيد، التي دفعت عدداً من وزراء المجموعة الاقتصادية المؤيدين لإجراء خفض قيمة الجنيه إلى التزام الصمت، إلا أن واقع التباين في أوجه النظر قد يتجدد قريبًا للأسباب نفسها التي ساقها رئيس الحكومة فيما يتعلق بعائدات السياحة وتصدير النفط الذي سيتعرض لنكسة محققة إذا ما نفذت الولاياتالمتحدة لتهديداتها بضرب العراق، ما يعني أن الحكومة في مصر مدعوة إن عاجلاً أو آجلاً إلى مراجعة تلك الآثار والبحث في جدوى سياسات الصرف المعمول بها حاليًا لمواجهة التطورات الاقليمية. تراجع الحكومة وتمثل هذه التطورات، بنظر مصادر مسؤولة، منطق الضرورة الذي يمكنه أن يبرر تراجع الحكومة عن أي من مواقفها في حال نشوب حرب مع احتفاظها بالاتساق الداخلي والأمانة أمام المواطنين، خصوصًا أن منطق وزراء المجموعة الاقتصادية الداعين إلى خفض قيمة الجنيه يستند إلى أن توقيت الخفض هو الأفضل من حيث المحدودية النسبية للطلب على الدولار في ظل تراجع حصة الواردات بصورة ملحوظة ما يجنب القرار المزيد من الضغوط على الجنيه، كما أن أنصار هذا التوجه يلفتون الانتباه إلى أهمية هذا الإجراء في إطار السعي إلى جعل السوق المصرية أكثر جاذبية للأموال والاستثمارات العربية وشيكة الحركة بحثًا عن الأسواق الدافئة في حال نشوب الحرب وإذا لم يكن في وسع الحكومة زيادة أسعار الفائدة على الدولار والعملات الأجنبية الأخرى فإن في إمكانها خفض سعر عملتها الوطنية تحقيقًا للمنفعة ذاتها، وأخيرًا فإن وزراء التوجه السابق يرون الخفض فرصة لتنشيط برنامج خصخصة شركات قطاع الأعمال العام في هذه الظروف.