11 أيلول سبتمبر 2003. وأنا جالسة أكتب مداخلتي في المؤتمر الدولي "كيف نحارب الإرهاب من أجل الإنسانية". جاءتني الدعوة من رئيس وزراء النروج Kjell Magne. يفتتح المؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في نيويورك يوم 22 أيلول 2003، ويحضره رؤساء دول. أمامي الصحف الصادرة اليوم في مدينة بورتلاند في ولاية مين، أقصى الشمال في الولاياتالمتحدة الاميركية، إذ أعمل أستاذة زائرة في جامعة "مين الجنوبية" لمدة عام واحد. جريدة "بورتلاند هيرالد" الصباحية تحمل في صفحتها الأولى عنواناً يقول: الرئيس جورج بوش يسعى الى التوسع في السلطات البوليسية من أجل محاربة الارهاب. أعلن ذلك في حديثه في مناسبة مرور عامين على أحداث 11/9/2001، التي دمرت مركز التجارة العالمي في نيويورك، وجزءاً من مبنى وزارة الدفاع في واشنطن. يقول جورج بوش إن قانون باتريوتPatriot Act 2001 ليس كافياً، ولا بد من مزيد من الاجراءات البوليسية، التي تسمح بإلغاء جنسية أي شخص يشتبه في أمره، ومنع تسرب أي معلومات عن المعتقلين في السجون لمجرد الاشتباه، من دون محاكمة، أو سند قانوني، وعمل تحليلات لدمائهم لمعرفة نوع الجينات أو المادة الوراثية DNA في خلاياهم، وأيضاً الحصول على معلومات دقيقة وحساسة عن حياتهم الشخصية، من دون موافقة الجهات القانونية، ومن دون أن يقوم أحدهم بأي عمل يتسم بالعنف أو خرق القانون. يُعارض جورج بوش في هذا الامر أغلب رجال القانون من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وأغب المنظمات السياسية والشعبية في الولاياتالمتحدة، ويتساءلون كيف يحارب جورج بوش الإرهاب بإرهاب الشعب الاميركي؟! تستغل ادارة بوش الذكرى الثانية لأحداث 11/9 لتعيد الى أذهان الشعب الاميركي مخاطر ما تسميه الارهاب الاسلامي الاصولي، تحاول أن تصور الارهاب كأنما هو عمل الشيطان، أو ظاهرة دينية اسلامية معادية للديموقراطية والحضارة، وليست ظاهرة سياسية واقتصادية. كأنما الارهاب يرجع الى عيب في الاسلام، أو الثقافة الاسلامية، التي تتعارض مع حقوق الانسان، وحقوق المرأة، والتقدم والانسانية. هذا التمويه مقصود للتغطية على دوافع الغزو العسكري لأفغانستان والعراق، أو الحروب الاستعمارية من اجل استغلال موارد البلاد الاقتصادية على رأسها البترول. والسؤال هو: هل يدخل الاحتلال العسكري الى أرض البلاد الاخرى وقتل شعوبها ضمن الارهاب أم لا؟ هل ما يفعله الجيش الاميركي في العراقوافغانستان ارهاب أم لا؟ وهل ما يفعله الجيش الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة من قتل للشعب وتدمير المنازل وتقطيع اصابع الأطفال، هل يسمى هذا ارهاباً أم لا؟ إنه إرهاب لا شك، إلا أن القوى الحاكمة دولياً ومحلياً لا تسميه ارهاباً، لمجرد أن الذي يقوم به يدخل ضمن القوة العسكرية المالكة للسلاح النووي أو الكيماوي الاكثر قوة في الفتك بالشعوب، أو ما يسمى "اسلحة الدمار الشامل". إن ارهاب الدول الكبرى لشعوب العالم لا يُسمى ارهاباً، لأن القوة هي التي تحكم عالمنا الرأسمالي التجاري وليس الحق. ان ارباح الشركات المتعددة الجنسية تأتي قبل ارواح الآلاف أو الملايين من الشعوب. وهذا يُسمى حرية التجارة Free Tnade وهي ليست الا حرية الاقوى للفتك بحريات الاضعف، ونهب الموارد الاقتصادية والثقافية للشعوب. ومن أجل التغطية على ارهاب الدول العسكرية الكبرى فإن المقاومة الشعبية لها تدخل ضمن الارهاب. ألم يُروج الإعلام الدولي الرسمي لهؤلاء الإرهابيين الفلسطينيين من الاطفال أو الشباب، البنات والاولاد، الذين أُطلق عليهم اسم Suicide bombers أو الانتحاريين الارهابيين؟ هؤلاء الذين يقاومون الدبابات الاسرائيلية بأجسادهم، ويموتون فداء الحرية والعدالة؟ هل هؤلاء الأطفال والشباب يمثلون خطورة على العالم أكثر مما يمثل الجيش الاميركي أو الإسرائيلي المحتل؟! إن الجنود الاميركيين أو الإسرائيليين الذين يموتون في المعارك الحربية يحظون بالتكريم الكبير باعتبارهم "أبطالاً" ماتوا في سبيل الوطن، لمجرد انتمائهم الى الجيوش القوية التي تحتل اراضي الغير، أما الافراد من الشعب المقهور المحتل، الذين يموتون في سبيل تحرير وطنهم، فإنهم لا ينالون الا اللوم والعقاب ويطلق عليهم "إرهابيون"، أو جزء من الحركات الاسلامية الأصولية المتطرفة الارهابية. لكن المنطق والعدل يقول إن دوافع المقاومة الشعبية بما فيها العمل الانتحاري اكثر انسانية من دوافع جيوش الاحتلال الاميركية أو الاسرائيلية أو البريطانية أو غيرها. الكرامة الانسانية تدفع الانسان، رجلاً أو امرأة، الى تفضيل الموت احياناً، عن الاستسلام لقوى الاغتصاب، سواء كان اغتصاباً عسكرياً أو جسدياً أو أي نوع آخر من الاغتصاب. إن جنود الاحتلال والغزو الاستعماري القديم والجديد، اقدموا على اغتصاب النساء من الشعوب المهزومة من دون ان يدخل هذا الفعل ضمن الارهاب أو الجرائم. ألا يدل ذلك الى أن القيم الاخلاقية في عالمنا الطبقي الأبوي معكوسة، وقائمة على الظلم والتناقض وازدواجية المقاييس؟ انني ضد القتل وضد الاغتصاب في جميع الاحوال، لكن ألا تُشرّع القوانين الدولية والمحلية حق الدفاع عن النفس؟ الا يقوم القانون العادل على النظر الى دوافع الجريمة؟ فلماذا لا ننظر الى الدوافع والاسباب التي تدفع هؤلاء الانتحاريين من الشباب الى قتل انفسهم، وما تعرضوا له من اضطهاد وظلم وارهاب؟ كيف نشأ الإرهاب الحديث؟ أصبحت كلمة "الارهاب" Terrorismتتردد في الإعلام الدولي والمحلي بعد احداث 11/9/2001، كأنما هي ظاهرة حديثة، وهي قديمة منذ نشوء النظام العبودي، أو نسميه "النظام الطبقي الابوي"، وهو نظام استبدادي ديكتاتوري حتى اليوم وان تشدق بالديموقراطية، لأنه يقوم على القوة أو السلطة المطلقة للطبقة الحاكمة في الدولة، والسلطة المطلقة للأب أو الزوج في العائلة أو الأسرة الصغيرة. لقد شهدتُ الارهاب في طفولتي والسنين الاولى من شبابي تحت نير الاحتلال البريطاني لمصر، تحت كلمة "الحماية" قام الجيش البريطاني بضرب الشعب المصري بالقنابل واحتلال بلادنا العام 1882، لم تتحرر بلادنا من هذا الارهاب الذي دام اكثر من سبعين عاماً الا سنوات قليلة من عام 1956 حتى عام 1967 ثم وقعنا تحت ارهاب الاستعمار الجديد، أو الغزو الاقتصادي للشركات المتعددة الجنسية، تحت اسم التنمية والديموقراطية، وهي كلمات خادعة مراوغة مثل كلمة الحماية في القرن التاسع عشر. لعب الفدائيون من الشباب المصري، الذين قاتلوا ضد الجيش البريطاني في قناة السويس، دوراً مهماً في تحرير بلادنا من الاحتلال العسكري، الا ان الإعلام الدولي أطلق عليهم "الارهابيين"، ولم يطلق هذه الكلمة البشعة على الجنود الانكليز الذين احتلوا بلادنا بالقوة المسلحة، وقتلوا الآلاف من الرجال والنساء والاطفال، من أجل هدف اساسي هو نهب مواردنا الاقتصادية والثقافية، وتحويل مصر الى مزرعة قطن لمصلحة الامبراطورية البريطانية. بعد الحرب العالمية الاولى في الربع الاول من القرن العشرين، انطلقت دعوة ويلسون بأن تقود الولاياتالمتحدة الاميركية العالم نحو الثورة الرأسمالية الليبرالية، وكان هذا هو الاساس الاول الذي قامت عليه البحوث الكيمائية والنووية لإنتاج ما يسمى "اسلحة الدمار الشامل"، وما أدت اليه من حروب مدمرة حتى يومنا هذا. واصبحت المؤسسات العسكرية تعمل مع المؤسسات العلمية ومراكز البحوث داخل مشروع روزفيلت وويلسون، لتحقيق ما سمي "الحلم الاميركي بتحقيق الامبراطورية الاميركية الديموقراطية". وهو مشروع ارهابي من الدرجة الأولى، اشترك فيه رجال العلم مع رجال السياسة، والاقتصاد، والثقافة، ورُسمت صورة خادعة لمراكز البحوث العلمية، كأنما هي مؤسسات حيادية موضوعية، تدفعها الرغبة النقية في اكتشاف قوانين الطبيعة. إن الرابطة القوية بين كبار العلماء والجيش والتجارة والربح، ما يسمى بيزنس ادت الى توجيه الاكتشافات الكيماوية والذرية الى تحقيق الارباح الاقتصادية بأي وسيلة ومنها الحرب والارهاب. عن "الارهاب الديني" خلال السنين العشر الاخيرة اشتغلتُ استاذاً زائراً في عدد من الجامعات في الولاياتالمتحدة الاميركية، بما فيها ولايات الجنوب، أو ما يسمى "حزام الكتاب المقدس" Bible Belt، شهدت كيف تصاعد التيار المسيحي الاصولي في الولاياتالمتحدة، وكيف تزيد قوته اليوم تحت ادارة جورج دبليو بوش، الا ان الاعلام الدولي يصوّر لنا أن التيارات الدينية الاصولية هي التيارات الاسلامية فقط، في حين أن هذه الظاهرة دولية، تشمل جميع الاديان، شرقاً وغرباً بما فيها الاسلام واليهودية والمسيحية والبوذية والهندوكية وغيرها، وهي جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي الليبرالي، إذ تلعب التفسيرات المتخلفة للدين، دوراً كبيراً في تدعيم اركان الرأسمالية الاستعمارية القائمة على الارباح التجارية، كما تلعب دوراً في صرف الاذهان عن الاسباب الحقيقية للحروب العسكرية والاقتصادية، وتحويل انظار الشعوب المقهورة عن القوى الحاكمة فوقها. أصبح معروفاً أن الحكومة الاميركية ساندت التيارات الاسلامية الاصولية، وأمدتها بالأموال والأسلحة، من أجل استخدامها في مكافحة الشيوعية، وضرب الاتحاد السوفياتي في افغانستان. أصبح معروفاً أن القوة المسلحة الاساسية لبن لادن، وتنظيم "القاعدة"، كلها صناعة اميركية، كانت مطلوبة في القرن الماضي ضد العدو التقليدي للرأسمالية وهي الشيوعية، ثم انتهت وظيفتها بسقوط الاتحاد السوفياتي، وأصبح من الضروري التخلص منها. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي العام 1989 اختفت كلمة الشيوعية من قاموس الارهاب، وحلت مكانها كلمة الاسلام أو التيارات الاسلامية. يكفي ان تسافر اليوم بجواز سفر دولة عربية أو اسلامية حتى ترمقك العيون بالشك والريبة، وقد تجد نفسك داخل احد السجون الاميركية من دون محاكمة لمجرد الاشتباه، بحسب قانون "باتريوت آكت" وأُغرق سوق الاعلام الدولي والمحلي بالحديث عن مخاطر الارهاب الاسلامي. لا يمكن لي أن أقلل من مخاطر هذه التيارات الاسلامية المتطرفة، وقد راح ضحيتها في بلادنا عدد من الارواح البريئة من أهل البلاد أو من السياح من بلاد أخرى. وكنت أنا واحدة ممن تعرضوا لهذه المخاطر، سواء في حياتي العامة أو الخاصة، لمجرد الاختلاف في الرأي معهم، إن من يختلف معهم يندرج تحت زمرة الكفار من أهل النار. إلا أن هذه الظاهرة الدينية السياسية هي نتاج الرأسمالية الليبرالية الدولية والمحلية، ومن صنعها. لكن السؤال الوارد الآن: لماذا امتدت هذه التيارات الاصولية الاسلامية في بلادنا، وتغلغلت وسط الشعوب وانطوت تحت لوائها اعداد كبيرة من الشباب في مصر وتونس والجزائر والسودان وافغانستان وباكستان وايران وغيرها من البلاد الاسلامية العربية؟ ويمكن تلخيص الاسباب في بلادنا كالآتي: 1- فشلت مشاريع التنمية الزائفة المفروضة علينا بالقوى الاستعمارية الجديدة في توفير الحاجات الضرورية للغالبية الساحقة من الشعب، وتعرض الناس في بلادنا لمزيد من الفقر والقمع البوليسي المحلي والدولي، وانتشرت البطالة بين الشباب والشابات بمن فيهم خريجو الجامعات والمعاهد العليا، ما ادى الى مزيد من الغضب الشعبي ضد الحكومات المحلية، والقوى الدولية التي تساندها، ومنها الحكومة الاميركية والاسرائيلية والبريطانية، ويتزايد الغضب الشعبي في السنين الاخيرة مع الوعي المتزايد بترابط الاستغلال الاقتصادي مع الحروب العسكرية. 2- تزايد الغضب الشعبي لما يحدث من احتلال لأرض فلسطينوالعراق وأفغانستان، وقتل شعوبها، من أجل مزيد من الارباح للشركات المتعددة الجنسيات بما فيها شركات البترول الاميركية وغيرها. 3- فشل الاحزاب السياسية المحلية، سواء كانت حكومية أو معارضة، يميناً أو يساراً أو وسطاً، في حل مشكلات الفقر والحرب والبطالة، وتزايد القمع البوليسي، وانتهاك حقوق الانسان في ظل حكومات محلية تابعة للقوى الدولية الاستعمارية، ومحمية بها. 4- بسبب تزايد الحملة الاعلامية الدولية ضد الاسلام والمسلمين، فإن معظم الناس يتصورون ان هناك حملة صليبية جديدة ضد الاسلام، وأن الجهاد في سبيل الله والدين أمر واجب. 5- في غياب التنظيمات الشعبية الديموقراطية فإن الناس تلجأ الى الدين، كأنما هو الحل الوحيد لليأس وعدم الأمان، فيشعرون بنوع من الراحة أو الأمل. 6- تستغل القوى الدولية والمحلية هذا الاحتياج الشعبي للدين من أجل تحقيق مصالحها، وضرب أعدائها، تحت اسم "الشيطان"، ومن أجل مزيد من السلطة والبقاء في الحكم، كما لجأت الأحزاب السياسية المحلية الى هذه التيارات الدينية، ومنها حزب "الإخوان المسلمين" في مصر، بل ان الاحزاب الاشتراكية والماركسية تعاونت مع هذه التيارات الاصولية الاسلامية، من أجل القفز على الحكم، وتملق مشاعر الجماهير الدينية، والحصول على أصواتهم في الانتخابات. بسبب هذه العوامل أمكن لهذه التيارات الاسلامية الاصولية ان تنمو سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في مصر والسودان والجزائر وأفغانستان وباكستان وأندونيسيا وتركيا وايران وسورية والعراق واليمن وغيرها من بلاد افريقيا وآسيا، وهي حركات تبدو معارضة للاستعمار الاميركي والبريطاني، إلا أنها وجدت الرعاية والحماية داخل بريطانياوالولاياتالمتحدة الاميركية، واستطاعت ان تنمو حتى أصبحت خطراً على هذه البلاد نفسها التي دعمتها. كيف نحارب الإرهاب من أجل الإنسانية: 1- الخطر الاكبر الذي يهدد الانسانية هو الحروب العسكرية والاقتصادية التي تعتدي بها دولة قوية عسكرياً على دولة أصغر أقل تسليحاً. هذا هو الارهاب الاكبر، تتجسد خطورته في أنه لا يحمل اسم ارهاب، بل يتنكر تحت اسماء براقة، مثل الديموقراطية، والحضارة، والمسؤولية، والسلام، والتنمية، وحقوق الانسان، والحماية، وغيرها من الكلمات الخادعة في قاموس الاستعمار القديم والجديد. إحدى وسائل القضاء على الارهاب هو كشف الخداع الدولي والمحلي، ورفع الحجاب عن العقول التي يتم تضليلها عبر الإعلام. 2- العمل على ايقاف سباق التسلح في العالم، والعمل على أن توقع جميع الدول الكبرى والصغرى على اتفاق منع انتشار الاسلحة الكيماوية والنووية، لقد وقعت 187 دولة على هذا الاتفاق حتى العام الماضي، ومنها جميع الدول العربية بما فيها مصر، عدا دولة اسرائيل، التي لم توقع على المعاهدة، وواصلت تطوير سلاحها النووي سراً، على رغم إعلانها في الأممالمتحدة أول تشرين الاول/ اكتوبر 1981 بأنها لن تعمل على إنتاج أي سلاح نووي، إلا أن الأمر انكشف أمام العالم في 5 تشرين الاول 1986 حين نشرت ال"صنداي تايمز" الحقائق عن المفاعل النووي الاسرائيلي في "ديمونا"، كشف عن هذه الحقائق أحد الإسرائيليين اسمه موردخاي فعنونو، دفعه ضميره الانساني الى كشف الحقيقة، وتنبيه العالم الى خطورة الارهاب النووي على الانسانية، وقد دفع ثمناً باهظاً من حريته بسبب ذلك، إذ حُكم عليه بالسجن 18 عاماً، وهو يعيش حتى اليوم داخل زنزانة منفردة في أحد سجون اسرائيل. حين تمتلك دولة اسلحة نووية، أو اسلحة الدمار الشامل، دون غيرها من الدول المجاورة، فإن ذلك يؤدي الى خلل في ميزان القوة المسلحة، وبالتالي إلى الإرهاب والحروب العدوانية المتكررة، كما يدفع الدول الأخرى الى السعي لامتلاك هذه الاسلحة حماية لها ولعلاج الخلل في ميزان القوى. لقد أقدمت الحكومة الاميركية على غزو العراق خلال آذار مارس 2003، تحت حجة أن العراق يملك اسلحة الدمار الشامل، وهي حجة لم تثبت صحتها حتى اليوم، والسؤال المهم هو: لماذا تعطي الحكومة الاميركية لنفسها حق امتلاك وإنتاج اسلحة الدمار الشامل؟ ألا يمثل ذلك تهديداً للإنسانية والشعوب الآمنة؟ وألا تسعى الدول الكبرى لامتلاك هذه الاسلحة حماية لنفسها من خطر القوة العسكرية الاميركية؟ القضاء على الارهاب في العالم يقتضي نزع السلاح النووي والكيماوي وجميع انواع الاسلحة العسكرية، وان تتساوى جميع الدول الكبرى والصغرى في هذا الواجب نحو الانسانية. وعلى منظمة الاممالمتحدة، ومحكمة العدل الدولية، وغيرهما من المؤسسات الدولية، أن تنفذ هذا الامر الشعبي المهم للقضاء على جذور الارهاب في عالمنا المعاصر. 3- السعي من أجل تقوية المنظمات الشعبية عالمياً ومحلياً، التي تحارب الإرهاب بشتى أنواعه، السياسية أو الاقتصادية، أو الدينية، أو غيرها. لقد تزايدت القوى الشعبية في جميع بلاد العالم، التي تقاوم الحرب، والاستعمار، والامبريالية الليبرالية الجديدة، التي تسمى "العولمة" أو العولمة الاقتصادية لصالح الشركات المتعددة الجنسية. الانسانية تقضي ان تأتي أرواح البشر قبل أرباح الشركات الرأسمالية، إلا أن العكس هو الذي يحكم عالمنا المعاصر، وهو أحد الأسباب الرئيسة للفقر المتزايد، ومعه الارهاب المتزايد. وهل يمكن محاربة الارهاب من دون القضاء على جذوره في النظام الاقتصادي الدولي، الذي يؤدي الى تراكم الاموال في جيوب القلة الحاكمة دولياً ومحلياً، في حين تعاني الغالبية الساحقة من الشعوب من الجوع والفقر والأمراض وتدهور البيئة. إن الكشف عن علاقة المال بالسلاح بالإعلام بالإرهاب أمر ضروري لتأمين حياة الجماهير الساحقة، ومن أجل الإنسانية والديموقراطية الحقيقية، وليست الديموقراطية الزائفة التي تقوم على مسمى الانتخابات الحرة، وهي تشبه التجارة الحرة، في أنها حرية الأقوى، المالك للمال والإعلام والسلاح، في الانتصار على الأقل مالاً وإعلاماً وسلاحاً. وفي عبارة مختصرة أخيرة، فإن القضاء على الإرهاب في عالمنا يقضي أن العدل هو الذي يحكم وليس القوة دولياً أو محلياً أو عائلياً. * كاتبة مصرية، والمقال مداخلتها في مؤتمر في نيويورك عنوانه: "كيف نحارب الإرهاب من أجل الإنسانية".