ترمب يطلب خفضا «فوريا» لمعدلات الفائدة    أمير منطقة حائل يزور مشروع شركة الطخيم للألبان بالخطة    أمن الطرق بالقصيم يضبط مخالفاً لنظام البيئة    الجبير ووزير خارجية النرويج يبحثان العلاقات الثنائية    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح المؤتمر الدولي ال 12 لتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة الأحد القادم    نائب وزير البيئة والمياه والزراعة يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته ل4 سنوات    هيئة الفروسية تناقش مستقبل البولو مع رئيس الاتحاد الدولي    مانشستر سيتي: مرموش كان بمقدوره تمثيل منتخب كندا ويعتبر محمد صلاح قدوته    أخضر 17 في المجموعة الأولى ببطولة كأس آسيا    10 عروض أدائية سعودية وبرازيلية تدشن معرض «التقاء»    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    54 ألف أمريكي يفرون من منازلهم.. حرائق لوس أنجليس تتوسع    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابةً عن ولي العهد .. أمير الرياض يحضر الحفل السنوي الكبير للخيل    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    11 فرصة عقارية بمزاد رواسي جدة    العليمي: تصنيف الحوثي «إرهابية» مدخل لإحلال السلام والاستقرار بالمنطقة    فرص تطوعية إسعافية لخدمة زوار المسجد النبوي    «الاحتلال» يصعد جرائمه في جنين.. مقتل مدنيين وإصابة مسن في هجوم إسرائيلي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثانية عشرة لمساعدة الشعب السوري    رابطةُ العالَم الإسلامي تُدين هجومَ قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة "جنين" في الضفّة الغربية    هطول أمطار متفاوتة الغزارة على معظم مناطق المملكة.. ابتداءً من اليوم وحتى الاثنين    «أكاديمية الإعلام» تبحث تطوير الكفاءات الوطنية    اتحاد بنزيما «شباب وعميد»    ولي العهد للرئيس الأمريكي: توسيع استثمارات السعودية مع الولايات المتحدة ب 600 مليار دولار    أفراح آل حسين والجحدلي بزواج ريان    الزميل رابع سليمان يجري عملية جراحية    عاصم يحتفل بقدوم عمر    الفيصلي يستقبل الجبلين.. وجدة ضيفًا على الجندل    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    مدير الأمن العام يستقبل نظيره الجزائري    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    رئاسة الحرمين تفعّل مبادرة «توعية قاصدينا شرف لمنسوبينا»    حرائق أمريكا.. هل من مُدَّكِر؟!    السعودية تستعرض ثمار رؤيتها 2030    البازعي ل«عكاظ»: الجيل الحالي نشأ في فضاء أكثر انفتاحاً ووعياً بأهمية الحوار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي ينهي معاناة مراجع مع مضاعفات عملية تحويل المسار بجراحة تصحيحية نادرة ومعقدة    الدرونز بين التقنية والإثارة الرياضية    الراجحي: سياسة القضاء على العمل الجبري تعزيز لسوق آمن وجاذب    وصية المؤسس لولي عهده    شهقة ممصولة    مسؤولون: الجيش الأميركي يستعد لإرسال 1500 جندي إضافي إلى الحدود    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    ندوة الإرجاف    المجتمع السعودي والقيم الإنسانية    ثقافة الابتسامة    وزير العدل يلتقي السفير الصيني    مختل «يذبح» جاره في مصر.. مصدر أمني ل«عكاظ»: القاتل يهذي بكلمات غير مفهومة    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    نموذج الرعاية الصحية.. الأثر والرعاية الشاملة !    مستشفى الملك فهد الجامعي يجدد اعتماد «CBAHI» للمرة الرابعة    الفن التشكيلي السعودي في كتاب    "لسان الطير"    اختتام المخيم الكشفي التخصصي على مستوى المملكة بتعليم جازان    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    أعمال العنف تؤكد رغبة إسرائيل في تعزيز الاستيطان    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    الأمير محمد بن ناصر يدشن المجمع الأكاديمي الشرقي بجامعة جازان    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات الجزائرية : انتصار كبير لمشروع الوئام المدني
نشر في الحياة يوم 08 - 06 - 2002

يعتبر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ومشروعه في ترقية الوئام المدني إلى مصالحة وطنية شاملة الفائز الأول في انتخابات 30 أيار مايو الماضي. كما يبدو أن المؤسسة العسكرية المعروفة سابقاً باستراتيجيتها الاستئصالية تجاه الجبهة الإسلامية للإنقاذ طورت مواقفها ولم تتدخل لعرقلة مشروع الرئيس. فحزب جبهة التحرير الوطني سيكون ذراعه الأيمن في هذا المشروع، بعدما حصل على غالبية طفيفة في البرلمان الجديد تجاوزت ال50 في المئة 199 مقعداً من 389.
وجبهة التحرير معروفة بأطروحتها التاريخية المعتمدة على العروبة والإسلام، أي هي في خانة التيار العربي الإسلامي، كما تتمتع ببعض العلاقات مع قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وصلت سنة 1995 إلى تحالف وتنسيق إثر مؤتمر "سانت إيجيديو" في روما.
وتمثلت المفاجأة الثانية في الانتخابات في فوز حزب "حركة الإصلاح الوطني" بقيادة عبدالله جاب الله بالمرتبة الثالثة بحصوله على 43 مقعداً. والرجل وحزبه معروفان بدعوتهما الى مصالحة وطنية شاملة تشترك فيها قيادات جبهة الإنقاذ. كما دعم فوز حزب العمال بقيادة لويزة حنون فوز مشروع المصالحة. فقد أحدث مفاجأة كبيرة بحصوله على 21 مقعداً في مقابل اربعة مقاعد في البرلمان السابق. ولويزة حنون معروفة بدعوتها الى المصالحة الوطنية ووقف نزيف الدماء، كما تتمتع بعلاقات طيبة مع قادة الإنقاذ وبخاصة مع الشيخ علي بن حاج. أما الخاسران الأكبران فهما حزب التجمع الوطني الديموقراطي بقيادة احمد أويحيى وحركة "حماس" بقيادة الشيخ محفوظ نحناح التي قدمت نفسها ذات يوم بديلاً للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكذلك حركة "النهضة" التي عاقبها جمهور الناخبين فلم تحصل إلا على مقعد واحد.
كانت المعركة الانتخابية لجبهة التحرير الوطني في الأساس ضد حزب احمد أويحيى، أي التجمع الوطني الديموقراطي. وأثبت هذا الحزب فشله في الإدارة الجهوية للمجالس المنتخبة وهو مرشح لانهيار سريع واختفاء كامل من المشهد السياسي بمجرد أن تتخلى المؤسسة العسكرية عنه كلياً أو حتى جزئياً. وهو بدا وكأنه حزب الإدارة والسلطة الذي لا لون له ولا طعم ولا تاريخ، فكانت معركة جبهة التحرير الوطني سهلة ضده.
ويبقى حزب جبهة التحرير الوطني مهما قيل ويقال عنه ومهما ارتكب من أخطاء كثيرة، واحداً من الأحزاب العملاقة في العالم التي صنعت التاريخ المعاصر. وعلى رغم احتكاره المشهد السياسي الجزائري منذ اندلاع ثورة تشرين الثاني نوفمبر 1954 حتى بداية التسعينات، كان المسؤول عن مصير هذا البلد طوال فترة تمتد على نحو أربعة عقود. لذلك أدركت المؤسسة العسكرية أخيراً أن عودته على رأس الساحة السياسية ضرورية لأنها لا تستطيع الاعتماد على حزب احمد اويحيى. إذ إن تأسيس التجمع الوطني الديموقراطي كان خطأ كبيراً للرئيس اليمين زروال على رغم حسن نياته، وأصبح هذا الخطأ إرثاً ثقيلاً يؤرق الجميع.
كما تمثل جبهة التحرير الوطني أول مدرسة سياسية في الجزائر منذ الثورة. إذ خرج وتخرج فيها الكثير، إن لم نقل الغالبية الساحقة من إطارات النخبة السياسية في الجزائر، بمن فيهم ضباط الجيش وقادة التجمع الوطني الديموقراطي وحتى عباسي مدني الذي كان ذات يوم عضواً في جبهة التحرير الوطني.
وبات من المؤكد اليوم أن جبهة التحرير الوطني الجزائرية استعادت زمام المبادرة السياسية ودخلت في المرحلة الأخيرة لإعادة سيطرتها على الدولة وإبعاد خصمها الأساسي التجمع الوطني الديموقراطي. وعادت لتعرف عهداً ذهبياً منذ وصول الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى الرئاسة في نيسان أبريل 1999. إذ عمل الرئيس الجديد، المنتمي إلى الجبهة منذ بداية شبابه، على تقويتها وتشبيبها بأن شجع وصول مناضليها إلى المناصب الكبيرة مثل تعيين الراحل محمد الشريف مساعدية على رأس مجلس الأمة ووضع على رأس الحزب العتيد شاباً يجمع بين الخبرة والعمل والكفاية هو علي بن فليس.
ويعد فشل التجمع الوطني الديموقراطي فشلاً شخصياً لزعيمه احمد اويحيى، وهو من السياسيين الجزائريين الشباب، لم يشارك في ثورة نوفمبر 1954 لصغر سنه وبالتالي لا يتمتع بالشرعية الثورية التي يمكن أن تخوله ليصبح رئيساً للدولة. وهو عمل في مؤسسة الرئاسة حيث سطع نجمه، خصوصاً في أوساط الأمم المتحدة عندما شارك في معالجة ملف الصحراء الغربية وبالتالي خوض حرب ديبلوماسية ضد المملكة المغربية. شغل منصب سفير الجزائر في النيجر ثم سرعان ما عين وزيراً مكلفاً التعاون بين الدول المغاربية للمرة الأولى في حكومة سيد احمد غزالي. وساهم في شكل فاعل في توقيع اتفاق سياسي بين حركة الطوارق المسلحة والسلطات النيجرية، ثم أصبح مدير ديوان زروال الذي سرعان ما عينه رئيساً لحكومته. لكنه سرعان ما ترك موقعه إلى خلفه اسماعيل حمداني. ولم ينسحب من الحياة السياسية على رغم الانتقادات الشديدة التي وجهت إليه أثناء ممارسته السلطة فأصبح أميناً عاماً لحزب التجمع الوطني الديموقراطي بعدما تم استبعاد الأمين السابق الطاهر بعيبش. أما تعيينه وزير دولة مكلفاً بالعدل في حكومتي احمد بن بيتور وعلي بن فليس فلم يفاجئ كثيرين من المراقبين. و كثيراً ما تم تداول اسمه كرئيس دولة محتمل للجزائر. إذ أن تحالف قيادة هيئة الأركان/ الاستخبارات العسكرية كان يرغب في إيصاله الى قصر المرادية، لكنهما تخوفا من صغر سنه وعدم انتمائه الى جيل الشرعية الثورية أولاً ومن كونه من منطقة القبايل ثانياً ومن عدم شعبيته التي اعترف بها هو نفسه ثالثاً.
من جهة أخرى فإن عبدالله جاب الله هو أول الفائزين في التيار الإسلامي. إذ نجح في الحفاظ على موقف وسط يتمثل في علاقته الجيدة مع قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ من جهة وعلى علاقته مع السلطة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية من جهة أخرى. وهو يمثل الجيل الشاب الباحث عن شرعية جديدة تعتمد الانتخابات من خلال تعبئة الشباب الذي همشته جبهة التحرير في الماضي. فاستفاد من أخطاء النخب القديمة ليقدم نفسه كبديل، مثله في ذلك مثل "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" أو حركة "حماس". كما تميز في حملة انتخابات نيسان 1999 بكونه يتبنى مشروعاً إسلامياً دينياً صريحاً على عكس بقية المرشحين الذين يتراوحون بين الوطني الليبرالي بوتفليقة، أو الوطني الإسلامي الإبراهيمي، أو الوطني التكنوقراطي سيفي، أو الوطني التاريخي الخطيب، أو الوطني الاشتراكي آيت أحمد. أما جاب الله فهو يعتبر نفسه إسلاميا صرفاً. ولا يمكن مقارنته إلا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ أو حركة "حماس". ومن هنا جاء تميزه. أكبر خدمة قدمتها له السلطة تمثلت في إزاحة خصمه محفوظ نحناح من سباق الانتخابات.
وينبغي ألاّ ننسى أن الرجل الذي أخرج من النافذة عبر رفاقه في حركة "النهضة" عاد إلى العمل السياسي من بابه الكبير بعد الانتخابات الرئاسية ليؤسس حزبه الجديد "حركة الإصلاح الوطني" ويحقق فوزاً كبيراً جداً اليوم. وبدأ عبدالله جاب الله حياته السياسية بإنشاء جماعة سرية منذ سنة 1974 تستهدف إقامة دولة إسلامية في الجزائر. ثم تموقع في وسط الحركة الإسلامية. فهو بالنسبة إلى السلطة أقل تطرفاً من الجبهة الإسلامية للإنقاذ وفي الوقت نفسه أقل اعتدالاً من الشيخ محفوظ نحناح. بعد أزمة 1992 شكل "لجنة الدفاع عن اختيار الشعب"، وشارك في ندوة روما ووقع على عقدها إلى جانب التيجاني هدام وآيت أحمد وبن بلا ولويزة حنون، فيما استنكر محفوظ نحناح العقد متقرباً بذلك من السلطة. كما فاز حزب السيدة لويزة حنون ب21 مقعداً. وهو أول حزب شيوعي تروتسكي في الوطن العربي يفوز بمثل هذا العدد من المقاعد. كما يمثل حزبها استثناء بين الأحزاب الماركسية العربية. فهو منغرس حقيقة في الأوساط الشعبية والنقابية ويرتبط بعلاقات احترام مع الحركات الإسلامية. كما أن زعيمته متحمسة للمصالحة الوطنية الكبرى.
تبدو نتيجة الانتخابات مناسبة للجزائر لتدخل عهداً جديداً من التصالح ولتضع حداً نهائياً للعنف الدائر منذ عقد من الزمن. فهي تمتلك اليوم برلماناً "تصالحياً". كما تبدو نتيجة الانتخابات انتصاراً كبيراً لأنصار التعريب والهوية العربية الإسلامية في الجزائر ضد أنصار التغريب والفرنسة.
* كاتب تونسي مقيم في جنيف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.