كتب المحرر السياسي - حرصت الحكومة اللبنانية على وضع قرار سورية إعادة نشر قواتها في لبنان في سياق تطبيق اتفاق الطائف. وحرصت مصادرها على القول إن الجانب السوري طرح الفكرة خلال القمة اللبنانية - السورية التي عقدت في بيروت أوائل الشهر الماضي، وان موعد التنفيذ ارجئ بناء على طلب الجانب اللبناني. لكن هذا الحرص لا يلغي حق المراقبين داخل لبنان وخارجه في قراءة الخطوة السورية على أنها رسالة في أكثر من اتجاه خصوصاً في الوضع الاقليمي الحالي. فعلى الصعيد اللبناني تدرك سورية أن خطوتها لا بد وأن تلقى ارتياحاً لدى المطالبين بانسحاب قواتها من لبنان. وان الخطوة ستساهم في تبريد الجو السياسي وتجنب سورية أي ضغوط محتملة من "خاصرتها" اللبنانية، في وقت يتوقع فيه أن تكون عرضة لضغوط اقليمية ودولية اكدها كلام الرئيس جورج بوش امس. ثم ان سورية بخطوتها هذه التي تتضمن قدراً من الابتعاد عن بيروت والمخيمات الفلسطينية ومعقل "حزب الله" في ضاحية بيروت الجنوبية، تبعد نفسها عن تحمل مسؤولية أي تفاعلات محتملة للوضع الاقليمي داخل الساحة اللبنانية. والرسالة هنا موجهة إلى اللاعبين الاقليميين وإلى الولاياتالمتحدة أيضاً. على الصعيد الاقليمي، لا يمكن عزل توقيت القرار عن تزايد السخونة في مزارع شبعا بفعل عمليات المقاومة وتزايد سخونة التهديدات الإسرائيلية ل"حزب الله" ولبنان وسورية وإيران. وبهذا المعنى يمكن وضع إعادة الانتشار في إطار التحسب لكل الاحتمالات التي تطرحها المذبحة المفتوحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما بدأت تطلقه من ارتجاجات اقليمية. يضاف إلى ذلك أن الخطوة السورية تأتي في أعقاب القمة العربية والتي أكد خلالها لبنان، وإلى حد الافراط، تطابق سياسته الخارجية مع سياسة سورية بدءاً بموضوع مزارع شبعا والمقاومة وصولاً إلى الموقف من السلطة الفلسطينية ورئيسها. فقد أظهرت مجريات الإدارة اللبنانية للقمة، ومعها موقف الرئيس اميل لحود والحكومة والمؤسسات الأمنية، ان نفوذ سورية في لبنان لم يعد يحتاج انتشاراً عسكرياً واسعاً. هذا فضلاً عن أن الحكومة اللبنانية قادرة على تجديد طلب الاستعانة بالقوات السورية في أي وقت وفي أي نقطة في لبنان. أظهرت مداولات القمة العربية في بيروت أن سورية قادرة على الاستمرار في لعب دور بارز في أزمة الشرق الأوسط، وأنها معبر الزامي لمشاريع التسوية الرامية إلى قيام سلام شامل وعادل. وأظهرت ميل سورية إلى تأكيد عدم صوابية الخيارات الأخرى وتحديداً الخيارات المصرية والأردنية والفلسطينية. وفي هذا الإطار تبدو سورية وكأنها استأنفت سياسة العقبة - الضمانة. فهي عقبة من جهة ومفتاح من جهة أخرى. قادرة على رعاية التشدد والتلويح به قادرة في الوقت نفسه على فرملة التشدد ومنعه في الوقت المناسب من التحول خياراً انتحارياً شاملاً. لهذا تبدو الخطوة السورية في لبنان بمثابة رسالة في أكثر من اتجاه تعيد تذكير أطراف أزمة المنطقة والمعنيين بها بقدرة سورية على تحريك الأوراق وقدرتها على ضبطها أيضاً.