سمح قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 للزوجة بحق الخُلع على أن تتنازل أمام القاضي عن حقوقها المالية الشرعية وهي المؤخر والنفقة وترد مقدم الصداق أي المهر، وتقر بأنها تبغض الحياة مع زوجها وتخشى عدم الوفاء بحقوقه الشرعية، من دون الحاجة لإظهار الأسباب. وعلى رغم أن هذا القانون يعتبر تنفيذاً أميناً لقاعدة عادلة ومتوازنة في الشريعة الإسلامية وهي "الطلاق للرجل والخُلع للمرأة"، فإن هذا القانون أثار ثائرة الرجال في مصر وقت اصداره، ورأوا فيه إنتقاصاً من كرامتهم. واجه القانون أثناء مناقشته في مجلس الشعب انتقادات كثيرة، إلا أنه بعد أن أصبح واقعاً قانونياً رسمياً، داعب خيال بعض الزوجات المسيحيات اللواتي يعانين المصاعب في علاقتهن الزوجية ولا يجدن مخرجاً لها. وبعد فترة ليست بطويلة رفع بعض الزوجات المسيحيات دعاوى خُلع. أمام محكمة الأحوال الشخصية في حي شبرا في القاهرة تجد العديد من المشاهد الدرامية وأحياناً التراجيدية التي تجذب الأبصار. سناء امرأة جميلة تعمل في وظيفة مرموقة، تتلخص مشكلتها في العجز الجنسي الذي اصاب زوجها بعد الزواج، وهي لا تستطيع إثباته لأن القانون يشترط أن تكون الزوجة "بكراً" وأن يكون العيب الجنسي سابقاً على الزواج حتى تحصل على حكم بالطلاق وبالتالي لم يعد أمامها إلا طريق الخُلع حتى تستطيع فك عُرى العلاقة الزوجية. اما سميرة فقد تركها زوجها بعد ثلاثة أشهر على الزواج وعاد الى هولندا بلد المهجر بزعم ترتيب الحياة على أمل أن تلحق به زوجته. مرت السنون الواحدة تلو الأخرى، وانقطعت الاتصالات، وتقف سميرة تحمل طفلاً صغيراً تبحث عن الخُلع، بعد أن تعذر عليها إثبات مدة الفرقة. مريم تبحث عن الخُلع من زوجها الذي تنتابه حالات جنون متقطع، يحطم خلالها كل شيء أمامه، وبعد أن يهدأ يعتذر ويعدها بحياة جديدة لكنه ما يلبث أن يعود إلى الأمر نفسه. طلبت الطلاق لكنها لم تحصل عليه، لأن اللائحة الصادرة عام 1938 تشترط أن يكون الجنون مطبقاً - أي لا يُرجى الشفاء منه - حتى تحصل الزوجة المتضررة على حكم بالطلاق. المسيحيات والخُلع عن قصة المسيحيات مع الخُلع يقول المستشار نجيب جبرائيل - رئيس محكمة الأحوال الشخصية السابق - ان الخُلع هو نوع من التطليق مصدره الشريعة الإسلامية، ووُجد بصدور القانون 1 لسنة 2000، وأثير التساؤل عما إذا كان هذا القانون يطبق على غير المسلمين من عدمه، لأن من المعروف أنه في حال اختلاف الملة أو الطائفة بين الزوجين المتخاصمين تطبق الشريعة الإسلامية، وعقب صدور هذا القانون استغلت بعض القبطيات ممن لهن مشكلات أحوال شخصية للحصول على أحكام بالخُلع. وكانت أشهر قضية في هذا الشأن قضية الفنانة هالة صدقي مع زوجها مجدي وليم إذ استمر ماراثون التقاضي بينهما منذ أيار مايو 1993 وحتى صدور حكم الخُلع في 14 حزيران يونيو 2002. وقد لجأت الزوجة إلى تغيير طائفتها القبطية وحصلت على حكم بالخُلع. ومنذ ذلك الحين بدأ العديد من قضايا الخُلع يرفع أمام محاكم الأحوال الشخصية إلا أن بعض المحاكم قضى بالخُلع، والبعض الآخر رفض تطبيق مبدأ الخُلع على المسيحيين. وإلى أن يصدر تفسير تشريعي من المحكمة الدستورية العليا - وهي الجهة المناط بها تفسير القانون - سيظل موضوع الخُلع سجالاً ومحل خلاف في القانون المصري بالنسبة الى الأسرة القبطية. وعلى رغم ذلك فإن هناك مئات القضايا مرفوعة أمام محاكم الأحوال الشخصية وموضوعها التطليق للخُلع. وكان من الطبيعي أن نتساءل: لماذا تلجأ المسيحيات إلى الخُلع؟ قال المستشار نجيب جبرائيل: "هو أقصر طريق للتحلل من الرابطة الزوجية بالقياس إلى نصوص مواد لائحة 1938 المطبقة حالياً والتي تشترط للفرقة مضي ثلاث سنوات على إنفصال الزوجين، وأن يكون هناك خطأ من الزوج، وفي بعض الأحيان يصعب إثبات هذه الفرقة أو هذا الخطأ. وترفع دعوى الخُلع تأسيساً على إنضمام الزوجة إلى طائفة أخرى غير الطائفة التي تنتمي إليها مبتغية تطبيق الشريعة الإسلامية. فتذكر في صحيفة دعواها نصوص القرآن بأنها تخشى ألا تقيم حدود الله، وتبغض الحياة مع زوجها، ومستعدة لرد ما دفعه إليها من مهر، وتتنازل عن جميع حقوقها المالية. وتنتدب المحكمة - طبقاً للقانون - حكمين أحدهما للزوجة وآخر للطرف الثاني فيقوما بمهمة الصلح بين الزوجين. وفي معظم الأحيان يقدمان تقريرهما برفض طرفي الخصومة الصلح، فلا يكون أمام المحكمة سوى القضاء بالخُلع". وحكم الخُلع - كما يقول المستشار جبرائيل - مقرر وليس منشأ. وتلجأ الزوجة أيضاً للخُلع باعتبار أن الحكم فيه نهائي، وغير قابل للطعن فيه بعكس الطلاق الذي تتعدد فيه مراحل التقاضي. وهناك على مستوى الجمهورية نحو 200 حالة حصلت على أحكام، ونحو 500 حال أخرى لا تزال متداولة في المحكمة. التجارة في الشهادات وتواجه دعوى الخُلع مشكلات في الإجراءات، وتعقيدات مثل أي قضية متداولة في المحاكم. وعن هذا الموضوع قال ممدوح نخلة المحامي في النقض ومدير مركز الكلمة لحقوق الإنسان ان هناك إجراءات مطولة في قضايا الخلع تتمثل في الإعلان وإعادة الإعلان، ثم إحالة الدعوى الى المحكمين لإيداع تقاريرهم ثم إحالتها على الشهود لإثبات مقدار مقدم الصداق. ونظراً الى أنه لا يوجد مهر في عقد الزواج المسيحي فإن المحكمة تعتد بالقيمة الواردة في عقد الخطوبة. فإذا طعن الزوج في ذلك فإنها تحال على التحقيق لتحديد المبلغ وسماع شهادة شهود من الطرفين. ومن المعروف أن الخطيبين يضعان قيمة "إسمية" وغير حقيقية، في عقد الخطوبة، وهو ما تترتب عليه مشكلات في المستقبل. ويختلف الخُلع عن الطلاق في أن الخُلع لا يجوز الطعن فيه بأي طريقة من الطرق سواء معارضة أم استئنافاً أم نقضاً، اضافة الى أن أسباب الطلاق واردة على سبيل الحصر في لائحة عام 1938، أما في حال الخُلع فإن القاضي لا يسأل عن أسباب ويكتفي بقول الزوجة أنها تخشى أن تقيم حدود الله. وأضاف نخلة: "ان المدة التي تستغرقها قضية الخُلع حتى صدور الحكم النهائي تصل إلى ثمانية أشهر، ولا بد من تغيير الطائفة أو الدين من أجل تطبيق الخُلع. وهناك تجارة غير شرعية في شهادات تغيير الطائفة، وهناك سماسرة ووسطاء في هذا الشأن، وتكلف الشهادة ما بين ألفين وخمسة آلاف جنيه. إذ لا بد أن من يأتي تاريخ الشهادة قبل رفع الدعوى ما عدا تغيير الديانة الذي يعتد به في أي مرحلة من مراحل التقاضي". طابور أمام المجلس الإكليريكي أمام المجلس الإكليريكي الذي يقع في قلب الكاتدرائية المرقسية في القاهرة تقف آلاف المسيحيات يبحثن عن تصريح بالزواج حتى يتمكّن من الزواج مرة أخرى بعد حصولهن على حكم بالطلاق أو التطليق للخُلع ولكن من دون جدوى. ويشدد المستشار جبرائيل على أن الكنيسة لا توافق على الخُلع كسبب لإعطاء تصريح بالزواج باعتبار أن تصريح الزواج من اختصاص الجهة المدنية، ولا ينص عليه في حكم التطليق. ويقدر عدد النساء اللواتي تقفن عاجزات عن الحصول على تصريح الزواج بالآلاف، وعلى الكنيسة أن تجد حلاً لهؤلاء لا يتعارض مع نصوص الإنجيل. رأي الكنيسة ذهبنا إلى الكنيسة للتعرف الى رأيها بشأن الخُلع، وهنا تظهر آراء اجتهادية كثيرة، وهو ما دفع البابا شنودة الثالث لنشر تصريحات توضيحية وخصوصاً بعدما أصبح موضوع الموقف المسيحي من الخُلع متداولاً في نطاق الأسرة القبطية. وقال: "يبدو أن هناك خلطاً بين كلمة "خُلع" وكلمة "طلاق" فالخُلع في نظرنا غير الطلاق، وحتى القانون لم يسمه طلاقاً، فالخُلع هو انفصال الزوجين مدنياً بناء على رغبة الزوجة إذا أبدت أسباباً لعدم استطاعتها الحياة مع الزوج، والكنيسة تنظر إلى مثل هذا الخُلع ليس على أنه طلاق وإنما على أنه انفصال مدني بين الزوجين. وقال الأنبا بيسنتي النائب البابوي ل"الحياة": "إن مصطلح الخُلع غريب على الكنيسة القبطية، فهي لا تعطي للزوج أساساً حق الطلاق، وإنما تقوم الكنيسة بالتطليق عندما يترك أحد الزوجين الإيمان المسيحي، أو أن يضبط في خطيئة الزنا، وفي هاتين الحالين تعطي الكنيسة الطلاق وتعطي حق الزواج للطرف الآخر المتضرر أو الضحية، أي غير المتسبب في هذا الطلاق. فالأساس أن الكنيسة القبطية لا تعطي أصلاً الزوج الحق في التطليق بإرادته المنفردة، إلا أن بعض الأزواج يلجأون أحياناً إلى تغيير الملة حتى يطبق عليهم قانون الشريعة الإسلامية مع اختلاف الملة بين الزوجين. وبناء على ذلك يأخذ حكماً مدنياً بالطلاق، وعليه بعد ذلك أن يرجع إلى الكنيسة فتبحث ما إذا كانت الحال تندرج تحت الطلاق". وأضاف بيسنتي أنه على نسق تلاعب بعض الأزواج الأقباط بتغيير الملة للحصول على الطلاق المدني فعلت بعض الزوجات القبطيات بعد صدور قانون الخُلع عام 2000، فعمدن إلى تغيير الملة أو الطائفة ورفعن قصايا يطلبن فيها الخُلع فطبقت المحكمة عليهن الشريعة الإسلامية، وبهذا يكونون مطلقين مدنياً أمام الدولة بالخُلع أما في نظر الكنيسة فهن ما زلن متزوجات، ولا يستطعن الحصول على تصريح من الكنيسة بالزواج الجديد إلا إذا خضعت الحال لحالتي الطلاق أو البطلان، فما يطبق على الزوج القبطي في الطلاق المدني يطبق على الزوجة في الخُلع من وجهة نظر الكنيسة. وعن حال الفنانة هالة صدقي وهي أول إمرأة قبطية في مصر ترفع دعوى خُلع وتحصل عليه بحكم المحكمة، قال: "حصلت على الحكم مدنياً، وما زالت أوراق قضيتها في المجلس الإكليريكي لا أعلم إلى أين وصلت في حكم الكنيسة".