بدعوة من مجلس كنائس الشرق الأوسط، عقد لقاء بين 4 و9 أيلول سبتمبر الجاري في مركز المؤتمرات في دير ايانابا - قبرص، لبحث "أنظمة الأحوال الشخصية - التحديث، المستجدات وتبادل الخبرات". حضر اللقاء مندوبون عن مختلف الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط، من قضاة ومحامين وأساتذة قانون ورجال دين من مصر والأردنوفلسطينوسورياولبنانوقبرص. تحدث في اللقاء الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط القس رياض جرجور الذي قال ان المجلس يضم جميع الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط ويعمل في خمسة محاور هي: أولاً - وحدة المسيحيين في الشرق على رغم ما فيها من عقبات وصعوبات، وهي وحدة في التنوع. ثانياً - نهضة كنسية من خلال الشبيبة والمرأة ونشاطات الأسرة، وانفتاح هؤلاء على بعضهم بعضاً لمزيد من معرفة الآخر والاحترام المتبادل. ثالثاً - تنمية الموارد البشرية والمساعدة في برامج الخدمة الاجتماعية في التأهيل والاعمار في الدول التي عانت وتعاني حروباً مثل لبنانوفلسطين والعراق وحيث تدعو الحاجة. رابعاً - الاعلان عن شهادة مسيحية في هذا الشرق اقليمياً ودولياً، والتشديد على ان البقعة العربية هي اسلامية ومسيحية، وان المسيحيين في البلاد العربية هم مواطنون من الدرجة الأولى أيضاً. خامساً - التركيز عبر الحضور المسيحي في الشرق على مواضيع العدالة والسلام والحوار الاسلامي - المسيحي. وأوضح القس جرجور ان العائلات المسيحية في الشرق تعاني مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية لم تكن تعرفها من قبل. "وهذا أمر دفع كثيرين الى طرق أبواب المحاكم لحل نزاعاتهم. وتُظهر قوانين الأحوال الشخصية عجزاً متزايداً في تناول هذه النزاعات، فيفقد كثيرون الأمل بكنائسهم أو يصيبهم الملل بسبب طول الانتظار وبقاء الأبواب مغلقة أمامهم، أو يتعرضون للابتزاز والاستغلال، فيبحثون عن حلول خارج المسيحية ويتخلون عن ديانتهم". ودعا ممثلي الكنائس الحاضرين الى العمل بروح الموضوعية والحكمة بعيداً من المغالاة وصولاً الى تأمين مقتضيات استمرار الحضور المسيحي في الشرق، والعمل أيضاً على تحقيق الوفاق بين مختلف الطوائف المسيحية ومذاهبها عبر تحديث قوانين الأحوال الشخصية، ودعوة الحكومات العربية الى تبني هذه القوانين حيث أمكن ذلك. ثم عرض المندوبون المصريون مسيرة قوانين الأحوال الشخصية في مصر بدءاً بالعثمانيين و"الخط الهمايوني" الصادر عنهم عام 1874 لحماية الأقليات، وما تبعه من أوامر صادرة عن "الباب العالي" العثماني الى المجالس الملية حتى انفصال مصر عن تركيا وصدور قانون عام 1915 الذي زجازت فيه الحكومة المصرية لمحاكم الطوائف الملية الاستمرار في العمل "الى حين الاقرار على أمر آخر..."، ثم صدور القانون 462 لعام 1955 الذي ألغيت بموجبه المجالس الملية كمحاكم طائفية. واستمر الوضع قائماً كما هو مع القانون الرقم واحد لعام 2000 المعروف لدى العامة في مصر بقانون الخلع الذي أجاز للزوجة طلب الطلاق الخلع بالارادة المنفردة. وعُرضت المشكلات التي تحدث عند تغيير الملة أو الطائفة وما يترتب على ذلك من تطبيق احكام الشريعة الاسلامية. وأعلن المشاركون في اللقاء من مصر أن الطوائف المسيحية مجتمعة اتفقت على قانون موحد للأحوال الشخصية رفعته الى الحكومة وانه سيتم عرضه في مجلس الشعب في دورته المقبلة. وتحدث المشاركون من الأردن عن قوانين الأحوال الشخصية في بلادهم فعرضوا أولاً قانون مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة الرقم 2 لعام 1938 القائم حتى اليوم والذي أجاز لكل طائفة دينية تعترف بها حكومة المملكة الاردنية الهاشمية ان تؤسس ما يعرف بمجلس الطائفة وهي المحكمة الكنسية لتلك الطائفة وتبحث في مسألتي الزواج والطلاق وفق قوانينها. أما مسائل الأوقاف وأموال الأيتام والولاية والوصاية والوراثة والحجر وفك الحجر وتنصيب القيّم والوصيّ وعزلهما وغير ذلك، فتحكم فيها المحاكم الكنسية بحسب القوانين المدنية الموافقة للشريعة الاسلامية. وعُرضت الاشكالات الناشئة من إبدال المذهب وتغيير الدين خصوصاً في قضايا الإرث والوصاية، والمحاكم القائمة من نظامية وشرعية وكنسية التي تنظر في الخلافات الناشئة بين أشخاص من أديان أو طوائف مختلفة. ولوحظ أن نفسية القاضي الذي يطبق القانون هي التي تحكم في النهاية. من سوريا، تحدث المطران يوحنا منصور، راعي أبرشية اللاذقية للروم الأرثوذكس عن مشروع قانون الأحوال الشخصية لطائفته التي ينتشر ابناؤها في سورياولبنان والعراق والمهاجر، وقال ان المشروع أعطى للخطبة قبل الزواج أهمية خاصة لأنها المرحلة الأولية التي تسبق الزواج، فبيّن أن القانون حدد شروط الخطيبين وأحكام ما يقدمه أحدهما للآخر. أما الزواج في القانون فهو سر من أسرار الكنيسة، لذلك لا يكفي لصحة عقده رضى الطرفين وإنما أن يتم بالشكل المقرر حيث تكون الكنيسة طرفاً رئيساً في عقده أو اعتبر باطلاً. وقال ان القانون راعى المبادئ الأساسية للزواج التي تقوم على سعادة الأسرة وعالج أموراً كالبائنة والهدايا الزوجية و"الجهاز" والنفقة والحضانة. وشرح أسباب انحلال الزواج وحالاته من بطلان وفسخ وطلاق. وعرض محامون وقضاة من سوريا قواعد الارث والنظام المالي بين الزوجين لدى الطوائف المسيحية، وان لا إرث بين السوري والأجنبي الا بشرط المعاملة بالمثل. أما الطوائف المعتمدة في سوريا ولدى أمانة السجل المدني فهي: الطائفة الاسلامية، الطائفة الدرزية، الطائفة المسيحية والطائفة الموسوية. وان قانون الأحوال الشخصية الصادر في سوريا الرقم 59 تاريخ 17/9/1953 يعتبر قانوناً عاماً يطبق على جميع المواطنين ما عدا بعض الاستثناءات الواردة في المادة 308 والتي خولت الطائفتين المسيحية والموسوية تطبيق ما لديهما من احكام تشريعية دينية تتعلق بالخطبة وشروط الزواج وفسخه وحضانة الأولاد. ومن لبنان تحدث المطران بشارة الراعي راعي أبرشية جبيل للموارنة عن تأثير الزواج المدني في حياة العائلة في الشرق ومستقبلها. وقال ان الزواج المدني يتجاهل الوحي الإلهي وينزع عن الزواج قدسيته كعهد وسر من أسرار الكنيسة ويجعل منه مجرد عقد مرتبط فقط بإرادة الزوجين، ومن الأسرة مجرد مؤسسة اجتماعية. وأضاف أن الزواج المدني حاجة تقتضيها المجتمعات المدنية ذات الأنظمة العلمانية التي تفصل فصلاً قاطعاً بين الدين والدولة، وان حرية المعتقد تعني الحق والواجب لكل انسان في العالم ان يبحث عن الحقيقة وفي طليعتها تلك المتعلقة بالشأن الديني، وينظم حياته على أساسها، وان الالتزام الديني لا يحتمل التجزئة والانتقاء. وعرض محامون وقضاة من لبنان قوانين الأحوال الشخصية المرعية الاجراء لدى الطوائف الاسلامية والمسيحية بمختلف مذاهبها التي يبلغ عددها 18 طائفة. ومحاكم الأحوال الشخصية هي محاكم طائفية لأن نظام لبنان يقوم على حقوق الطوائف واستقلالية أحوالها الشخصية. وعُرضت مفاعيل إبدال الزوج لطائفته أو دينه وتأثير ذلك في حقوق الزوجة والأولاد. وطُرحت قضية توزيع إرث شخص مسيحي كان تزوج لدى إحدى الطوائف المسيحية ثم أبدل دينه واعتنق الاسلام وتزوج وتوفي مسلماً عن عائلة من زواجه الأول يتضمن زوجة وأولاداً وعائلة من زواجه الثاني يتضمن أيضاً زوجة وأولاد. وتبين ان اجتهاد المحاكم اللبنانية غير موحد حول مسألة توزيع الإرث وان اجتهاد المحكمة الابتدائية كان أن الإرث ليس من مفاعيل الزواج وأن العائلة الأولى لها حقوق محفوظة بموجب قانون 2 نيسان ابريل 1951. وحكمت بإعطاء العائلة الأولى الحصص المحفوظة التي أقر بها القانون المذكور وما تبقى يعود لقاضي الشرع المسلم توزيع رصيد المال على العائلة الثانية وفقاً لقانون الشرع الاسلامي. لكن هذا الحكم تم فسخه لدى محكمة الاستئناف التي أخذت باجتهاد ان إسلام الزوج لا يجب الاّ يلحق أي إثر بالزواج الأول وحكمت بتوريث العائلة الأولى وحدها، وان القضية الآن أمام محكمة التمييز للفصل فيها بقرار مبرم. أما أنظمة الأحوال الشخصية في فلسطين والأراضي المحتلة فهي مشابهة لما هي عليه في الأردن حيث يترك لكل طائفة ادارة الأحوال الشخصية التابعة لأفرادها. ومع قرب ولادة الدولة الجديدة هنالك حاجة الى إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية في فلسطين عموماً ويتنازع فيها تياران: تيار يريد المحافظة على الهوية المسيحية المستقلة لكل طائفة على حدة، وتيار علماني يطالب بوضع قوانين مدنية لجميع المواطنين بغض النظر عن انتمائهم الديني. وعرض رجل دين من قبرص الأحوال الشخصية في الجزيرة فقال ان قبرص دولة علمانية تطبق نظام الزواج المدني. والمؤمن الذي يرغب بالزواج الكنسي عليه الالتزام بقوانين الكنيسة، وعرض موانع الزواج في الكنيسة الارثوذكسية وأهمها فوارق العمر. وقال ان الكنيسة تمنع زواج رجل يزيد عمره 12 عاماً عن الفتاة التي يرغب الزواج منها. وكذلك تمنع ان يزيد عمر الفتاة 6 اعوام عن الرجل الذي ترغب الزواج منه. ولكن أسقف المنطقة يمكن أن يسمح بالزواج عند الضرورة القصوى. واختتم اللقاء بالتمني على المرجعيات الروحية توحيد التشريع في ما يعود الى المفاعيل المدنية للزواج، والى بت مسائل حضانة الأولاد والنفقة ضمن مهل ووفق شروط تراعي كل المصالح لا سيما مصلحة القاصرين. وتم تشكيل لجان متابعة للعمل على تنفيذ التوصيات التي تم التوافق عليها.