في احدى كتاباته قال الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ "تراجع اولاً، ثم استجمع قواك لتعود وتقفز قفزة اطول الى الامام". وعلى رغم ان صين الرئيس الجديد الصاعد هو جينتاو تختلف كثيراً عن الصين التي حلم بها ماو وقادته الى الثورة الثقافية التي ينظر اليها الآن شؤماً، فإن الثابت ان بعض الحِكَم الصينية لا يفنى، لانها جزء من هيمنة ثقافة راسخة، وبهذا المعنى تكون دعوة الزعيم الجديد للحزب الشيوعي الصيني الى ادخال الرأسماليين نوعاً من ذلك التراجع الذي تحكمت في صوغه اعتبارات داخلية وخارجية. فعلى الصعيد الداخلي بدا هذه المرة ان انتهاء مرحلة وبداية اخرى وما يطبعهما من انتقال السلطة من جيل الى جيل يتم بأقل قدر من الصراع، ظاهرياً على الاقل، ولم تحفل فترة الرئيس جيانغ زيمين باسئلة الخلافة كما كانت الحال في حقبة دينغ هسياو بينغ. فقد أقر المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي وقتذاك الموافقة على القيادة المتحكمة بالحزب وربما كان الاستثناء في تجربة الرئيس الصيني السابق انه وخليفته في رئاسة الدولة وزعامة الحزب اقتسما النفوذ، بما يجعل احتفاظ زيمين بقيادة الجيش استمراراً لدوره في رئاسة لجنة الشؤون العسكرية ذات النفوذ المتزايد علماً بأن اختيار الاشخاص في خلافة القادة الصينيين كان دائماً مشكلة. فقد اختار ماو الرجل الثاني في هرم الدولة ليو شاو شي لكنه اجهز عليه وجعله هدفاً في الثورة الثقافية، في حين ان خليفتي دينغ كانا ليبراليين قبل وقتهما، فأقصي هو باو يانغ عام 1987 بسبب افكاره الاصلاحية المتقدمة وقتذاك، في حين ذهب رفيقه جاو جيانغ الى ميدان تيان آن مين متأخراً ليقدم الاعتذار للطلاب قبل ان يوضع رهن الاقامة الجبرية. لكن الرئيس الجديد هو جينتاو يبدو أسعد حظاً فقد اختاره زيمين في المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي ليكون زعيم الجيل الجديد من القادة الصينيين، وعلى رغم الانتقادات التي وجهت الى الرئيس السابق حول اقحام رفاقه في شنغهاي في مناصب قيادية فإنه رأى في غموض هو جينتاو حافزاً للمرحلة، أقربه أن أحداً من المحافظين او المعتدلين او الليبراليين يسعى الى اغلاق باب الانفتاح الكبير على العالم. بما يجعل ادخال الرأسماليين الى الحزب اشارة لها ما بعدها على صعيد انتهاج سياسات اقتصادية اكثر انقساماً. على الصعيد الخارجي لا تبدو الصين مطمئنة الى التطورات التي قادت الى انفراد الولاياتالمتحدة الاميركية بالزعامة السياسية والعسكرية والاقتصادية للعالم. فهي تستقرئ الخطر الصيني عنواناً للتفكير الاميركي لفترة ما بعد نهاية الحرب الباردة والمعركة الدائرة ضد الارهاب. لكن الصينيين يهتمون دائماً بالحكمة، ومنها ذلك القول بأن من يعرف العدو ويعرف نفسه سيربح مئة معركة، ومن لا يعرف العدو ويعرف نفسه قد ينتصر احياناً وينهزم في اخرى، لكن من لا يعرف نفسه ولا يعرف العدو سيمنى بالهزيمة دائماً. وبين معرفة الصين بواقعها وبين الاستراتيجيات الدولية الراهنة تدور اكثر المعادلات الحاحاً. لذلك راهنت الصين على استعادة هونغ كونغ رمزاً لانتصار النزعة القومية، وهي تنظر الى تايوان من منطلق أمنها القومي لكنها لا تلوّح بالسلاح فقط وانما بالقوة الاقتصادية في رهان قد يختلف ومفاهيم الليبرالية والديموقراطية والاشتراكية كما هو متعارف عليه، لكنه يرغب في الصمود في وجه اي هزات اقتصادية وقد تكون بكين استوعبت جيداً الامراض التي عصفت بالاستقرار الآسيوي، وهي تعاند في البحث عن مناعة بمواصفات صينية مئة في المئة.