تنتشر في برقيات الإعلام، وفي اشرطته، اسماء عَلَم لمسميات وكائنات من نوع جديد. فأسماء "سوجورنير" الروبوت الصغير الذي أرسلته وكالة الفضاء الأميركية "نازا" الى الكوكب الأحمر وشهد الأرضيون فصول نزعه واحتضاره، "وفكتور" وهو شقيق متأخر، فرنسي، لسوجيرنير ويتولى منذ بعض الوقت تصوير اعماق المحيطات وعاد منها بصور مدهشة، وقريباً "سونتور" وهو من صنع المفوضية الفرنسية للطاقة الذرية وهي تنوي التفويض إليه العمل في بيئة نووية والاستعلام عن دقائقها - الى أسماء "ابطال" "حرب النجوم" الكثر د2- ر2 وز- 6 ب و... و"ديب بلو" لاعب الشطرنج الذي "قهر" كاسباروف في 1997 و"زفس" الجرّاح و"دافنتشي" الجراح الآخر و"ماستر" الخادم المنزلي و"تاماغوتشي" و"فوربي" و"آيبو" أصحاب لعب الأولاد - هذه كلها وغيرها مثلها تشير الى استقبال الحياة الاجتماعية أو العالم الاجتماعي الإنساني كائنات تحاكي الهيئة الإنسية، وتقوم ببعض اعمال الآدميين. ولكنها ليست إلا آلات قاصرة يتولى البشر التحكم فيها، ويندبونها الى أعمال يخصونها بها ويقصرونها عليها. وتعريف الروبوت انه "إنسان آلي"، على نحو ما تنقل الكلمة الى العربية، غير دقيق. ولكنه، على وجه الدقة، آلة تحاكي بعض عناصر مظهرها، مثل الرأس والجذع والساعدين واليدين والقدمين، هيئة الآدميين وتقسيمها. ويسعى صانعو الآلات المؤنسنة هذه في توسيع الشبه ليتطاول الى الصوت، على ما هي حال ألعاب الأولاد، وإلى العينين والنظرة وعبارة "الوجه"، وهو ما يذهب إليه رودني بروكس، مدير مختبر الذكاء الاصطناعي في معهد التقانة التكنولوجيا بماتشاشوستس إم آي تي المعروف، في شأن جهاز "كيسْمِت" الذي يختبره المعهد. والحق ان شبه الصورة والهيئة الظاهرين هو كناية عن شبه غير ظاهر يتناول معاني انسانية مثل الإرادة والفهم والتصور. ونوعا الشبه هذان هما ما يبهر في الآلة المؤنسنة، وما يخيف فيها. فيأمل المشاهد في ألاّ يقتصر الشبه على المنظر، وهو شبه فج وبعيد. ولكن تجاوز الشبه الخارجي الى فعل ينم بقصد أو فهم، أو يرد الجواب على فعل إنساني، يهدد عالم البشر بكائنات لا يفهم البشر أفعالها، وقد لا يقدرون على صدها وضبطها واحتوائها، على ما يُرى في روايات الخيال العلمي وفي أفلامه وأشرطته. والجديد الذي استحدثته الإلكترونيات والبرمجة المعلوماتية يحقق بواسطة استباق الاحتمالات وضبط الردود عليها، جزءاً يرجح انه ضئيل من آمال البشر في صنع آلات تجمع بين قوة الآلة الصماء وبين مبادرة الإنسي ومخيلته، ومن مخاوفهم. وأورث تصنيع الإلكترونيات والمعلومات، وقبل هذه وتلك التصنيعُ الذي استعمل ضبط الارتجاعات والموازنات في تجديد الشحنات وتوجيهها، أورث التصنيعُ المثلث هذا مختبرات الروبوت، في نصف العقد المنصرم، عُدَّةً كبيرة ومتفرعة. فباشرت هوندا، الشركة اليابانية التي تنتج السيارات المعروفة، في إنتاج آلة مؤتمتة على صورة إنسية. واختارت المختبرات هذه من صور الإنسية وسماتها المشي وحركاته. فكان ب 2 P2 اسم الماشي الأول. وكانت "ولادته" في كانون الأول ديسمبر 1996. وهو جمع إلى المشي المستوي، على مسَطح من غير تضاريس، القدرة على صعود السلالم ونزولها. وشأن المولودات الآلية، وعلى خلاف الإنسيين، ولد ابن مختبرات هوندا، شبيه سائق المركبة الفضائية إذا ألبس آلة غطس بحرية، ثقيلاً، وزنه 200 كلغ، وطويلاً، بلغ 180 سنتمتراً. ولكنه لم يلبث في الجيل الثاني، أي في العام التالي، أن نقص وزنه 70 كلغ، فبلغ 130، ونقص طوله الى 160 سنتمتراً. وفي العام الماضي، العام 2000، خرج آسيمو، وهو اسم الجيل الثالث، من رحم هوندا وهو لا يزن غير 43 كلغ، اي نحو ربع وزنه قبل اربعة اعوام، ولكنه لم يخسر من طوله غير ثلثه، فبلغ 120 سنتمتراً. وليس الوزن والطول إلا قرائن ظاهرة على مكاسب ينجح الباحثون في تضمينها هذه المصنوعات التي يحاولون تقريبها من هيئة الإنس ومن تلقائيتهم وطوعيتهم وقدرتهم على التكيف مع منبهات البيئة وحوافزها ومعوقاتها الطارئة. وعلى هذا فوزن آسيمو القليل علامة "مجزية" ومفرحة على وزن بطارياتها المتناقض. وهو كذلك علامة محتملة على مرونة مفاصله المتزايدة. وعلى قدرته المستجدة على تقطيعه حركات الرفع والتقدم والدوس والمزج بينها في كلٍّ مركب. ولعل آسيمو، وأخوان اللذان سبقاه ب2 وب3، تمثيل واضح على المراحل التي قطعتها صناعة الروبوت وعلومها الروبوتيات، وتسعى اليوم، في غضون نصف العقد المنصرم، في تجاوزها وطيها. فالسبعمائة ألف وعشرون آلة مؤنسنة الصورة التي تخالط عوالم البشر ومجتمعاتهم - وهي عدد هذه الجماعة منذ ولادتها في 1961 على يد مختبر جنرال موتورز الذراع المؤتمتة يونمايت 001 - ما زال معظمها يحفظ سمات الولادات الآلية الأولى، من ثقل وضخامة جثة واختصاص بموضع وحركة. ويتولى معظمها كذلك القيام بأعمال آلية تقتصر على عدد قليل من اجزاء الأفعال التنفيذية المتصلة. وميزتها الأولى هي قيامها مقام الجسم البشري حيث لا يطيق هذا الجسم المقام، ولا يحتمل أعباءه الميكانيكية أو الحرارية أو الكيميائية أو النفسانية الوجدانية. فتتولى عن الإنسيين التحميل والنقل والتفريغ والجمع جمع القطع المتفرقة واللَّحم والقطع واللَّزق والتلوين. ومثل هذه الأعمال هي معظم "مهمات" صناعات السيارات وتحويل المواد المطاطة وتذويب المعادن والصناعات الآلية عموماً. وتستعمل الآلات المصنوعة على بعض هيئة الإنس في صناعة البناء، وفي مخازن السلع والمرافئ والمطارات. وآلات هذه المرافق كثرتها آلات ثابتة، على ما مر القول. وبعضها يُقاد ويُعمَل، أو يستعمل من بُعد بواسطة أزرار أو مفاتيح أو "فئران" على شاكلة "فأرة" الحاسوب. وترمي صناعة الوسائط الجديدة، وهي المفاتيح اليدوية و"الفئران" خصوصاً، إلى نقل الحس بالثقل المترتب على المناورة، أو العمل الذي تضطلع به الآلة، من الآلة المباشرة الى يد منسق العمل والقائم عليه. فمثل هذا النقل يوفر للمشرف الإنسي تقديراً أدق لملابسات العمليات التي يتولاها الروبوت. ويشير النقل هذا الى حدود الروبوتيات. فالمصنع الذي تتولاه الأجهزة الآلية "الذكية" والمركبة على شاكلة الإنس وحدها، يرجح الباحثون انه لن يبصر النور. فالقدرة التلقائية المبرمجة فعلاً على رد الأجوبة المناسبة في بيئة حوافز معقدة، مثل هذه القدرة تكلفتها، وتكلفة دمجها في الآلات باهظة. هذا من وجه أول. أما من وجه ثان فإخلاء المصانع لها ولو اخلاء تقريبياً ينجم عنه اختلال نفساني واجتماعي قد لا يحتمله العاملون. وفي كل الأحوال ليست الغاية من تطوير الروبوتيات، صناعة وعلوماً، الحلول محل الإنسيين، بل مؤازرتهم ومساندتهم من طريق تكثير مداخلهم الى الأمر والتوجيه فيؤمر فيكتور، جهاز تصوير المحيطات على عمق 6 آلاف متر، بواسطة الصوت، أو من طريق توسيع مجالات الفعل فينزل كايكو، شقيق فكتور الياباني، الى عمق 10 آلاف و911 متراً تحت سطح الماء، حيث لا يحتمل الإنس الوحدة ولا الذبذبات الصوتية. وتتوسل المختبرات اليابانية والأميركية والسويدية، وتكاد تقتصر الروبوتيات على هذه البلدان، الى تأنيس الأجهزة، وخصوصاً الألعاب وآلات الجراحة والبدائل الحيوية بطاريات القلب، "رادارات" الدماغ، "المزروعات" المتفرقة...، بواسطة صناعة آلات حساسة ومتعلّمة. فآلات التصوير المرهفة، ولواقط الصوت ومسجلاته، ومستقبلات اللمس وأحاسيسه، ومائزات الروائح، كلها تتيح تكثير البدائل، ومحاكاة الحواس. فإذا ضم إليها اللايزر ليتولى قياس المسافات، والرادار ليتنسم جهات المؤثرات، وجهاز التثقيل للموازنة، وآلة التصوير بالأشعة تحت الحمراء للحرارة والبصر في العتمة - إذا ضمت إليها هذه تحصلت لها وظائف "إنسانية" وأعضاء هذه الوظائف أو حواملها. ولا شك في ان زرع بعض هذه الأجهزة، المبرمجة و"ديب بلو"، لاعب الشطرنج، هو ذروة البرمجة المنطقية وخزن الاحتمالات الأوفى والتلقائية رد الأجوبة، في النسيج العصبي أو العضلي الإنساني هو من خطط تطوير الروبوتيات الأثيرة. فزرع أسلاك دقيقة مكهربة في مخيخ امرئ مصاب بشلل الدماغ، في 1998، أتاح ترجمة الصورة الذهنية إرادة تحريك اليد أو القدم الى إشارة ضوئية على شاشة حاسوب، وأمكن المصاب من "مخاطبة" من يحوطونه، بعد عزلة تامة وخانقة. ورد زرع شفرات معدنية وكهربائية في الجزء الذي يتحكم في الأبصار، بعضَ البصر الى رجل فقده منذ ثلاثين عاماً، في السنة الفائتة. وقوام هذه الإنجازات انشاء "محاورة" بين الخلايا الحية وبين الأجهزة التي تزرع فيها. فتتولى الأجهزة المزروعة محاكاة العلامات التي سكتت الأجزاء المصابة عن إرسالها أو نقلها أو فكها. فإذا تولت الأجهزة الإرسال أو النقل أو الفك عادت المحاورة الى بعض مجاريها. واستعادت الحياة بعض حقوقها، ولو من طريق الآلة المشبِّهة الإنسي والمتشبه به. * مدرّس علوم اجتماعية في الجامعة اللبنانية.