لعلّ أكثر ما يثير تفاعل الأطفال والناشئة وبعض الكبار مع العروض المسرحية، الشخصيات الغريبة أو تلك التي تتمتّع بفرادة معيّنة - بصرف النظر عمّا يستنتجون في نهاية العرض - و"الروبوت - الانسان" من ابرزها. كثر صادفوا، على الخشبة أو خارجها، ممثلاً أو مهرّجاً يؤدّي شخصية تتحرّك في شكل متقطّع. تتطلّع العينان إلى جهة محدّدة فيلحقها بخفّة، الرأس فالمنكبان فالوسط ثم الساقان، حتّى يستوي الجسم كله في اتجاه واحد. والمشية موقّعة متأرجحة قليلاً يمنة ويسرة. فجأة يستدير الوجه إلى ناحية أخرى لتلحق به بقية أعضاء الجسم مجدداً، ويستوي الكل في الاتجاه الجديد... وهكذا دواليك. وتتصرّف اليد على المنوال نفسه عند تناول شيء ما. تتقدّم القبضة، يَلحق بها الذراع المرفق، تتوقّف عند الشيء كوب مثلاً، تنفتح راحتها ثم تطبق الأصابع عليه، في هذا الترتيب الدقيق. والتوقّف لا يكون فجائياً حاداً، فعندما يصل الشكل العام البدن بمجمله إلى وقفة أو محطة يظلّ مع أطرافه مهتزّاً إلى حين، مثلما يحصل في الآلات والمفاصل الميكانيكية. طال الوصف اعلاه مع أنه لم يشمل سوى النذر اليسير من التفاصيل الكثيرة التي يستطيع الممثل تنفيذها، وهو إنسان يقلّد آلة على هيئته، ولو انه طاول في معظمه مميزات الأخيرة وخصائصها الفيزيائية. ولا ينطوي الأداء العام على استعراض الحركات فحسب، بل أيضاً على دواعيها وجماليتها ورونقها. فمنها ينبعث سحر المشهد وبهجة المشاهد. ولعلّ السحر والافتتان يأتيان من تكسّر الحركات التي تخرج الانسان وشكله وتصرّفاته عمّا هو مألوف، وتجعله كائناً آخر مختلفاً. "أزيمو" وخبو السحر يسعى صانعو الروبوتات إلى ترقية حركاتها وتحسينها لتقترب في سلاستها ونعومتها من حركة الانسان وتضاهيها. ولا يعود الفضل الى الإنسان في تقليدها بشيء. فالواحد يغدو صورة ومثالاً عن الآخر. لكنّ التقيلد والمسرح لم يكونا على اهمية التطوّر العلمي والصناعي، ولن يكونا. إلاّ أن الامر يختلف مع "أزيمو" الروبوت الفريد الذي صنعته شركة "هوندا". فهذا الأخير لا يزال قيد التطوّر. والتجارب التي تجرى عليه تضعه راهناً في مصاف "الممثل"، الآلي هذه المرة. وتبقى في مشاهدته "يتصرّف" متعة كالتي تبعثها فينا مشاهدة انسان يقلّد الآلة، كما وصفناه اعلاه. عام 1986، أطلقت شركة "هوندا" اليابانية، صانعة المركبات السيارة وسائر المحرّكات، برنامجاً لتطوير روبوتات قائمة على هيئة بشر، يجمع فيها "الذكاء" و"المقدرة على الحركة". وانطلقت الشركة من مبدأ أساس يقضي بوجوب تعايش الروبوت والانسان وتعاونهما، من خلال تنفيذ ما لا يستطيعه الانسان وباكتساب "مهارة" في الحركة يفيد منها المجتمع البشري في نهاية المطاف. وعليه، قرر فريق التصميم أن تكون الروبوتات قائمة ومتنقّلة على "ساقين"، وتصلح ل"العمل" في كل انواع التضاريس، حتى الوعرة منها. ثم شرع مهندسو "هوندا" في تطوير كائنات آلية تتلاءم مع اساسيات الحركة البشرية. فجاء "أزيمو" منذ سنة وسطع نجمه في استعراضات ومهرجانات عدّة، منها مباريات كرة القدم، حيث تألّق. وتوصّلت "هوندا" الشهر الماضي الى تحسين آليات التنقّل في الروبوت فغدا يستطيع صعود الادراج ونزولها بكل وقار، ويستجيب أوامر البشر، حتى أنه يعمل موظف تشريفات وعلاقات عامة، ولكن من دون ابتسامة على وجهه، طبعاً. طوله نحو متر و30 سنتيمتراً، وزنه 52 كيلوغراماً، لونه فضي، واسمه "أزيمو" يعني "ذو الساقين المستويتين". وبات في الامكان تشغيله خلال 4 دقائق، مقارنة ب40 دقيقة لتشغيل سلفه. ومنذ نيسان ابريل الماضي شرعت "هوندا" في تأجيره للمشاركة في مناسبات مختلفة في البلاد. واختارت 3 زبائن من اصل 40. ومن الشركات المحظية شركة "آي بي أم" التي استأجرته موظف استقبال وعلاقات عامة، في مقابل 166 الف دولار في السنة. لن يبقى "أزيمو" على حاله، فهو يخضع للتحسين على الدوام. وإلى ان يرقى في مشوار تطوّره الحركي إلى "كمال" حركة الانسان، نأمل في أن يبقى على آليته لخدمة الاجيال المتعاقبة، من دون أن ينشد "الأنسنة"، مثلما يحصل لروبوتات الافلام والمسلسلات، كيلا يفقد سحره.