يختار كتاب «الروبوتات»، وهو ترجمة الزميل رفيف كامل غدار لكتاب The Robot/The Life Story of a Technology، تأليف ليزا نوكس، أن يدخل إلى تقنية الإنسان الآلي («الروبوت» Robot) من باب شديد الواقعية: الخيال البشري. ربما بدا هذا المدخل غير مألوف لجمهور واسع، خصوصاً أن الثقافة العربية تفتقد إلى الاشتغال الواسع والراسخ على العلاقة بين أعمال الخيال المتّصلة بالأسطورة والحكاية والرواية والشعر والأفلام من جهة، والتكنولوجيا ومساراتها وتطوّرها من جهة أخرى. وبذا، يستهل الكتاب روايته عن ظهور هذه الآلات الذكيّة التي يفترض أنها تحاكي الإنسان وأعماله وذكاءه وجسده، بالحديث عن ملاحم الحضارات الغابرة ك «إلياذة» هوميروس، قبل أن يُعرّج على خيالات من الحضارات الفرعونية وبلاد ما بين النهرين، إضافة إلى الهند وفارس والحضارة الإسلامية - العربية، ليحط أخيراً في مهدٍ متوزّع بين الغرب الأوروبي - الأميركي واليابان، وهو أعطى الروبوت ميلاده فعلياً. وصدر الكتاب أخيراً بفضل جهد مشترك بين «الدار العربية للعلوم - ناشرون» و «مركز البابطين للترجمة»، في مفتتح سلسلة «قصة تكنولوجيا» التي تروي كتبها حكاية التقنيات الحديثة، كلاً في كتاب منفصل، بأسلوب سهل ومُبسّط. وينتهي كتاب «الروبوتات» بمعجم يتضمّن الترجمة التي اعتُمِدَت في ترجمة المصطلحات التقنية، وهو أمر لجأت إليه حفنة صغيرة من دور النشر العربية، مثل «المنظمة العربية للترجمة». ويتميّز الكتاب بأنه يختتم على ملحق «قراءات إضافية» وهو سجل يقترح كتباً ومقالات عن موضوع الروبوت، إضافة إلى مجموعة من المواقع الإلكترونية التي تتصل بالروبوت وتاريخه وتقنياته. أسلاف الإنسان الآلي «منذ العام 2000، عرضت شركات مصنّعة كبرى بما فيها هوندا وتويوتا وسوني، روبوتات شبيهة بالبشر تبدو مثل روّاد فضاء صغار الحجم ببذلات فضائية. وعلى رغم قدرة هذه الروبوتات على تسلّق السلالم والرقص والتواصل مع مُشغّليها، وحتى العزف على آلات موسيقية، لم تقارب درجة تطوّر الناس الأوتوماتيكيين المُصوّرين في الأفلام مثل فيلم «الذكاء الاصطناعي» Artificial Intelligence, AI (2001) و«أنا، الروبوت» I, Robot (2004)». وتفتح مقدمة الكتاب على هذه الكلمات التي تشي بالانشغال الرئيسي في موضوع الروبوت: صنع آلالات تماثل (أو تفوق كثيراً) الإنسان جسداً وذكاءً، بل حتى في الأحاسيس والابتكار. وإذ يتوزّع الكتاب على 3 أقسام كبرى، هي «الأسلاف» و «السنوات المُبكّرة» و «نمو الحقل»، فإنه لا يفقد التركيز على موضوعه الرئيسي، على رغم تشعّب هذا الأخير إلى مسارات متعدّدة، لكنها دوماً متقاطعة. وفي الأسلاف، هناك خيال الآلات التي تحارب وتقاتل (وللأسف، معظمها شرير)، لكنها لا تملك إرادة ولا عقلاً مستقلاً، بل تخضع لصُنعها بغموض يعبّر عنه مفهوم السحر. وتبدأ الأيدي بترجمة الخيالات المتراكمة أحقاباً، عبر الآلات التي تؤدي حركات متعاقبة ومتكررة ومنتظمة. وظهرت هذه الآلات في حضارات كثيرة. ودخلت عصر المُحاكاة المُنظّمة لأعمال الجسد البشري، خصوصاً مع عصر التنوير الأوروبي، ولاحقاً عبر جهود مثابرة في اليابان والصين. ولا يجد الكتاب مفراً من إيراد تفاصيل نمو الذكاء الاصطناعي، وهو قلب مشروع الروبوت، بداية من آلات الحساب البدائية التي ظهرت في الصين (من ينسَى المِعداد الصيني الشهير؟) ثم العالم الإسلامي. ولأن الرياضيات هي محرّك مشاريع الذكاء الاصطناعي تاريخياً، من المستطاع ملاحظة المساهمة الضخمة التي قدّمتها الحضارة العربية الإسلامية، عبر الجبر وحساب التكامل والتفاضل وعلم المثلثات («تريغونومتري» Trigonometry)، وخصوصاً ابتكار الخوارزمي الجداول الرياضية التي ما زالت تحمل صدى اسمه لغاية الآن. وبذا، يندمج في الكتاب الحديث عن تطوّر الكومبيوتر ومُكوّناته الإلكترونية ورقاقته الذكيّة، مع الرواية المُشوّقة لظهور الروبوت. ويلفت الكتاب إلى الروبوتات الافتراضية أيضاً، وهو منحًى قلما تناولته الأقلام العربية المشتغلة بمواضيع الكومبيوتر والإنترنت. ولا يفوت الكتاب أن يبرز الفوارق بين المراحل المختلفة في هذا التطوّر العريض. فمثلاً، يُلاحظ أن تطوّر الروبوت في عصور ما قبل الصناعة المُكثّفة في الغرب، اعتمد على البراعات الفردية، على غرار ما صنعه ليوناردو دافنشي، وهو عبقري متعدّد المواهب إلى حدّ يثير الذهول، من أجساد آلية تتحرك من تلقاء ذاتها! وبعدها، سيطر على هذا التطوّر «ظِلّان» كبيران ما فتئا يتفاعلان منذ عقود: الشركات الكبرى والدولة. ولغير هواة الكليشيهات، يبرز بوضوح أن دور الدولة في تطوّر العلم في المجتمعات المعاصرة، ما زال فائق القوّة. ولا بأس من الإشارة إلى «وكالة مشاريع بحوث الدفاع المتقدّمة» («داربا» DARPA) و «الوكالة الأميركية للفضاء والطيران» («ناسا» NASA)، كنموذجين عن هذا المنحى. كرونولوجيا وجيزة قرابة 7000 سنة قبل الميلاد: في ملحمة «الإلياذة»، ورد ذكر لتماثيل متحرّكة ومُقاتِلة. بعدها، تحدّثت «ألف ليلة وليلة» عن تماثيل حديد تقاتل وتطيع أوامر صُنّاعها. القرن الأول للميلاد: في رودس، انتج جيرمينوس آلة حاسبة لقياسات الفلك. القرن 13: وضع العالِم الإسلامي الجزري كتاباً عن الآلات الذاتية التشغيل. وحاول رامون لول إخضاع عمليات التفكير لمعادلات الرياضيات. القرن 14: زُوّدت الساعات في الأبراج الأوروبية بقارع آلي. 1497: وضع ليوناردو دافنشي مخطّطاً هندسياً لفارس روبوتي. بعدها، صنع دافنشي أسداً يتحرّك آليّاً. القرن 17: صنعت اليابان آلات ذاتية التشغيل، استُعمِل بعضها في تقديم الشاي. القرن 18: أنتج فريديك فون كناوس آلات كتابة ذاتية التشغيل. وبعده، صنع بيير جاكويت كاتباً آلياً على هيئة إنسان (عام 2011، استوحى فيلم «هيوغو» Hugo هذه الفكرة. ونال أوسكارات عدّة). 1805: ابتكر جوزيف جاكاراد نولاً مبرمجاً يعمل بالبطاقات المثقّبة. وبعده، صنع تشارلز بابيج أول تصميم للحاسوب الشامل، بلغت مساحة أوراقه ما يزيد على 400 قدم مربّعة، لكنه لم ينجزه. 1854: وضع جورج بول كتاباً عن علاقة الرياضيات بطُرُق التفكير. 1868: صنع إسحاق غراس عربة تُدار بالبخار ويجرّها رجل آلي، ما أوحى برواية «رجل بخاري». 1929: قُدّمَت روبوتات شبيهة بالبشر في معارض دولية في أوروبا وأميركا. 1937: عالِم الرياضيات ألان تورينغ يضع نظرية عن الفارق بين طريقة التفكير لدى الإنسان والآلات الذكيّة. 1939: ابتكرت ذراع مؤتمتة لرش الدهان. وظهر الروبوت «إلكترو» والكلب الآلي «سباركو». 1941: في ألمانيا، صنع كونراد كيوز «زد- 3» Z-3، وهو حاسوب إلكتروني شامل قابل للبرمجة. 1942: وضع روائي الخيال العلمي إسحاق أسيموف ما عُرِف ب «القوانين الثلاثة» للروبوت، في قصّة قصيرة بعنوان «مراوغة». 1945: نشر البروفسور جون فون نيومان بحثاً وصف فيه الكومبيوتر ذا البرنامج المُخزّن. 1946: ظهر «إينياك» ENIAC وهو حاسوب إلكتروني شامل مُبرمج، مُفتتحاً العصر الفعلي للكومبيوتر. واستضافت نيويورك مؤتمر «ماسي» macy الأول مفتتحاً سلسلة مؤتمرات هدفها وضع عِلمٍ عام عن طُرُق عمل الدماغ البشري. 1947: اختراع الترانزستور على يد ويليام شوكلي، يستهل عصر الإلكترونيات الذكيّة الصغيرة الحجم، ويمهد لظهور الرقاقة الإلكترونية، وهي العقل المفكّر في الكومبيوتر، في العام 1959. 1950: صُنِع «يونيفاك» وهو أول حاسوب قابل للبرمجة يُسوّق تجاريّاً. واستُعمِل لأتمتة إحصاء السُكّان في الولاياتالمتحدة. 1953: ظهرت أول مركبة بحريّة مؤتمتة تُدار من بُعد، واستُعمِلَت في التصوير تحت الماء. 1955: دخل الكومبيوتر عالم الصناعة عبر صنع ذراع روبوتية عملت في مصانع شركة «جنرال إلكتريك». 1958: صنع سيمور كراي أول سوبر كومبيوتر. وتأسّست «وكالة مشاريع بحوث الدفاع المتقدّمة» («درابا» DRAPA) التي موّلت مشاريع الحوسبة والروبوت، كما ابتكرت الانترنت لاحقاً. 1959: في «معهد ماساشوستس للتقنية»، تأسس «مختبر الذكاء الاصطناعي». 1960: استُهِلّ العمل في بناء نُظُم روبوتية مؤتمتة كليّاً، بداية من نُظُم «يونيميت». وظهرت الأقراص المُدمجة التي يُكتَبْ عليها بالليزر. صُنِع روبوت «فيرساتران» VERSATRAN الأسطواني الشكل. 1963: أسّست جامعة ستانفورد مختبراً للذكاء الاصطناعي، تمكّن من صنع «أعصاب» اصطناعية. وظهر «ذراع رانشو»، وهو أول طرف اصطناعي بديل لذراع البشر، احتوى 6 مفاصل، يديرها الكومبيوتر. 1965: توقّع هربرت سايمون أن تصبح الآلات قادرة على محاكاة البشر تماماً في غضون... عقدين! ولم يصح هذا التوقّع. 1966: هبط أول روبوت فضاء، هو «سيرفايور» على سطح القمر، قبل سير البشر عليه. 1973: قدّمت جامعة «واشيدا» اليابانية أول روبوت شبيه بالبشر هو «وابوت-1» WABOT-1. 1974: تأسيس «جمعية الصناعات الروبوتية» Robotics Industries Association في أميركا، وهي أولى في نوعها عالمياً. 1978: بدعم من «جنرال موتورز»، صُنِعَت أول آلة شاملة للجمع والتركيب تكون قابلة للبرمجة، حملت اسم «بوما». 1980: بدأت شركة «هوندا» بحوثاً عن روبوت شبيه بالبشر. ولاحقاً توصلت لصنع الروبوت «أسيمو» ASIMO الذائع الشهرة (عام 2000). 1983: أنتجت ألمانيا ألفي روبوت خصّصت لأعمال الصناعة، ما غيّر مفهوم الصناعة كليّاً. 1986: استعملت اليابان 116 ألف روبوت صناعي، تلتها أميركا (25 ألفاً) وألمانيا (12.4 ألف). 1992: استُخدِم الروبوت الجرّاح «روبودوك» ROBODOC في عملية استبدال وِرك لإنسان. 1997: خسر بطل الشطرنج الأسطوري غاري كاسباروف أمام الروبوت «ديب بلو» الذي صنعته «آي بي أم». وأُجريت أول مباراة للروبوت في كرة القدم «روبوكاب» RoboCup في اليابان. وبدأ صنع أول روبوت رائد فضاء «روبونوت» RoboNaut. وسار أول روبوت - سيّارة، هو «سوجورنر»، على سطح المريخ، الذي لم تصله أقدام البشر حتى الآن. 2000: ثلاثة أرباع مليون روبوت صناعي يتولون المصانع الكبرى عالمياً. 2001: أول عملية للروبوت الجرّاح المُدار بالإنترنت. عمل الروبوت في فرنسا، وأداره جرّاح من نيويورك. 2010: ظهر روبوت أنثى في معرض متخصّص في «لاس فيغاس».