رغم الحملة الاعلامية الضخمة التي اطلقتها سلطات الاحتلال الاسرائيلي بمستوياتها المختلفة العسكرية والسياسية والقانونية في مسعى لاضفاء "شرعية" على سياسة الاغتيالات التي تنتهجها ضد الناشطين الفلسطينيين، الا ان هذه السياسة تعتبر، وفقا لمبادئ القانون الدولي العام والانساني، ضمن نطاق "حالات الاعدام غير القانوني او التعسفي او الاعدام من دون محاكمة وحالات الاقتصاص والقتل العمد والارهاب". مؤسسة "الحق" اعدت تقريرا مفصلا عن سياسة الاغتيالات الاسرائيلية ووضعها القانوني، لافتة الى ما يترتب عن هذه السياسة من مسؤولية جنائية ومدنية مزدوجة على اسرائيل، ومذكرة الاطراف السامية المتعاقدة على تنفيذ اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكول جنيف الاول المكمل لاتفافيات جنيف الاربع الخاصة بتعهداتها وجوب ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين المسؤولين عن هذه الجرائم. تشير مؤسسة "الحق" - الفرع الفلسطيني للجنة الحقوقيين الدولية - في تقرير مفصل تضمن دراسة قانونية لسياسة الاغتيالات التي تنفذها الحكومة الاسرائيلية ضد الناشطين الفلسطينيين منذ اندلاع انتفاضة الاقصى قبل 11 شهرا، الى ان اسرائيل "انتهكت كل القواعد" بشكل لا يقبل التأويل. واستندت المؤسسة الحقوقية التي تتمتع بصفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الاممالمتحدة، في تقريرها الذي يجرم اسرائيل لانتهاكها مبادئ حقوق الانسان العالمية، الى تصريحات مسؤولين اسرائيليين عن الاهداف من وراء تنفيذ الاغتيالات التي بلغت حتى 18 آب اغسطس الجاري 41 عملية سقط خلال تنفيذها 11 ضحية أخرى. وتثير تأكيدات رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون نيته الاستمرار في تصفية الكوادر والناشطين في المقاومة الفلسطينية خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس جورج بوش وحصوله على "ضوء اخضر" منه، حفيظة العاملين في مجال حقوق الانسان، خصوصا لما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الشعب الواقع تحت الاحتلال من جانب محتله. بداية لا بد من الاشارة الى "حق المقاومة"، وهو حق مشروع وشرعي كفلته المواثيق والقوانين الدولية وتسعى اسرائيل الى طمسه من خلال الآلة الاعلامية الضخمة عبر توصيف المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ب"الارهاب والعنف"، ونجاحها الى حد بعيد في "جر" زعماء عرب واجانب الى استخدام هذا الوصف ضد شعب يقاوم من اجل الاستقلال. ويشير تقرير المؤسسة الى ان الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال الاسرائيلي والمتهمين "بتنفيذ هجمات مسلحة أضرت بأمن قوات الاحتلال الاسرائيلي وسلامتها أو المخططين لمثل هذه العمليات والآمرين بتنفيذها هم في الاصل: افراد ينتمون لحركة مقاومة معترف بشخصيتها القانونية بمقتضى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 3237 الصادر عام 1974 الذي منحت بمقتضاه الجمعية العامة منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الاممالمتحدة. كذلك فهم يمارسون حقا من الحقوق المعترف بمشروعيتها بمقتضى قرارات الشرعية الدولية وتحديدا قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة التي اكدت ان اعمال المقاومة التي ينفذها سكان الاراضي المحتلة سواء المنتمين منهم لحركة المقاومة او غير المنتمين، تكتسي، استنادا الى العديد من القرارات الدولية، صفة المشروعية". ويشير التقرير ايضا الى ان هذه الاعمال تعد واحدة من اهم الحقوق التي كفلتها ونصت عليها قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة المتعلقة ب"حق الشعوب في تقرير مصيرها". ولهذا يوضح التقرير انه يقع على عاتق دولة الاحتلال الاسرائيلي توفير الحماية القانونية لهؤلاء الافراد على اساس انهم محاربون قانونيون وأسرى حرب واجب ازاءهم التقيد بأحكام القانون الدولي الانساني الخاص بآلية مساءلة المحتل وعقابه. قائمة الاغتيالات ووثقت "الحق" جرائم التصفية الجسدية التي طاولت 41 من الكوادر والناشطين الفلسطينيين، اضافة الى 11 ضحية اخرى تصادف وجودهم في المواقع التي نفذت فيها عمليات الاغتيال. واستخدمت قوات الاحتلال الاسرائيلي الصواريخ الموجهة من مروحيات عسكرية لاغتيال فلسطينيين 15 مرة، فيما استخدمت اساليب تفخيخ سيارات او اكشاك هواتف عمومية او الرصاص الحي الثقيل في باقي عمليات التصفية، واطلقت في بعض الحالات عددا كبيرا من الرصاص على الناشط المستهدف بلغت في حال الشهيد انور حمران من جنين 19 رصاصة، وفي حال الشهيد يوسف ابو صوي من بلدة ارطاس قرب بيت لحم الى 22 رصاصة. وركزت قوات الاحتلال الاسرائيلي سياسة التصفية الجسدية على كوادر "حركة المقاومة الاسلامية" حماس في المقام الاول 14 شهيدا، تلتها كوادر "الجهاد الاسلامي" 11 شهيدا، ثم كوادر "فتح" 13 شهيدا - اغتيل ستة منهم في منطقة وادي الفارعة لدى تفجير قنبلة عن بعد كانت في الكرفان الذين كانوا فيه، اضافة الى عدد من العسكريين الفلسطينيين التابعين للاجهزة الامنية الفلسطينية. ويلاحظ الارتفاع الحاد في عدد كوادر حركة "الجهاد" مقارنة بثقل الحركة على الساحة الفلسطينية. ونفذ معظم التصفيات الجسدية في الضفة الغربية مقارنة مع قطاع غزة. المبررات الاسرائيلية ويسوق التقرير، استنادا الى تصريحات المسؤولين الاسرائيليين، اربع "حالات" للتصفيات الجسدية التي تنفذها القوات الاسرائيلية، ويوضح استنادا لقرارات الشرعية الدولية والقانون الانساني انها جميعا تخالف حقوق الانسان وتحمل اسرائيل المسؤولية الجنائية والمدنية عليها في آن. وهذه "الحالات" هي: - نفذت في العديد من الحالات عمليات التصفية "كعقاب" للاشخاص الذين تتهمهم قوات الاحتلال الاسرائيلي بارتكاب أفعال مخلة وضارة بأمن المحتل ورعاياه المدنيين في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة، أو كعقوبة لمن خطط لتنفيذ مثل هذه العمليات او أمر الغير بتنفيذها ضد قوات الاحتلال او جموع المستوطنين. - تنفيذ عمليات التصفية الجسدية كأسلوب ونمط من انماط "التدابير الاحترازية" الذي قد تلجأ اليه قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد بعض الاشخاص المطلوب اعتقالهم، ولذا قد تلجأ الى تصفية هؤلاء الاشخاص "كاجراء وقائي" في سبيل تلافي الضرر المتوقع منهم على قواتها ومستوطنيها. -التصفية الجسدية كنمط من انماط ومظهر من مظاهر "اجراءات الردع والارهاب بمواجهة السكان" للتأثير على الروح المعنوية للسكان وحملهم على تجنب المشاركة في اعمال المقاومة. ولتحقيق ذلك، تلجأ الى تصفية قادة الانتفاضة الميدانيين وايضا ناشطي الاحتجاجات لاشعار الفلسطينيين بمخاطر مقاومة المحتل. -التصفية الجسدية كمظهر من مظاهر "الاقتصاص والثأر من سكان الاراضي الفلسطينيةالمحتلة" من خلال الرد الفوري على اعمال المقاومة والهجمات المسلحة بعمليات عسكرية تستهدف قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية وكوادرها. ويشير التقرير الى جملة من احكام القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني وفي مقدمها "ان كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا حتى تثبت ادانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه". وفي ما يتعلق بالافراد الواقعين تحت الاحتلال، حددت اتفاقية جنيف الرابعة في المادة 71 انه "لا يجوز للمحاكم المختصة التابعة لدولة الاحتلال اصدار اي حكم الا اذا سبقته محاكمة عادلة، وان يتم دون ابطاء ابلاغ اي متهم تحاكمه دولة الاحتلال كتابة وبلغة يفهمها بتفاصيل الاتهامات الموجهة اليه. وان ينظر في الدعوى بأسرع وقت ممكن". وجاء في نص المادة 75 من الاتفاقية ذاتها: "لا يحرم الاشخاص المحكوم عليهم بعقوبة الاعدام بأي حال من الاحوال من رفع التماس بالعفو او ارجاء العقوبة. ولا ينفذ حكم الاعدام قبل مضي ستة اشهر على الاقل من تاريخ تسليم الحكومة الاخطار المتعلق بالحكم النهائي الذي يؤيد عقوبة الاعدام، او بقرار رفض التماس العفو او ارجاء العقوبة". ويضاف الى ذلك، نص بروتوكول جنيف الاول المكمل لاتفاقيات جنيف الاربع والمبرم في العام 1977 انه "لا يجوز اصدار اي حكم او تنفيذ اي عقوبة حيال اي شخص تثبت ادانته في جريمة مرتبطة بالنزاع المسلح الا بناء على حكم صادر من محكمة محايدة تشكل هيأتها تشكيلا قانونيا وتلتزم المبادئ التي تقوم عليها الاجراءات القضائية المرعية والمعترف بها عموما. القانون الدولي العام والانساني استنادا الى قواعد واحكام القانونين الدولي العام والانساني، يؤكد التقرير ان هذه القوانين حظرت بشكل قاطع ومطبق على اي سلطة، سواء كانت مدنية قائمة في اقاليم ودول مستقلة او عسكرية قائمة في الاراضي المحتلة، الاغتيالات الجسدية والقتل العمد واعدام الافراد بطريقة تعسفية خارج نطاق القضاء والقوانين "بغض النظر عن اسباب هذه الممارسة ودواعيها". وينص احد قرارات بروتوكول جنيف المؤرخ في ايار مايو عام 1989 انه "تحظر الحكومات بموجب القانون جميع عمليات الاعدام خارج نطاق القانون والاعدام التعسفي ... ولا يجوز التذرع بالحالات الاستثنائية بما في ذلك حال الحرب او التهديد بالحرب او عدم الاستقرار الاسياسي الداخلي او اي حال طوارئ عامة اخرى، لتبرير عمليات الاعدام هذه". مسؤولية اسرائيل ويشير التقرير الى ان الانتهاكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الاسرائيلية تعطي الفلسطينيين، كمتضريين من هذه التجاوزات والانتهاكات، الحق في المساءلة المدنية لدولة الاحتلال الاسرائيلي: اي مساءلتها عن تعويض الافراد الذين تضرروا من هذه الممارسات. ولا يعفي اسرائيل تنفيذها متطلبات التعويض والوقف الفوري لاعمالها غير الشرعية، عن مسؤوليتها الجنائية الدولية لان هذه المسؤولية لا تسقط بمجرد تنفيذ الشق المدني، اذ يبقى حق الطرف الفلسطيني كمتضرر من هذه الممارسات قائم في ما يتعلق بمساءلة وملاحقة الآمرين بارتكاب هذه الجريمة ومنفذيها على صعيد الاراضي الفلسطينيةالمحتلة. ويوضح التقرير انه من هذا المنطلق يحق للجانب الفلسطيني القيام بملاحقة جميع الاشخاص الذين أمروا بارتكاب الجريمة سواء كانوا عسكريين او ساسة ورجال دولة لكونهم الاشخاص القائمين على تنفيذ هذه الجريمة عمليا على صيد الاراضي الفلسطينيةالمحتلة". ولا يسري قانون "التقادم المسقط" المعمول به في ظل التشريعات الجنائية الداخلية، على الجرائم الدولية وهذا الامر يعد من اهم الضمانات التي تكفل للشعوب المضطهدة والمقهورة امكان الاقتصاص، حال تغيير الظروف، من الاشخاص الذين سبق ان اقترفوا بحقها افعالا تندرج ضمن نطاق ومدلول الجرائم الدولية. اتفاقية جنيف الرابعة وجاء في اتفاقية جنيف الرابعة في نص المادة الاولى: "تتعهد الاطراف السامية المتعاقدة بان تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الاحوال"، كما جاء في نص المادة 136 من الاتفاقية الرابعة لعام 1949 ايضا: "تتعهد الاطراف السامية المتعاقدة بان تتخذ اي اجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فاعلة على الاشخاص الذين يأمرون باقتراف احدى المخالفات الجسيمة واحداها التصفية الجسدية او الاعدام خارج نطاق القانون ... يلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين وتقديمهم الى المحاكمة ايا كانت جنسيتهم". اي ان احكام اتفاقية جنيف الرابعة ونصوص بروتكولها المكمل فرضت على عاتق الدول المتعاقدة التزامات واضحة وثابتة مفادها ضرورة التحرك ومواجهة الطرف الذي تعمد خرق احكام القانون الدولي العام والانساني بما في ذلك الجنود الذين اقترفوا هذه الجرائم. سياسة قديمة - جديدة ويشير التقرير الى ان اسلوب التصفية الجسدية هو احد الوسائل الاساسية التي تبنتها دولة اسرائيل كأداة ووسيلة اساسية لتحقيق اهدافها السياسية سواء على صعيد الشعب الفلسطيني ومقاومته او على صعيد التخلص من الشخصيات السياسية والفكرية المناصرة لهذا الشعب. وكانت تصفية وسيط الاممالمتحدة في فلسطين الكونت فولك برنادوت ومساعده الكولونيل الفرنسي اندريه سيو مراقب الاممالمتحدة على ايدي منظمة "شتيرن" الصهيونية عام 1948، من اوائل عمليات التصفية على خلفية سياسية منذ اعلان قيام دولة اسرائيل. كذلك اغتالت اسرائيل، رغم توقيعها على اتفاقية جنيف الرابعة لكنها ترفض حتى الان توقيع بورتوكول اتفاقيات جنيف الاربع، عددا كبيرا من الشخصيات الفلسطينية منها الشهيد غسان كنفاني عضو المكتب السياسي ل"الجبهة الشعبية" واحد رموز الادب الفلسطيني، اضافة الى مسؤول الاعلام الفلسطيني الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية ماجد ابو شرار، وكذلك خليل الوزير ابو جهاد في قلب العاصمة التونسية. ومنذ اوسلو اغتالت اسرائيل زعيم "الجهاد الاسلامي" فتحي الشقاقي واحد قادة "الجهاد" في غزة هاني عابد عبوة ناسفة في سيارته ويحيى عياش الذي استشهد جراء تفخيخ هاتف نقال خلال مكالمة هاتفية مع والده.