} شكلت الجبهات القتالية التي فتحها المتشددون الألبان جنوب صربيا وشمال مقدونيا، تطوراً مهماً في مشكلات البلقان، إذ قلبت الموازين وخلطت الأوراق وأعادت فرز التحركات في المنطقة والمواقف الدولية منها، الى حد أن أعداء الأمس تحولوا الى أصدقاء، وأضحت دول الحلف الأطلسي التي هرعت "لنجدة الألبان" تعيد النظر في ما أقدمت عليه، واضعة حسابات جديدة وترتيبات مغايرة... فكيف حصل كل هذا؟ كشفت الأحداث خلال السنتين الأخيرتين، أن الضربات التي نفذها الحلف الأطلسي على يوغوسلافيا، تمت لمتطلبات مصلحية غربية، ذاتية ومحلية ودولية، اتُخذ الألبان ذريعة لها، وأن أسبابها ودوافعها كانت باقية ما بقي الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش في السلطة، الذي كانت مقاطعة الغرب له، تنطلق من تحميله، مسؤولية كل ما يحدث في كوسوفو، وانعكاسات ذلك على منطقة البلقان برمتها. ولم يكن الألبان، سواء في عهد يوغوسلافيا السابقة أو بعده، يخفون تطلعهم الى استقلال كوسوفو، ووجدوا الفرصة سانحة للمجاهرة في ذلك مع بدء انهيار يوغوسلافيا السابقة، ونظموا استفتاء العام 1992 من جانب واحد، جاء بالنتيجة المتوقعة "تأييد ساحق للاستقلال وانتخاب ابراهيم روغوفا رئيساً للجمهورية". ومهما قيل عن موقف الألبان من ميلوشيفيتش، فإن حقيقة محافظتهم على بقائه في السلطة كانت جلية في ممارساتهم تجاهه، وخصوصاً أن عدم مشاركتهم في الانتخابات اليوغوسلافية والصربية، كانت تعني واقعياً التصويت لمصلحة ميلوشيفيتش، لأنها تنقذه من 17 في المئة من الناخبين - الألبان في صربيا ويوغوسلافيا - الذين إذا صوتوا ضده، فلا محالة من هزيمته، لأنه لم يكن أبداً فاز على منافسيه بنتيجة تضم هذه النسبة. مقاطعة ألبانية وفي نهاية العام 1992 كادت تلحق الهزيمة بميلوشيفيتش، عندما نافسه على رئاسة جمهورية صربيا رئيس الحكومة اليوغوسلافية آنذاك ميلان بانيتش الصربي المقيم في الولاياتالمتحدة الذي بدا خصماً قوياً بفضل وقوف أطراف المعارضة كافة والأقليات العرقية والكنيسة الأرثوذكسية الصربية الى جانبه، في مسعى يهدف الى التخلص من ميلوشيفيتش. وأصبح واضحاً ان الحسم النهائي صار يتوقف على مشاركة الألبان في الانتخابات، وقصد بانيتش بريشتينا ومعه الوسيط الأوروبي آنذاك في قضايا البلقان اللورد البريطاني ديفيد اوين والسفير الأميركي في بلغراد ومسؤولين اوروبيين مؤثرين - وكنت معهم ضمن الوفد الصحافي المتابع لهم - وأخفقوا جميعاً، على رغم المحاولات التي استغرقت يوماً كاملاً والعروض السخية في تنفيذ كل مطالب الألبان التي قدموها، باستثناء الاستقلال، في التأثير على روغوفا والزعماء الآخرين لحمل الألبان على التصويت الى جانب بانيتش. وأصر الألبان على ان الانتخابات "هي صراع خاص بين الصرب، ولا يريد الألبان التدخل فيها" وكانت نتيجة تلك الانتخابات، بفضل مقاطعة الألبان، ان فاز ميلوشيفيتش بنسبة حوالى 2 في المئة من مجموع الأصوات على بانيتش. وللتاريخ ان روغوفا ظل معتدلاً وساعياً الى تحقيق الاستقلال بالوسائل السلمية الغاندية التي تعتمد على العصيان المدني المتواصل والمقاطعة الواسعة للسلطات الصربية باستثناء جواز السفر اليوغوسلافي الذي لا بد منه ومن خلال ذلك كسب عطف المجتمع الدولي الذي بات يمقت اللجوء الى العنف في البلقان. لكن العراقيل أخذت تتصدى لنهج روغوفا منذ 1998 وخصوصاً عندما رفض طلب واشنطن الذي أراد منه التحرك ضد ميلوشيفيتش بشكل مثير، ما أدى الى إهماله من قبل وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت وإبراز هاشم ثاتشي ودعم تنظيمه "جيش تحرير كوسوفو" عسكرياً ومادياً وإعلامياً، وفرضه في محادثات رامبوييه في فرنسا رئيساً للوفد الألباني، وسكت روغوفا المسالم تجاه ذلك على مضض. وبعد الغارات الجوية التي نفذها الحلف الأطلسي آذار - مارس الى حزيران - يونيو 1999 ضد يوغوسلافيا، توافر للألبان المزيد من المساندة الغربية التي لم تخل من العطف على خيار الاستقلال "لصعوبة البقاء في دولة واحدة مع نظام ميلوشيفيتش الديكتاتوري القائم على التطرف الصربي"، خصوصاً أن قرار مجلس الأمن الرقم 1244 الخاص بالوضعين المرحلي والمستقبلي لكوسوفو، يتضمن ثغرات. ويسود الاعتقاد ان المندوب الأميركي ريتشارد هولبروك الذي أشرف على صياغة القرار تعمدها - يمكن ان تفسر باتجاه الاستفتاء والاستقلال، مثل "منح كوسوفو حكماً ذاتياً واسعاً ودرجة معقولة من تقرير المصير" "وذلك رهناً بالتوصل الى تسوية نهائية... بما في ذلك إجراء الانتخابات" "تيسير العملية السياسية التي ترمي الى تحديد الوضع المستقبلي لكوسوفو مع اخذ اتفاقات رامبوييه في الاعتبار" "الإشراف على مرحلة نهائية على نقل السلطة من المؤسسات الانتقالية لكوسوفو الى مؤسسات تنشأ بموجب تسوية سياسية". وينص القرار أيضاً - فقرة 19 "على أن يستمر بعد ذلك - في أعقاب مراجعته بعد 12 شهراً من صدوره - ما لم يقرر مجلس الأمن خلافاً لذلك". والفقرة الأخيرة تعني أن أي تعديل فيه منوط بقرار من الولاياتالمتحدة، ويمكن ان يبقى نافذاً كما هو الى ما لا نهاية. وكل ذلك على رغم ان الفقرة 10 من القرار تتضمن ان شعب كوسوفو "يحظى بحكم ذاتي واسع في إطار جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية". الى ذلك، يمنح القرار صلاحيات واسعة للوجودين العسكري الحلف الأطلسي والمدني ممثل الأممالمتحدة - رئيس الإدارة المدنية الدولية للتصرف بما يراه "مناسباً" ما جعل قادة "قوات كفور" وبرنار كوشنير المسؤول المدني السابق الذي اختير ودُعم بإصرار من أولبرايت يتخذون الإجراءات التي تحكم سيطرة الألبان لوحدهم على الإقليم: قرار حلّ "جيش تحرير كوسوفو" من دون تنفيذ واقعي، وأنشئ "فيلق حماية كوسوفو" و"شرطة محلية" من عناصر جيش تحرير كوسوفو وقيادة قائده اغيم تشيكو. فاستغل هذا الفلتان الأمني ليمارس الخطف والعنف الذي أرغم 250 ألفاً من الصرب والغجر والبوشناق والأعراق الأخرى للنزوح عن ديارهم على مرأى المشرفين الدوليين المدني والعسكري. وعندما خُلع ميلوشيفيتش، اعلن الألبان ان الرئيس الجديد فويسلاف كوشتونيتسا، لا يختلف عنه "تطرفاً صربياً وحقداً على الألبان... وأنه يضع الديموقراطية والاعتدال قناعاً مخادعاً". ولكنهم أخفقوا في حمل الدول الغربية، وخصوصاً الأوروبية منها، على القبول الكامل "بتقويمهم"، لا بل ان هذه الدول دعمت السلطات الجديدة دولياً وأبدت "تفهماً" للشكاوى الصربية في شأن كوسوفو. وبدأ تغيير واضح يجرى منذ أُنهيت خدمات كوشنير وحلّ مكانه مسؤولاً مدنياً دولياً الدنماركي هانس هاكيروب في منتصف كانون الثاني يناير الماضي. نصائح فاشلة وجد ألبان كوسوفو انفسهم في وضع متميز وقوي، بفضل الأسلحة الكثيرة التي زودتهم بها الإدارة الأميركية قبل الغارات الجوية الأطلسية على يوغوسلافيا وخلالها، وتسليم السلطة لهم، واقعياً، في الإقليم. وحتى الذين اعتقلوا، نقلوا الى سجن قاعدة "بوندستيل" الأميركية جنوب شرقي كوسوفو، وأُفرج عنهم، إضافة الى الدعم السياسي والإعلامي الأميركي لهم، والى حد أنهم كلما انزعجوا من أحد كانوا يتصلون بوزيرة الخارجية السابقة أولبرايت أو المندوب الأميركي لدى الأممالمتحدة المسؤول عن ملف البلقان آنذاك ريتشارد هولبروك. وكثيراً ما كانوا يبعثون الرسائل الى المسؤولين الأميركيين، ومن ذلك الخطاب المطول الذي كتبه في 15/12/1999 المسؤول الإعلامي السابق لجيش تحرير كوسوفو ياكوب كراسنيجي الذي وقّع بصفته: وزيراً في حكومة كوسوفو الموقتة المقرب من الزعيم الألباني هاشم ثاتشي، الى أولبرايت الذي بدأه "لأنني اؤمن بإصراركم وتصميمكم على الدفاع عن حقوق شعب كوسوفو ومستقبله الذي عانى من المذابح البشعة... أكتب لكم طالباً المساعدة والدعم اللذين نحن بحاجة ماسة اليهما الآن". وتناولت شكوى الرسالة "بيروقراطية وعدم تفهم الأممالمتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية" لمشاعر ألبان كوسوفو، إذ إن المسؤولين فيهما "يعملون على إعاقة شعب كوسوفو من تحقيق الطموحات العادلة التي يطمح إليها... إدارة كوشنير الذي عرف بانحيازه للألبان تصدر القوانين التي لا تعمل نفسها على احترامها". ويبدو أن أولبرايت على رغم رعايتها للألبان وجدت ان ممارساتهم تجاوزت كل الحدود التي طلبت منهم ان يقفوا عندها، فقصدت 19/2/2000 ألبانيا واستدعت هاشم ثاتشي الى تيرانا وحذرته من "مغبة إعادة رسم خريطة البلقان على أسس عرقية" وأكدت له ان "المجتمع الدولي لن يتسامح مع محاولات تأسيس ألبانيا الكبرى". الى ذلك، أكد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان على زعماء ألبان كوسوفو، حين زيارته للإقليم العام الماضي، وجوب تخلي الألبان عن مطلب الاستقلال "التزاماً بقرار مجلس الأمن الذي يوفر للإقليم حكماً ذاتياً واسعاً في الإطار اليوغوسلافي". وندد أنان، في تقرير قدمه 9/6/2000 الى مجلس الأمن "بالاعتداءات الوحشية التي استهدفت الصرب وأقليات اخرى في الإقليم، ويبدو انها حملة منظمة من جانب المتطرفين المنحدرين من أصول ألبانية". وقال: "إن المجتمع الدولي لم يتدخل في الإقليم ليجعله وكراً للجريمة وأعمال الانتقام". وظهر الاستياء من تمادي المتطرفين الألبان، حتى لدى المعتدلين من قومهم، وكتب، حول ذلك، فيتون سوروي مقالات عدة مطلع العام الماضي في صحيفة "كوخاديتوري" الصادرة في بريشتينا ويترأس تحريرها، وجاء في إحداها "أعلم كيف يشعر الصرب هذه الأيام في كوسوفو... لأنني شخصياً و2 مليون ألباني كنا في وضع مماثل، ناهيك عن الغجر المتضطهدين بدوافع عرقية. لا بد من أن أشعر بالخجل عندما اسمع للمرة الأولى في تاريخ الشعب الألباني ان البعض منه قادر على ارتكاب الفظائع. صحيح اننا عانينا من آثار حرب بربرية وأن الصرب يتحملون مسؤولية ما حدث لنا، ولكن اين هم الصرب المسؤولين عن ذلك؟ إنهم خارج كوسوفو". وحتى كوشنير، الذي عرف بتعاطفه مع ألبان كوسوفو، وحقق لهم اثناء رئاسته للإدارة المدنية الدولية التي استمرت 18 شهراً، الكثير مما يتيح لهم التحكم بالإقليم، فإنه خاطبهم محذراً 13/1/2001 اثناء احتفال توديعي أقاموه الألبان له بمناسبة انتهاء فترة مهمته في كوسوفو، في الملعب الرياضي في بريشتينا، قائلاً: "إنكم تحولتم في عيون العالم من ضحايا الى ظالمين" ودعاهم الى التخلي عن العنف ووقف عمليات القتل، مضيفاً "ان الأممالمتحدة لم تدرك بشكل كاف أن الألبان في كوسوفو سينتقمون من الصرب" ولكنه، كما بدا واضحاً، رفضوا الأخذ حتى بنصيحة صديقهم، الذي طالما وصفوه بالحميم، كوشنير، وهو يودعهم. ويبدو أن الألبان، تصوروا ان سكوت "المجتمع الدولي" عن بقاء "جيش تحرير كوسوفو" يمارس نشاطه عملياً، دليل ضعف تجاههم، سواء للانقسامات الداخلية الغربية في شأن الوضع البلقاني أو خشيتهم من موجة نزوح ألبانية جديدة الى دول أوروبية، وذلك على رغم قرار مجلس الأمن 1244 الصادر 10/6/1999 الذي ينص الفقرة 15 على "يُطالب جيش تحرير كوسوفو وجميع الجماعات الألبانية الكوسوفية المسلحة الأخرى، ان تضع حداً على الفور لجميع الأعمال الهجومية وأن تذعن لمتطلبات التجريد من السلاح، حسبما يحددها رئيس الوجود الأمني الدولي، بالتشاور مع الممثل الخاص للأمين العام". العام الماضي، أعلن الألبان تشكيل "جيش تحرير بريشيفو وبويانوفاتس وميدفيجا" الذي لجأ الى الأعمال المسلحة ضد الشرطة الصربية، لفصل البلديات الثلاث في جنوب صربيا التي يحمل أسماءها وضمّها الى "دولة كوسوفو المستقلة" على رغم ان عدد الألبان في هذه البلديات لا يتعدى 70 ألف شخص، وأنهم يشكلون غالبية السكان في بلدية بريشيفو فقط واستغلوا المنطقة العازلة، ذات الفراغ الأمني بعرض خمسة كيلومترات في الأراضي الصربية المحاذية للحدود الشرقية لإقليم كوسوفو معبراً للتسلل، على رغم ممّا يثيره ذلك من استياء لدى الحلف الأطلسي الذي يقود قوات حفظ السلام كفور بسبب مسؤوليته عن تجريد هذه المنطقة من السلاح، ومنع القوات الصربية من دخولها. كما أنشأ الألبان مطلع العام الجاري "جيش التحرير الوطني" في مقدونيا، كتنظيم عسكري، من أجل اهداف عدة في مقدمها "تغيير دستور مقدونيا، بحيث ينص على أنها دولة تتألف من شعبين ألباني ومقدوني" اي تحويل مقدونيا الى دولة اتحادية من قسمين كيانين أحدهما شرقي مقدوني والآخر غربي ألباني، ما اعتبره المقدونيون من العرق السلافي، انه ينطوي على هدف الانفصال مستقبلاً من خلال استفتاء في القسم الألباني لتقرير المصير" ويؤدي الى إنهاء وحدة هذه الجمهورية وسلامة أراضيها. ولم يكتف الألبان بجيوشهم الجديدة في جنوب صربيا ومقدونيا، بل أعلن "جيش تحرير كوسوفو" الذي يستوجب ان لا يكون موجوداً منذ أيلول سبتمبر 1999 عندما وقع قادته على قرار حله، بياناً مطلع العام الجاري دعا الى "التعبئة العامة" وهدد بالعقاب الصارم كل ألباني في كوسوفو وجنوب صربيا ومقدونيا بين سن 18- 45 لا يسجل اسمه في مقار الجيش ويلتحق بمراكز التدريب عند الاستدعاء. حركة مسلحة وفُسرت هذه التحركات، محلياً وإقليمياً ودولياً، بأنها "حركة مسلحة ألبانية منظمة" تهدف الى عرقلة مساعي استقرار البلقان، خصوصاً أن الهجمات في مقدونيا أثارت استياء واسعاً، لأن هذه الدولة بالذات وفرت للألبان مشاركة واسعة في السلطة وبالشكل الذي يختاره "الحزب الديموقراطي الألباني" بزعامة "المتشدد" اربن جعفيري، من خلال خمسة وزراء في الحكومة الائتلافية المتكونة من 16 وزيراً، إضافة الى نواب الوزراء من الألبان في الوزارات التي لا يتولاها ألبان. واعتبرت الاضطرابات في مقدونيا، الضعيفة عسكرياً، على نطاق دولي واسع صفعة لمقدونيا التي كانت اثناء الغارات الأطلسية على يوغوسلافيا وضعت أراضيها تحت تصرف التحالف الغربي، واستقبلت اكثر من نصف مليون نازح ألباني من كوسوفو. ووقفت كل دول المنطقة، بما فيها ألبانيا التي تمثل الدولة الأم لكل الألبان، مع مقدونيا، كما أثارت الهجمات الألبانية في جنوب صربيا ومقدونيا غضب المجتمع الدولي "التي اعتبرها تحدياً لمساعيه السلمية في البلقان ومحاولة ابتزازية من خلال المراهنة على مخاوف أوروبية من موجة نازحين جديدة، في حال مواصلة القتال، لعدم قبول مطالب المجموعات المسلحة الألبانية". وتعود خشية الحلف الأطلسي من التدخل المباشر في القتال، الى الضحايا الكثيرة التي تتطلبها الاشتباكات في الأراضي الوعرة التي يتحصن فيها المسلحون الألبان، إضافة الى أن نتائج هذا التدخل غير مضمونة النجاح. وحتى الولاياتالمتحدة، التي قادت الغارات الأطلسية على يوغوسلافية "من أجل الألبان" واتُهمت حتى من بعض حلفائها بالتواطؤ - تسيباً أو عمداً - مع تسلل المسلحين الألبان الى جنوب صربيا وشمال مقدونيا، من خلال إشراف وحداتها 5600 جندي على قسم كوسوفو جنوب شرقي المحاذي للمنطقتين، فإن تقريراً نقلته ا ف ب في 14/3/2001 عن مصادر أميركية يندد ب"اعتداءات ألبان كوسوفو في مقدونيا ووادي بريشيفو جنوب صربيا التي غيّرت بشكل ملحوظ السياسة الأميركية والأوروبية في كوسوفو". اخطاء لمصلحة الصرب وهكذا فإن أخطاء الألبان، التي كثيراً ما توصف بأنها ناتجة عن غرور، حققت للصرب مكاسب محلية وإقليمية ودولية، كانت حلماً بالنسبة إليهم، التي لولاها لما كان الحلف الأطلسي غيّر موقفه بهذا الشكل الكبير من بلغراد وسمح لقواتها بدخول المنطقة العازلة "للمساعدة في احتواء الحركات المسلحة الألبانية" خصوصاً بعدما تعرضت لقوات حفظ السلام، وتحديداً للجنود الأميركيين، في جنوب كوسوفو المحاذي لمقدونيا. واعتبرت دول البلقان التحركات الألبانية الأخيرة، بأنها "في إطار هدف ألبانيا الكبرى" الذي يطلق الألبان عليه "الحقوق المصيرية الشرعية للشعب الألباني" اي تجميع ألبان كوسوفو وجنوب صربيا ومقدونيا والجبل الأسود في دولة واحدة مع ألبانيا، وهو ما أثار مخاوف في المنطقة من قيام حركات مسلحة مماثلة في دولها التي توجد فيها اقليات قومية تنتشر بينها المطامح العرقية الانفصالية، تؤدي الى إثارة الفوضى في غالبية دول جنوب شرقي أوروبا. ويسود الاتفاق الدولي عموماً، أن النشاطات العرقية الألبانية اصبحت تشكل خطراً جدياً على المنطقة، ما ينبغي وضع حد لها، ولأن الدول الغربية لا تريد المجازفة عسكرياً، فإن أمر مساعدة مقدونيا اصبح منوطاً بدول البلقان، خصوصاً بلغاريا واليونان ويوغوسلافيا، ما يسفر عن تحويل ما يحدث في مقدونيا من اشتباكات محلية الى حرب إقليمية، وهو خطر جسيم يثير الرعب دولياً تحسباً من دروس الماضي الدامية.