أبدت الولاياتالمتحدة وبريطانيا، عشية جولة وزير الخارجية الأميركي كولن باول في الشرق الأوسط، تصلباً ازاء الملف العراقي، وأعربتا عن عدم استعدادهما للبحث في أي تغيير في نظام العقوبات ما لم توافق بغداد على القرار 1284 وعلى عودة المفتشين الدوليين. وأغارت الطائرات الأميركية والبريطانية على شمال العراق أمس. وعلى رغم تصريح وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين أن هناك اجماعاً دولياً على تغيير نظام العقوبات، فإن الموقف الروسي والصيني، وحتى الفرنسي، ينذر بتعميق الخلافات داخل مجلس الأمن، ودعا فيدرين إلى التخلي عن مفهوم "العقوبات" واستبداله بمفهوم "التنبه الدولي"، إذ ذكرت باريسوموسكو تنديدهما بالسياسة الأميركية، وأعلنتا أن الغارات الأخيرة على بغداد قوضت جهود سنوات لحل المسألة العراقية. ودعت روسيالندنوواشنطن للعودة إلى قوانين مجلس الأمن، وطلب البرلمان الروسي من الكرملين إلى الانسحاب من نظام العقوبات. وعلمت "الحياة" من مصادرها في واشنطن أن باول لا ينوي خلال جولته عرض مخطط جاهز على زعماء الدول العربية، لكنه سيضع أمامهم "مخاطر" رفع العقوبات عن العراق الذي لا يزال يهدد جيرانه ويسعى إلى امتلاك أسلحة الدمار. ولم تتوقع المصادر نفسها أن تعلن واشنطن عن خططها الجديدة، بعد لقاء بوش وبلير، أو قبل عودة باول من جولته، لتبدو كأنها اتخذت قراراتها بعد التشاور مع "الدول الصديقة والحليفة". وكانت الغارات رسالة واضحة إلى هذه الدول، خصوصاً التي بدأت تنفتح على بغداد، بمقدار ما كانت عنواناً لسياسة واشنطنالعراقية. وفي موسكو، دعا البرلمان الروسي إلى وقف العمل بنظام العقوبات، فيما قال وزير الخارجية ايغور ايفانوف إن الانسحاب الأحادي الجانب من العقوبات سيكون ضربة للأمم المتحدة. وأضاف في مؤتمر صحافي عقده أمس، عشية لقائه باول في القاهرة، ان تصرف عضوين دائمين في مجلس الأمن على نحو يخالف ميثاق الأممالمتحدة لا يعطي مبرراً لعضو ثالث كي ينتهك القانون. ورداً على سؤال ل"الحياة" عن السياسة الروسية - الصينية حيال العقوبات، كان أعلن ايفانوف أنه ناقشها مع نظيره الصيني، قال إن بلاده "متمسكة القرارات الدولية التي تفتح آفاق رفع العقوبات لأنها لا يمكن أن تدوم إلى الأبد". وتابع ايفانوف ان خروج الولاياتالمتحدة وبريطانيا عن الاجماع الدولي أدى إلى توقف دام سنتين في الحوار بين بغدادوالأممالمتحدة، وان الغارات الأخيرة عرقلت نظام المراقبة الدولية. وفيما أعلن وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين ان هناك اجماعاً دولياً في مجلس الأمن على تطوير سياسة العقوبات، اعتبرت مصادر فرنسية أخرى أن السياسة الأميركية والبريطانية حيال العراق خروج عن الشرعية الدولية، خصوصاً الغارات الأخيرة التي كانت بمثابة "هدية" إلى الرئيس العراقي صدام حسين. وقالت المصادر إن الغارات عرقلت المساعي الفرنسية لإقناع العراق بقبول قرار مجلس الأمن 1284، بعد تعديله، مؤكدة أن باريس لا تزال تبذل جهودها في هذا الاتجاه من خلال الحوار مع بغداد، خصوصاً وكيل وزارة الخارجية نزار حمدون الموجود في فرنسا الآن لهذا الغرض. وطالب فيدرين الأممالمتحدة بالتخلي عن مفهوم "العقوبات" لتقيم محله مفهوم "التنبه الدولي"، "لأننا في حاجة إلى سياسة لا تكون بالفعل سياسة عقوبات، وإنما سياسة تنبه دولي ومراقبة دولية في ما يتعلق بالنظام العراقي ومشاريعه المحظورة". وشدد على أن "ما نحتاجه فعلاً الآن هو سياسة لا تؤدي إلى زيادة معاناة الشعب العراقي بأي طريقة". وأضاف ان فرنسا، وانطلاقاً من هذه الروحية، توافق على المقترحات التي تقترحها النروج بصفتها رئيسة لجنة العقوبات، لتكون الاجراءات أكثر استهدافاً لنظام صدام حسين وتخفيف انعكاسها على السكان المدنيين. من أنان إلى الصحاف وفي السياق نفسه، بعث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان رداً على رسالة لوزير خارجية العراق السيد محمد سعيد الصحاف، قبيل بدء "الحوار الشامل" غير المشروط يوم الاثنين المقبل، سجل فيها ابتعاده، بصفته الأمين العام، عن العمليات العسكرية الأميركية - البريطانية وفرض منطقتي حظر الطيران في شمال العراق وجنوبه. وأوضح أنان أن عدم تمكن الأممالمتحدة من تعريف هوية الطائرات في المنطقة بين العراق والكويت التي تتمركز فيها "بعثة المراقبين الدوليين" يجب ألا يُفهم بأي طريقة على أنه صفح أو تغاضٍ عن هذه التحليقات". وأعلن الناطق باسم الأمين العام فرد اكهارت أن رسالة أنان تضمنت "دفاعاً" من الأمين العام ضد تهمة الصحاف بأن بعثة الأممالمتحدة تتجاهل "الأعمال العسكرية العدائية"، وأنها "لم تستطع الحفاظ على حرمة المنطقة منزوعة السلاح، مما يؤشر إلى خلل خطير في عملها"، حسب رسالة الصحاف. وفي ما يتعلق باحتجاج الصحاف على العمليات العسكرية الأميركية - البريطانية في منطقتي حظر الطيران في "استخدام منفرد للقوة المسلحة ضد سيادة دولة مستقلة يستوجب الإدانة من الأممالمتحدة"، قال الناطق إن الأمين العام لفت في رسالته إلى "أن الأمر عائد لمجلس الأمن ليقرر ما إذا كانت قراراته توفر الأساس القانوني لما يسمى منطقتي حظر الطيران". وكانت رسالة الصحاف حمّلت الأمين العام "مسؤولية إضافية في إدانة هذا العدوان العسكري والتصعيد الخطيرين واتخاذ خطوات عاجلة وملموسة لمنع تكراره، ولتهيئة الأجواء المناسبة للحوار معكم".