سيناريوهات كثيرة وُضِعت لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين لتكون بديلاً عن حقهم المشروع في العودة. من التوطين في الدول التي يعيشون فيها، مع التعويض المادي الذي يمكنهم من إعادة تأهيلهم اقتصادياً، الى اختيار الهجرة الى دول أوروبية أو كندا أو أستراليا. لكن ما يُطرح اليوم بقوة هو العراق. عراق اليوم يتم التفاوض معه سراً على توطين مليون ونصف مليون لاجئ فلسطيني على أراضيه في مقابل رفع الحصار الاقتصادي والعسكري عنه. وما زالت المفاوضات معه مستمرة أميركياً - اسرائيلياً، ومع بعض الأطراف العربية المؤيدة لهذا السيناريو منذ العام 1937 ناشد بن غوريون بريطانيا، التي كانت تستعمر العراق آنذاك، المساعدة على ترحيل الفلسطينيين إليه، في مقابل مبالغ من المال. ومن التوطين والتهجير الى موضوع القدس الذي يؤجل بحث مستقبلها السياسي ما بين عاصمتين لدولتين فلسطينية وإسرائيلية، الى مفاوضات متأخرة، أي بعد قيام الدولة الفلسطينية بلا حدود مرسومة ومعترف بها، الى عاصمة داخل الضباب السياسي غير مرئية. وحاول كولن باول في خطابه في 19/11/2001 الموازنة، في بعض جوانبه، بين الفلسطينيين والاسرائيليين في ما يتعلق بالمستوطنات، والاحتلال. ووضعهما في خانة توليد العنف الفلسطيني، ويقصد الانتفاضة الفلسطينية، وذكر قراري الأممالمتحدة 242 و338 كأساس لحل الصراع العربي - الاسرائيلي. وما حاول باول تغييبه، بلغة التعميم، هو ما يجب الوصول الى حلّه عبر المفاوضات، وهو اللاجئون والقدس. وفي المقابل شدد على ان المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين ستكون على أرضية تقرير ميتشل وورقة تينيت. ورحّبت اسرائيل بهذا الخطاب، وأبرز متحدث باسم الحكومة الاسرائيلية ان أي مفاوضات مقبلة مع الفلسطينيين ستكون على ارضية تقرير ميتشل وورقة تينيت اللذين ألغيا، حكماً، قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. والاتفاقات والتفاهمات السابقة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية. ومع ذلك استمر شارون في دفع جيشه لمزيد من الاحتلالات داخل أراضي السلطة الفلسطينية، ولمزيد من القتل الجماعي وتدمير المنازل ومواصلة سياسة الاغتيالات، مستبقاً جهوداً أميركية أو أوروبية في المنطقة. لا سلام ولا حرب هو ما يريده شارون. السلطة الفلسطينية رحبت بخطاب باول، وأبرزت الجوانب الإيجابية فيه. إلا أنها واقعة في خط النار في قضايا اللاجئين والقدس. فأين تقف من هاتين النقطتين؟ ان اللاءات الاسرائيلية واضحة. الاحتلال قائم ومستمر. المستوطنات باقية وفي توسع دائم تم انشاء 25 مستوطنة جديدة في العام الماضي. لا لعودة اللاجئين. لا لتقسيم القدس. الموقف العربي: ترحيب بالخطاب معتبراً إياه خطوة ايجابية، وعلى اميركا تطويرها! وهو على حاله في تأييده اللفظي للحقوق الفلسطينية. فقرارات قمتي القاهرة وعمان ما زالت تقبع في دروج المكاتب في انتظار الافراج عنها وتنفيذها. لا نعلم متى وكيف. وأعطت حوادث 11 ايلول سبتمبر مزيداً من الحرية للدول العربية في الحركة، والابتعاد باتجاهات اخرى غير الاتجاه الصحيح، وهو تقديم كل اشكال الدعم للقضية الفلسطينية. وباتت الحرب على افغانستان محور هذه التحركات المؤيدة شكلاً ومضموناً لكل الاجراءات العسكرية الأميركية والأوروبية في الحرب على ما يسمى الارهاب. وأن تعود الادارة الأميركية، ممثلة بالسيد باول، الى فتح ملف الصراع العربي - الاسرائيلي لهو مؤشر نحو خطوة شرق أوسطية ما بعد الخطوة الأفغانية. وفي مواجهة استحقاقات مرحلة ما بعد طالبان لا بد من التركيز على بلورة موقف فلسطيني قوي وموحّد، وذلك بالعودة الى إحياء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل لجانها وعلى رأسها اللجنة التنفيذية، وإعادة تقويم المرحلة السابقة من مدريد الى أوسلو، ووضع البرنامج الوطني الذي يصون الحقوق الفلسطينية، ويشكل قاعدة للمفاوضات في اسرائيل، وتشكيل طواقم المفاوضين لتشمل الأكاديميين والحقوقيين، ممثلين ومشاركين. لقد انتزعت منظمة التحرير الفلسطينية صفة تمثيل الشعب الفلسطيني داخل وخارج الأرض عبر نضالها الطويل والمستمر، وهي قادرة اليوم على خوض المفاوضات مع الاسرائيليين - مفاوضات الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ... - وموازين القوى الدولية، ما بعد 11 ايلول، لم تعد بيد القطب القوة الواحدة، اميركا بل أضيفت اليه مجموعة من القوى، الأوروبية والروسية والصينية الى جانب اليابان. صحيح ان هذه القوى تعمل تحت يافطة محاربة الارهاب، إلا ان ما يحكم مجموع علاقاتها مع الولاياتالمتحدة الاميركية هو النظام، او مجموعة من المفاهيم الاقتصادية والحفاظ عليها، والدفاع عنها، سواء امام الحركات الارهابية - كما تسمى - او امام محاولات الشعوب الفقيرة تحسين اوضاعها الاقتصادية من خلال المفاوضات مع الدول الغنية. ان شروط وعوامل القوة العربية ناضجة الآن للضغط على المجتمع الدولي أوروبا - أميركا وإلزام اسرائيل تنفيذ قرارات الأممالمتحدة، على الأسس والمبادئ التي انعقد بموجبها مؤتمر مدريد. والمطلوب فلسطينياً وعربياً توحيد الجهود، وبلورة موقف عربي ضاغط في هذا الاتجاه. دمشق - أحمد الحاج صحافي فلسطيني