من مفارقات الأقدار وسخرياتها أن بغداد رفعت في حربها ضد إيران شعار "الطريق إلى القدس يمر بطهران". ثم دارت دورة الزمن وإذ بنا نفاجأ بإسرائيل وقد رفعت شعار "الطريق إلى القدس يمر ببغداد". وأخشى ما أخشاه أن يكون الفرق بين الحالتين بحجم المسافة بين الهزل والجد. (1) لقد استأثرت مقاصد واشنطون من الحملة العسكرية الراهنة بمعظم الاهتمام. وذلك حقها لا ريب، لان مختلف الشواهد تدل على أن ما يجري في العراق الآن من الجسامة وعمق التأثير، بحيث يشكل منعطفاً مهماً في تاريخ العالم. وليس العراق وحده، وليس منطقة الشرق الأوسط وحدها. إن شئت فقل أنه باب للقرن الأمريكي على الأرجح. غير أن الدور الإسرائيلي في الحملة، في كل مراحلها، وأضع خطأ تحت كلمة "كل" التي تشمل التفكير والتخطيط والتنفيذ، هذا الدور لم ينل ما يستحقه من اهتمام، رغم أن المآلات المرجوة منه تمسنا جميعاً وتتقاطع مع مصالح وأمن الأمة العربية، او ما يتبقى منها بعد الحملة. ولعلي لا أبالغ اذا قلت أن تلك المآلات يراد لها أن ترشح منطقتنا أيضاً للدخول فيما يمكن أن نسميه بالعصر الإسرائيلي. نعم يلاحظ الجميع أن قادة اسرائيل انتهزوا فرصة تعلق الأبصار والأفئدة بما يجري في العراق، ومضوا يسفحون الدم الفلسطيني ويبطشون ويفترسون ويهدمون ويتوسعون، غير مبالين بشيء. لكن ذلك كله على بشاعته يبدو نوعاً من التمهيد لما هو آت. حتى أزعم بأنها من قبيل الدقات التي تسبق إزاحة الستار عن العصر الجديد، الذين يهيئون أنفسهم له. ربما يبدو مبكراً الآن الحديث عن "جوائز" ما بعد الحملة على العراق، وسيناريوهات ما بعد احتلاله، خصوصاً وان الحريق لا يزال مستمراً، ولا أحد يعلم بالضبط متى ولا كيف سينتهي. ولكن ثمة جدلاً في الولايات المتحدة لا يمكن تجاهله حول دور اسرائيل في إذكاء الحرب، وثمة معلومات جديرة بالرصد عن تنسيق أمريكي إسرائيلي في العمليات العسكرية، وثمة إشارات مهمة تنشرها الصحافة الإسرائيلية ترسم بعضاً من قسمات المستقبل وخرائطه، التي من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية تتوق لها وتنتظرها بفارغ الصبر. ولان هذا الطنين يمسنا ويخصنا، فيتعين علينا أن ندقق في عناوينه ومفرداته، ببساطة لان ذلك قد يكون بمثابة قراءة أولية لبعض صفحات المستقبل المخبوء. لقد استخدم الملف الفلسطيني كمسكن او كمخدر أريد لنا أن نبتلعه، لكي يساعدنا على استقبال الجريمة الأمريكية بحق العراق وتمريرها بدون ألم. ووجدنا الرئيس بوش وقد خرج علينا فجأة وسط هدير آلات الحرب على العراق، لكي يبشرنا بأنه لا يزال عند وعده بخصوص "خريطة الطريق"، وأمله في إقامة الدولة الفلسطينية في عام 2005، إذا ما ألتزم الفلسطينيون حدود "الامتثال والأدب"، وكفّوا عن مقاومة الاحتلال. وعرفنا من الصحافة الأمريكية أن ذلك الخطاب المفاجئ روجع إسرائيلياً فقرة فقرة، وان الإسرائيليين طلبوا أن تحذف منه كل إشارة إلى أن الدولة الفلسطينية الموعودة ستكون "مستقلة"، وهو ما قبل به الرئيس الأمريكي، وباع لنا القرص المخدر مغشوشاً! (2) تذكر مؤلفة كتاب "النبوءة والسياسة" الذي سلط الضوء على العلاقة الوثيقة بين الأصوليين الإنجيليين في الولايات المتحدة وبين اسرائيل، أن سيدة بروتستانتية اشترت منزلاً في واشنطون بمبلغ نصف مليون دولار، واختارت له أن يكون مقابلاً للسفارة الإسرائيلية. والى هذا المنزل يتوجه عديد من الإنجيليين - بعضهم من ذوي المناصب الرفيعة في الحكومة الأمريكية - للصلاة من اجل اسرائيل على مدار الساعة. وهم في صلواتهم يتوجهون بأبصارهم وقبلتهم ناحية السفارة الإسرائيلية على الرصيف المقابل من الشارع، ويدعون الرب لان يحفظ اسرائيل وينصرها، وان يقرب اليوم الذي يختفي فيه كل اثر للفلسطينيين فوق "ارض الميعاد"+! أضافت المؤلفة الأمريكية جريس هالسل أنها حين راجعت أسماء المسئولين الأمريكيين في سجل زيارات المنزل، فوجئت بأن الرئيس رونالد ريجان على رأسهم! كان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي (الكتاب ترجمه الأستاذ محمد السماك إلى العربية في عام 89)، ورغم انه لم تحدث متابعة بعد ذلك لأسماء المسئولين الأمريكيين الذين يشاركون في تلك الصلاة، إلا أنني لا اشك في أن القائمة تضخمت بمضي الوقت، وان أسماء أهم المسئولين في الإدارة الأمريكية الحالية تحتل المقدمة منها. وفي مقدمة المقدمة الرئيس جورج دبليو بوش شخصياً+ ! ليس في ذلك الاستنتاج مبالغة او مغامرة، ذلك أن عدد 11 مارس الحالي من مجلة "نيوزويك" يسلحنا بقدر واف من المعلومات، التي تشجعنا على تبني ذلك الاستنتاج باطمئنان شديد. إذ بعد أن نشرت المجلة صورة للرئيس الأمريكي وهو في حالة تبتل واستغراق في الصلاة، وبعد أن وضعت على الصورة عنواناً كبيراً من كلمتين هو: بوش والرب. بعد هذا الإخراج فان المجلة تضمنت تقريراً مطولاً (في 8 صفحات)، اشترك في إعداده خمسة من المحررين، وصف الإدارة الحالية بأنها "الأشد رسوخاً في الإيمان في العصور الحديثة". رصد التقرير رحلة جورج بوش الابن من التطرف في التحلل من الدين، إلى التطرف في الإيمان البروتستانتي. وهي المرحلة التي لعب فيها القس الإنجيلي الشهير بيللي جراهام دوراً أساسياً، الأمر الذي اعتبره بوش اعظم تغير في حياته. وللعلم فان القس جراهام هو أحد أعمدة الحركة المسيحية الصهيونية، التي تشكل أقوى واخطر سند لإسرائيل في الولايات المتحدة، وتروج لمقولة أن محاربة اسرائيل هي إعلان للحرب على الرب. شيء طيب أن ينتقل جورج بوش الابن من عالم الرذيلة والعربدة إلى حظيرة الإيمان. ولا غضاضة في أن يلجأ إلى القساوسة لينال بركتهم قبل أن يتخذ قراراته المهمة، وإذا كان قد اعتبر نفسه "مبشراً"، وابلغ من حوله قبل ترشيحه للرئاسة انه "تمت دعوته لكي يتبوأ منصباً رفيعاً"، فهذا شأنه وقناعاته هو حر فيها. لكن المشكلة، بل والخطير في الأمر انه دخل إلى حظيرة الإيمان من الباب الغلط، وان تحوله أوقعه في براثن فريق يتقرب إلى الله بنصرة اسرائيل ومساندة المشروع الصهيوني بكل السبل. حتى قال تقرير نيوزويك "أن معتقداته الدينية أعمته عن رؤية العالم المحيط به او قراءة أحداثه بصورة متوازنة". (3) في دراسة مهمة حول الأصولية البروتستانتية وتأثيراتها على السياسة الأمريكية، للباحث سمير مرقس، تأصيل للعلاقة التاريخية الوثيقة بين البروتستانتية والصهيونية، تسلط ضوءاً قوياً يفسر لنا الكثير من مواقف الرئيس الأمريكي والفريق المحيط به، الذي يتوزع اغلب أعضائه فيما بين الأصولية الإنجيلية والانتماء اليهودي الصهيوني. ذلك انه من المهم مثلاً أن نعرف أن الكنيسة الإنجيلية احتضنت الفكرة الصهيونية قبل هرتزل بقرون. وان الفكرة كانت أنشودة مسيحية قبل أن تصبح حركة سياسية يهودية، كما قال "كينين" أحد ابرز القيادات الصهيونية الأمريكية، في كتابه "خط الدفاع الإسرائيلي". مهم أيضاً أن نعرف أن الدعوة إلى توطين اليهود في فلسطين واعتبارها أرضاً بلا شعب لشعب بلا ارض، كانت ضمن مشروع قدمه اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا الأسبق. إلى مؤتمر عقد في لندن عام 1840. وكان بالمرستون أحد الذين يعتقدون أن عودة اليهود إلى فلسطين شرط لتحقيق المجيء الثاني للمسيح. وان مساعدة اليهود لتحقيق تلك الغاية أمر يريده الله، لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام. وهو تصور استخلصه البروتستانت اعتماداً على بعض التفسيرات الحرفية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي، وبمقتضاه اعتقدوا بأن النصارى المخلصين سوف يعيشون مع المسيح في فلسطين - بعد مجيئه - لمدة ألف سنة. في رغد وسعادة، قبل حلول يوم القيامة. مهم كذلك أن نعرف أن المهاجرين الأوائل إلى الولايات المتحدة كانت بينهم أعداد كبيرة من أولئك البروتستانت الذين عرفوا باسم المتطهرين او "البيوريتانيين"، الذين حملوا معهم التقاليد والقناعات التوراتية، وتفسيرات العهد القديم التي انتشرت في إنجلترا وأوروبا قبل ذلك. في هذا الصدد يرصد كثير من المؤرخين كيف أعطى المهاجرون الأوائل أبناءهم أسماء عبرانية (إبراهام، سارة، العازر..) كما أطلقوا على مستوطناتهم أسماء عبرانية (حبرون، وكنعان..)، وفرضوا تعليم اللغة العبرية في مدارسهم وجامعاتهم، حتى أن أول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد في العام 1642م كانت بعنوان "العبرانية هي اللغة الأم"، وأول كتاب صدر في أمريكا كان "سفر المزامير"، وأول مجلة كانت "اليهودي". يضاف إلى ما سبق انه سمح لليهود ببناء محافلهم الدينية في وقت مبكر اثر هجرتهم إلى العالم الجديد الأمريكي، وتم لهم ذلك قبل أن يسمح البروتستانت البيوريتانيون المسيطرون على معظم المستوطنات الجديدة لطائفة الكاثوليك ببناء كنائسها، وقد اسموا أنفسهم "أطفال اسرائيل" (Children of Israel) في طريقهم إلى الأرض الموعودة، واحتفلوا بيوم السبت كيوم راحة لهم. (4) تنسب إلى هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مقولة أن الطريق إلى القدس يمر ببغداد، التي عبرت عن تصور أن اسرائيل لن يهدأ لها بال ولن تستقر في مدينة القدس التي يعتبرها الحلم الصهيوني عاصمة لأرض الميعاد، إلا اذا انكسرت بغداد بما تمثله من رمز وقوة للعرب. وربما كان الدافع إلى ذلك هو اقتناع كيسنجر ومن لف لفه بأن القوة العراقية تؤرق اسرائيل، خصوصاً بما استصحبته من تطلعات نووية او تمكن من الأسلحة غير التقليدية الأخرى. وفي رأي باتريك سيل الكاتب البريطاني المختص بالشرق الأوسط أن موقع العراق كمهدد استراتيجي لإسرائيل استقر واصبح أمراً مسلماً به منذ جرؤت القيادة العراقية وهاجمت اسرائيل في عام 1991م، أثناء حرب تحرير الكويت. لذا اصبح أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الإسرائيلية ولمؤيديها و "رجالها" في واشنطون أن تضرب العراق بحيث يجري إضعافها إلى الأبد، وان ينزع سلاحها بحيث يتم تغيير الأفق الاستراتيجي للمنطقة، وتظل حيازة أسلحة الدمار الشامل حكراً على اسرائيل، ومن ثم يتم إضعاف النظام العربي وهزيمة الفلسطينيين، عبر فرض الشروط الإسرائيلية عليهم. أضاف باتريك سيل في شهادته أن الرئيس بوش ابتلع حزمة الأكاذيب التي عرضت عليه في إطار ملف الحرب (ساعدته على ذلك معتقداته الدينية). وهي الأكاذيب التي صاغتها عصبة الصهاينة المتطرفين القابعين في قلب مركز القرار الأمريكي. وهم الذين وضعوا أمريكا على درب الحرب، والذين في سعيهم إلى تدمير أعداء اسرائيل، غلفوا خططهم الحربية بثرثرة وطنية عن مهمة أمريكا العالمية (ودورها الرسالي). وزعيم هذه العصبة ومفكرها هو بول وولفوفتيز نائب وزير الدفاع (يهودي)، الذي يسعى دون كلل منذ اكثر من خمس سنوات إلى إعلان الحرب على العراق، حتى نجح هو ومجموعة الغلاة المحيطين بالرئيس الأمريكي في تمرير تلك "الرؤية المسمومة"، التي تمثل أملاً عزيزاً على قلب ارييل شارون رئيس اسرائيل، حتى اصبح مستشاروه يرددون أن كل شيء سيكون مختلفاً بعد الحرب، وان الطريق إلى القدس ستمر ببغداد، أما خريطة "الطريق"، فستغيب في التاريخ، كما غابت قبلها خطة ميتشيل وخطة تينيت (الحياة اللندنية - 31/1/2003). الطريف في هذا الصدد أن النائب الديمقراطي عن فرجينيا جيمس موران حين واتته الجرأة في الشهر الماضي، وقال أن الولايات المتحدة خططت لغزو العراق بسبب تحريض وضغط العناصر اليهودية النافذة، فان الدنيا انقلبت عليه، وتعرض لعاصفة من الانتقادات التي وصفت تصريحات الرجل بأنها "مروعة"، ورغم أن جيمس موران اعتذر عما بدر منه، وتراجع علناً عن موقفه حرصاً على مستقبله السياسي في الأغلب، إلا أن القوى الصهيونية المفترسة لم ترحمه، فلم تقبل اعتذاره، وأصرت على مطالبته بالاستقالة. حدث ذلك في حين يعرف الجميع أن الحرب الراهنة أمريكية إسرائيلية، وليست أمريكية فحسب. لكن من الواضح أن الإشارة إلى تأثير العناصر الصهيونية على السياسة الأمريكية يعد من المحرمات، لأنه يكشف المستور ويفضح ما يجري في داخل المطبخ السياسي الأمريكي. فحين أعلن كولن باول على الملأ أن الحرب لها ثلاثة أهداف هي: إسقاط النظام العراقي، وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وإغلاق ملف القضية الفلسطينية، فانه ترجم بطريقة دبلوماسية شعار الطريق إلى القدس يمر ببغداد! هذا المعنى تردد في برقية بثتها وكالة "رويترز" في لندن في 14/3 قالت فيها صراحة أن مسئولين بارزين في الصف الثاني في إدارة بوش يهود من المحافظين الجدد يدعون إلى إطاحة صدام لدعم أمن اسرائيل. ومن هؤلاء نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز ووكيل وزارة الدفاع دوجلاس فيث، ومستشار وزارة الدفاع ريتشارد بيرل، ومسئول الشرق الأوسط في مجلس الامن القومي اليوت ابرامز، بالإضافة إلى لويس ليبي رئيس هيئة الموظفين في مكتب الرئيس ديك تشيني. أضافت الوكالة انه في الشهر الماضي قال فيث في اجتماع لإحدى لجان مجلس الشيوخ أن إقامة ديمقراطية في العراق ربما تساعد في تولي زعماء فلسطينيين قد ترغب اسرائيل في الحديث معهم. ونقل عنه قوله أن "للولايات المتحدة وإسرائيل مصالح مشتركة، في ما يتعلق بالعراق... وهذا لا يعني أن طابوراً خامساً صهيونياً خطف عقل الرئيس، بل تصادف أن كان القضاء على الإرهاب وإصلاح المنطقة أمراً يلائم اسرائيل أيضاً". (5) في 1/10/2002 نشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية تقريراً عن ترتيبات إعداد صورة الشرق الأوسط الجديد، ذكرت فيه أن اثنين من اليهود اشتركا في رسم معالم تلك الصورة، والاثنان هما ريتشارد بيرل ودوجلاس فيث، اللذان سبقت الإشارة إليهما. ولهما الآن موقعهما المرموق في وزارة الدفاع (البنتاجون)، ومعروفان بأنهما متعصبي الصهاينة، وقد كانا ضمن الفريق الذي كلف مساعدة بنيامين نتنياهو حين تولى رئاسة الحكومة في اسرائيل لأول مرة عام 1996. وقبل أيام قليلة من بدء الحرب في 15/3 وصل إلى تل أبيب عسكري أمريكي رفيع المستوى، هو الجنرال تشارلز سمبسون، لكي يكون ضابط الاتصال والتنسيق بين القيادة العسكرية الأمريكية ورئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي في صدد الحملة على العراق، التي لم يعلن بعد شيء عن كيفية وطبيعة المساهمة الإسرائيلية فيها. أما موعد بدء العمليات العسكرية فقد أعلن أن اسرائيل أخطرت به قبل ساعات قليلة من إطلاق الصواريخ الأمريكية. وفي ذلك كله دلالة على الحضور الإسرائيلي في مختلف مراحل الغزو. في خطاب ألقاه شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي في القدس امام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية، قال: "أن لنا مصلحة كبرى في إعادة تشكيل الشرق الأوسط في اليوم التالي لانتهاء الحرب". وتبعه رئيس جهاز الموساد السابق افرايم هاليفي الذي يعمل الآن مستشاراً للأمن القومي لدى شارون ليشير في خطاب ألقاه أخيراً في ميونيخ، إلى المكاسب التي تأمل اسرائيل بالحصول عليها. إذ قال: "أن آثار الصدمة التي ستهز "عراق ما بعد صدام" ستكون واسعة الشمول بحيث تصيب طهران ودمشق ورام الله". وكما قالت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مراسلها في اسرائيل هذا الأسبوع: "ما أن يتم التخلص من صدام حتى تنهار أحجار الدومينو"(!). أن الصحف الإسرائيلية تحفل بالسيناريوهات والاستنتاجات التي ترسم معالم العصر الإسرائيلي الذي يتطلعون إلى انبلاج فجره بعد انتهاء الحرب، وبدء "انهيار أحجار الدومينو" في العالم العربي. وهم يتحدثون عن حلمهم الوردي في إقامة "اسرائيل الكبرى" انطلاقاً من محور تل أبيب - عمان - بغداد، ويتصورون المنطقة وكأنها صارت حطاماً او فراغاً، او قرصاً من العجين قابلاً للتشكيل على كل هيئة. وذلك خطؤهم الجسيم، الذي أعماهم عن إدراكه غرور القوة، وضيق الأفق الذي يتسم به تفكير الأصوليين والغلاة في كل بلد وملة. انهم ينسون انهم لم ينجحوا في هزيمة الفلسطينيين ولا كسر إرادتهم، فكيف لهم أن يتصوروا إمكانية تركيع العالم العربي بأسره، وفيه من الاستشهاديين المقبلين على الموت دفاعاً عن كبريائهم وأوطانهم أضعاف أضعاف ما في فلسطين؟ "ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين".