يناير المقبل.. انطلاق أعمال منتدى مستقبل العقار في الرياض    «الغذاء والدواء»: حظر الإتلاف ومنع السفر لحالات التسمم الغذائي    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    ضيوف برنامج خادم الحرمين يتجولون في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة    التحقيق مع مخرج مصري متهم بسرقة مجوهرات زوجة الفنان خالد يوسف    مصدر أمني يؤكد استهداف قيادي في حزب الله في الغارة الإسرائيلية على بيروت    الفنان المصري وائل عوني يكشف كواليس طرده من مهرجان القاهرة السينمائي    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    "الجامعة العربية" اجتماع طارئ لبحث التهديدات الإسرائيلية ضد العراق    بريدة: مؤتمر "قيصر" للجراحة يبحث المستجدات في جراحة الأنف والأذن والحنجرة والحوض والتأهيل بعد البتر    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    المؤتمر للتوائم الملتصقة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكري ونوح وحامد والعريان وعبدالمجيد وعبدالبصير والقفاش وآخرون . جيل جديد في الرواية المصرية يحاور محفوظ وجيل الستينات
نشر في الحياة يوم 05 - 12 - 2001

} كيف يقرأ جيل جديد من الروائيين المصريين أسلافهم؟ كيف يحددون علاقتهم بأدب نجيب محفوظ مثلاً، أو بأدب جيل الستينات؟ يلقي هذا التحقيق ضوءاً على هذه المسألة. واللافت في كلام كتّاب هذا الجيل الجديد احساسهم بمشتركٍ يجمعهم.
من الخطأ اعتبار رواية نجيب محفوظ نقطة تقويمية وحيدة يؤرخ بها أو يقيم على أساسها المنجز الروائي في مصر. هناك رواية متميزة قبل محفوظ ورواية متميزة معه وثالثة بعده، ذلك أن تاريخ ومحصلة الاضافات لأي جنس إبداعي يظل مرتهناً بمجموعة من التراكمات والعلامات والاشارات الفارقة في مسيرة أي إبداع ويقاس تطور هذا الإبداع بعدد هذه الاضافات وطبيعتها، ويظل التوقف التقويمي ملحاً ومطلوباً لدى كل جيل على حدة لتحديد طبيعة الاضافة وحجم التجاوز ومقدار الافادة مما أنجزه المتميزون من الأجداد أو الآباء وهذه وقفة سريعة مع اسماء شابة حققت حضوراً روائياً، لرصد ما سبق من عطاء الأجداد والآباء بل والإخوة الكبار أيضاً.
مصطفى ذكري
يرى مصطفى ذكري ان "زقاق المدق" تظل علامة فارقة في سياق المنجز الروائي الضخم لنجيب محفوظ وتأتي "ملحمة الحرافيش" من بعدها، ويؤكد مصطفى أنه رصد هذين العملين تحديداً انطلاقاً من حجم تأثيرهما فيه على نحو فردي، ويستطرد مصطفى قائلاً: أتوقف أيضاً إزاء "ترابها زعفران" لادوار الخراط، ونحن حينما نقرأ إبداعات هؤلاء نقرأها على نحو انتقالي وليس على نحو إجمالي حيث ليست هناك خطة مسبقة لقراءة كل نتاج فلان أو فلان، أتوقف كذلك ازاء "حديث شخصي" لبدر الديب وهي عبارة عن مجموعة قصص طويلة، كذلك اتوقف ازاء عملين فاتنين وهما "مالك الحزين" لأصلان و"التاجر والنقاش" للبساطي.
فلقد كانت كتابة هذا الجيل تحديداً بالنسبة لنا أو قل بالنسبة لي، أعني جيل اصلان والبساطي كانت كتابته جديدة علينا، ونجيب محفوظ نهر يحتوي كل شيء فهو قارة كاملة متنوعة التضاريس، نصطدم بها شئنا أم أبينا، غير أنني رأيت، خصوصاً بدءاً من جيل اصلان، انه كلما كان الكاتب بسيطاً كإنسان علا بإنسانية كتابته وكلما جمعت بين بساطتها وعمقها في آن، أنت إزاء نجيب محفوظ تحس أنك ازاء قامة كبيرة كأنها ليست موجودة لكن بدءاً من جيل اصلان، بدأت الفردية تشهد علواً كبيراً خصوصاً في الستينات حيث بدت القضايا الكبرى امراً مزعجاً بالنسبة لابناء هذا الجيل، وبدت سمة البعد عن الأبنية او البناء الروائي العملاق وبدأ يعتني بالتفاصيل الصغيرة كما نراها لدى ادوار وأصلان، هناك شفافية روائية بدت لدى ادوار انها مدبرة في سياق لغوي حذق وجيلنا أكد على هذه الفردية، وعلى رغم الفروق بين اصوات جيلي غير أنه يبدو هناك سمات مشتركة مثل غلبة الصوت الفردي الذي تجنح لسيرة الذات وتلك الحصانات التي نحرص على وجودها بين الكاتب وعمله. أنا مثلاً لا استطيع ان أسمي أحد شخوص رواياتي باسم ثنائي أو ثلاثي وقد يكون هذا الشخص من دون بطاقة درامية. أما على صعيد المعمار فلا يمكنني القول إننا حققنا بنياناً متمايزاً وعملاقاً بعد، ولا أستطيع كتابة رواية ذات ملمح ملحمي زمني، فأكثر زمن داخل النسيج الروائي قد لا يزيد على يوم او بضعة أيام، كما أن الكثير من اعمالنا لا يتجاوز الاربعين صفحة وما زلنا نبحث عن ملمح مغاير يؤكد على خصوصيتنا على الأقل من حيث الارتباط الزمني والروحي بتفاصيل الواقع الذي نعيشه. أما مشكلة الضمائر فلا أتصور أننا وضعنا حلولاً ناجزة لها".
سعيد نوح
سعيد نوح قدم رصداً تاريخياً مفصلاً لمسيرة الرواية العربية بدءاً من إرهاصتها الاولى "زينب" لمحمد حسين هكيل كظاهرة اولى، كما أكد على المرحلية التاريخية لرواية محفوظ واعتبر أن كل عمل لنجيب محفوظ ظاهرة في حد ذاتها. ولمح ليحيى حقي وطه حسين حيث أبرز اعمالهما الروائية "قنديل أم هاشم" و"البوسطجي" و"دعاء الكروان" و"الايام". أما يوسف ادريس فاعتبره نوح ظاهرة مصرية بحتة، ورصد "الحرام" كأهم عمل روائي له ثم عرج برصده الى صنع الله ابراهيم وعبدالحكيم قاسم ويحيى الطاهر وبهاء طاهر والغيطاني واصلان باعتبارهم ظواهر منجزة في مسيرة الرواية كانوا جميعاً بمثابة مدرسة روائية تعددت مناهجها وتياراتها فتعددت بذلك المؤثرات الروائية السابقة على جيل سعيد نوح الذي اضاف قائلاً: "اظن أن جيلي حقق بعض الانجازات وإن كانت غير واسعة النطاق، غير أنني أرصد عمل زغلول الشيطي "ورود سامة لصقر" ثم "الصقار" لسمير غريب علي ثم "متاهة قوطية" لمصطفى ذكري ثم "خوف الحياة" لسيد الوكيل و"تصريح بالغياب" لمنتصر القفاش ثم "دكة خشبية تسع اثنين بالكاد" لشحاتة العريان وأخيراً "لصوص متقاعدون" لحمدي ابو جليّل و"سانت تريزا" لبهاء عبدالمجيد و"ابناء العطاء الرومانسي" لياسر شعبان. وأتصور أن جيل الستينات حقق ظاهرة روائية مستقلة الملمح والانجاز وهو ما أخذنا عنه وما استفدنا منه اكثر من أي جيل آخر، ويصعب رصد تجليات هذه الافادة على منجز جيلنا، فنحن لم نحقق بعد سوى خطى أولى.
شحاتة العريان
أما صاحب رواية "دكة خشبية تسع اثنين بالكاد" شحاتة العريان فيقول: "إن الرواية مدينة لنجيب محفوظ بقرائها حيث محبة قراءة الرواية. وفي الجيل نفسه كان يحيى حقي "صاحب الرواية البديعة" ولقد أسهم مع يوسف السباعي في طرح المكان روائياً باعتباره كائناً حياً. أما محفوظ فقد كانت روايته حكراً على "عباسية السرايات" والجمالية القديمة، ولا أعتقد أن هناك رواية جذابة قد كُتبت عن الأرياف أكثر من رواية "يوميات نائب في الارياف" وهذه الاسماء استطيع القول أنها أرست المبادئ الروائية، وحققت حرية الرواية على الصعيد السردي والشكلي، خصوصاً في نموذج "يوميات نائب في الارياف"، وليس بين أعمالهم ما يشبه الآخر، كما أجد "بين أبو الريش وجنينة ياميش" عملاً بديعاً. أما أبرز اسماء الجيل الثاني فهو يوسف ادريس الذي جعل من القصة إبداعاً مستقلاً وعملاً لا يعتمد على منطق الحكاية بمقدار ما تعتمد القصة على ذلك التدفق السردي وغياب الهيكل المسبق بعكس النموذج الروائي لديه. ومن الجيل اللاحق ليوسف ادريس اتوقف إزاء فتحي غانم وصبري موسى، رواية فتحي غانم كانت ذات أفق سياسي، أما رواية صبري موسى فكانت ذات أفق مكاني استثنائي. ومن جيل الستينات يمكنني الوقوف ازاء ما لا يقل عن عشرة اسماء فاعلة ومتميزة، كما يمكن ذكر كُتاب عرب ايضاً في الحلقة الزمنية نفسها، ويحضرني منهم محمد البساطي واصلان وعبد الحكيم قاسم وادوار الخراط والغيطاني، خصوصاً في "الزيني بركات" و"التجليات" وعلاء الديب وجميل عطية والطيب الصالح والطاهر بن جلون والطاهر وطار وزكريا تامر، وعبدالرحمن منيف. ومن بعدهم ابراهيم عبدالمجيد والورداني ومحمد ناجي.
ولا يمكنني القول ان جيلي حقق منجزاً كاملاً وواضحاً بعد، والرواية فن مرتبط بالعمر بمعنى حجم التراكم الروائي على صعيد الخبرة، لكن هناك بواكير لعدد من الكتاب الجيدين، والذي من المحتمل أن تشكل بعض اسماء منه قامات متميزة على المدى الزمني البعيد، وأذكر من هذه الاسماء ميرال الطحاوي وحمدي ابو جليّل وسعيد نوح ومصطفى ذكري ومنتصر القفاش وسمير غريب علي، وأعتذر عن نسيان البعض، أما مسألة التميز والمغايرة والاضافة لدى جيلنا فهذه مسألة فردية ونسبية ومنفصلة وعلى أنحاء متفاوتة لا يمكن جمعها في سلة واحدة ولا يمكن القطع بوضوح ملامحها بعد، نحن فقط ما زلنا نحاول خدش الصيغ المستقرة بعيداً من المسلمات الكبرى والبدهيات الروائية".
بهاء عبدالمجيد
بهاء عبد المجيد مدرس أدب انكليزي في عين شمس وهو روائي ايضاً وبمنطق الناقد بدأ يرفض فكرة المجايلة باعتبارها فكرة سلطوية تخضع لأشكال التقسيم الاجتماعي والسياسي، وأعتبر الرواية - منذ سطوع شمسها الاولى - كياناً واحداً يواصل في جوهره عطاء الاجيال. ويضيف قائلاً: "نعم تأثرت بالكُتاب السابقين مثل طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف ادريس وغيرهم وأتصور انني أحد المستفيدين من موسوعيتهم والنموذج الروائي المتنوع الذي طرحوه عبر مسيرة طويلة متراوحة، وتزامن عطاء هذه الرموز ومن قبلهم مع ظروف سياسية وتاريخية متعاقبة ومتقلبة، فكانت هناك غايات وأهداف عظمى داخلة في متن أعمالهم على نحو ضمني او مباشر. أما من احتفت أعمالهم بالهمّ الذاتي فلم تعش أعمالهم، ونحن الآن نحاول أن نفسر التجليات التاريخية روائياً على نحو ذاتي ونحاول أن نؤسس لما يشبه المذكرة التفسيرية الروائية لتلك التحولات الاجتماعية المضطردة.
واسمح لي ان أستشهد بروايتي الاخيرة "سانت تريزا" فإنني في سياقها اقرأ التاريخ من منظور ذاتي على رغم استنادي لوقائع حقيقية، بعد أن لاحظت الغبن الذي وقع على "خباء" ميرال الطحاوي، حيث تُدرّس في قسم الانثروبولوجيا لا في قسم الأدب!! ومن ثم عنيت بطرح همّ الذات من خلال آخرين وليس تأويلاً روائياً لواقع معاش، ولست - في الواقع - مشغولاً بمن يحتل مساحة أكبر من الاضواء بمقدار اهتمامي بتميز العمل الروائي مستحضراً في ذلك أدواتي النقدية.
الحسيني عبدالبصير
في روايته "البحث عن خنوم" حاول الحسيني عبدالبصير أن يحقق ارتحالة روائية في التاريخ المصري السحيق في ما يشبه مغامرة البحث عن جذور روائية تصلح لإعادة انتاجها على نحو معاصر. ويبدأ الحسيني حديثه بنجيب محفوظ قائلاً: "اسمح لي أن أضيّق بؤرة الرصد، فأقول إن روايتي التي أشرت اليها استندت في معمارها الروائي على ما حققه نجيب محفوظ في "ميرامار" حيث الحدث الواحد المروي بأربعة أصوات، باعتبارها بنية تقدمية زمنية، علاوة على وجود شخصيات غائبة ظاهرة، وعندما تقترب الرواية من حواف النهاية، تجدها تقل تدريجياً وكأنها بنية هندسية هرمية تقل مع الصعود، وكأنما هي متتاليات هندسية، غير أن المساحة الزمنية للأحداث محدودة فهي تبدأ في الفجر وتنتهي في السحر وتبدأ في الفيضان وتنتهي قبل حلوله وكأنها تستغرق عاماً وهذه هي المرادفة الزمنية، وتبدأ بالرقم 1 وتنتهي بالرقم 10 ويتلاحم فيها التاريخي بالاسطوري بالملحمي بالحسي، وكتابتي تلتقي مع كتابات ابناء جيلي في رغبتها الكبيرة نحو التأسيس لكتابة مغايرة تتنوع أطيافها، ولعل هذا الدافع الملح وراء تحقيق التمايز - الذي لم نحققه في شكل واضح بعد - يرجع لوقوفنا على الفروق الواضحة بين مبدع وآخر ممن تعلمنا الكثير على أعمالهم التي شكلت في نهاية الأمر تاريخاً روائياً محتشداً بالمحطات المهمة في الرواية بدءاً من نجيب محفوظ وحقي وادريس ومروراً بالغيطاني وصنع الله ابراهيم وادوار الخراط وأصلان والبساطي ويحيى الطاهر وسعيد الكفراوي وابراهيم عبدالمجيد ومحمد المخزنجي وصولاً الى ميرال الطحاوي ومي التلمساني ونورا أمين ويوسف فاخوري واسماء هاشم ومصطفى ذكري ومنتصر القفاش وسحر الموجي وسمية رمضان".
محمود حامد
يؤكد محمود حامد أن الاجيال السابقة للرواية في مصر قد شكلت خريطة الرواية، إذ لا يمكن للقارئ أو المبدع أن يلاحق مدى الخبرة الروحية والجمالية التي حققتها هذه الأجيال المتعاقبة، الأمر الذي يجعل من مهمة البحث عن تمايز فارق وإضافة جديدة واحدة من أشق المهمات، خصوصاً ان الكثير من اولئك الروائيين ما زالوا يواصلون عطاءهم جنباً الى جنب مع الاجيال الاخرى.
ويستطرد قائلاً: "أتصور أن تراث مصر الثقافي هو بالأساس في روايتها، واذا كان نجيب محفوظ ظاهرة فذة، إذ لا يمكن مقارنته بأي تالٍ له بل يمكن القول إنه صعّب مهمة القادمين من بعده، إلا أن رواية الستينات استطاعت أن تهتم بالتشكيل الجمالي الذي افاد منه محفوظ نفسه، وأظن أن كل تغيير يلحق بالسياق الاجتماعي وبنيته يستتبعه بالضرورة تغيير جمالي في الكتابة، والتطورات الفادحة التي مر بها المجتمع المصري يمكن لكاتب واحد فرد ان يستوعبها جميعاً كلها، لذلك فإن جيل الستينات شكّل - في مختلف تجلياته - هذا الفوران الاجتماعي بصيغ مختلفة باختلاف الطيف الروائي والحساسية الروائية لدى كل مبدع على حدة، واعتقد - على قدر خبرتي القرائية - ان "ثلاثية" نجيب محفوظ حرقت مراحل روائية عربية ضخمة واختزلت قرنين تقريباً من تاريخ الرواية، بينما رواية "اولاد حارتنا" أسهمت - ليس فقط - في نقد المجتمع ولكن ايضاً في زلزلة وخلخلة البنية الروائية ذاتها، غير أنني حين قرأت "تلك الرائحة" أحسست أن هذه الكتابة غير مألوفة في سياقها التاريخي، وانما هي اقرب لي ولظروفي وأكثر حميمية مما يُكتب الآن وأظن أن صنع الله ابراهيم لم يبلغ ما بلغه فيها في رواياته الاخرى باستثناء "ذات". أما أصلان فيمكن القول أنه من خلال فرائده القليلة كاتب عابر للاجيال بداية من "بحيرة المساء" وصولاً الى "عصافير النيل"، هذا فضلاً عن المشروع الضخم العدة والعتاد الذي عكف عليه الغيطاني بداية من "الزيني بركات" وصولاً الى "حكايات المؤسسة" وأعتبره اقرب كاتب لي بعد نجيب محفوظ. أما عن طبيعة تقويم ما حققنا لنقف على طبيعة الاضافة والمغايرة، فإنه يصعب الحديث في هذا الأمر، ويكون الأمر أشبه بالحديث عن البشائر كما أن الاختلاف الظاهر بين صوت وآخر على نحو لافت لهو أحد وجوه مشقة الرصد، ولا أظن أن هناك اتجاهاً قد تبدى بعد إذ لم ننجز إلا أقل القليل وهذا الأمر تقع مسؤوليته على الجهود النقدية التي تتوافر لها الحيادية والنزاهة.
منتصر القفاش
ويوضح منتصر القفاش صاحب "تصريح بالغياب" أن التاريخ الأدبي ليس ثابتاً لدى كل المبدعين بل إن هذا التاريخ يظل عرضة للترتيب، كما تعاد كتابته من خلال النظرة الخاصة لكل مبدع لهذا التاريخ، ويضيف منتصر: "كلمة الروائي الرائد أو الرواية الرائدة قد يكون لها مفعول السحر في اذهان بعض المبدعين، وتفقد كل رونقها لدى آخرين يرون ان الأثر الحقيقي أحدثه مبدع آخر أو عمل آخر لم يُعَمّد كرائد في التاريخ الأدبي، وعلى حد قول بورخيس فإن كل كاتب يصنع أسلافه. فنجيب محفوظ مع الاعتراف بأثره الواضح في الرواية العربية إلا ان كتابه "أصداء السيرة الذاتية" بمقاطعه وشذراته المكثفة البعيدة عن الإسهاب أراه أهم من "بداية ونهاية" و"الثلاثية" و"اللص والكلاب" مثلاً، والاسئلة الفنية للاصداء تفتح الباب لإعادة التفكير في الكثير من المسلمات التي رسخها نجيب محفوظ نفسه. ومبدع مثل بدر الديب الذي يندر ذكر اسمه وأثره في الرواية العربية أجد أن عمليه "حديث شخصي" و"إجازة تفرغ" رائدان بحق في كتابة الرواية الفلسفية ويمثلان مدرسة قائمة بذاتها في كيفية تضفير الحكاية مع التأمل الفلسفي الذي هو جزء أساسي في وجود شخصياته. ويظل يحيى حقي بإنجازه الفذ في اللغة الروائية يحتاج الى دراسات تخص الاجابات المهمة التي طرحها في كيفية المزج بين الفصحى والعامية من دون وجود نغمة نشاز، والكتابة الروائية الجديدة من أهم سماتها ما أحب أن أسميه الكتابة بقوة اليوميات التي تشير الى اعتماد تلك الكتابة على سيرة المبدع ويومياته لتعيد النظر في التفاصيل الدقيقة التي - على رغم دقتها ويوميتها - فإنها تشكل حياة الانسان وتشير ايضاً الى كتابة الرواية بحرية كتابة اليوميات التي لا تعرف حدوداً للأنواع الأدبية بل تلتمس كل الطرق لتصل في تجربتها الفنية الى أبعد مدى. لذلك تأكدت ظاهرة الفصول او المقاطع المنفصلة والمتصلة وهي ليست شكلية بل تكشف عن رؤية للحياة، وأقرب الى ألوان الطيف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.