رحيل الروائي المصري فتحي غانم أثار سجالاً ثقافياً بدأ بأعمال الكاتب نفسه واتسع منها ليشمل مسائل تتعلق بالرواية المصرية والعربية عامة. وكان طبيعياً ان يتسع هذا السجال بالنظر الى ما تتسم به كتابات غانم من خلافية لدى قرائها جعلتهم يقفون مواقف متناقضة من اكثر اعماله. هذا الامر كان من بين اسباب عدم رد الروائي الراحل الى مدرسة بعينها او وضعه في موضع محدِّد من التصنيفات المختلفة للرواية العربية. "الحياة" أجرت لقاءات مع روائيين ممن قرأوه وعرفوه، لإضاءة سيرته روائياً وصحافياً وإنساناً. سبقُهُ في تعدد الأصوات أهم انجازات فتحي غانم هي انجازاته في الرواية لأنه مارس اشكالاً مختلفة من الكتابة وقدم حصاداً في القصة القصيرة خمس مجموعات. لكن الملاحظة الاولى انه يوجد فرق حوالي عشرين سنة بين المجموعة الثانية والمجموعة الثالثة. وخلال العشرين سنة كان فتحي غانم قد نشر عدداً كبيراً من اهم اعماله الروائية التي نشرها بتاريخين: تاريخ نشرها للمرة الاولى مسلسلة في المجلات الاسبوعية، ثم تاريخ اصدارها في كتاب. والمعتمد لدينا هو الكتاب. "الجبل" كانت روايته الاولى وقد صدرت عام 1959 وكانت تعتمد على تجربة ذاتية عاشها عندما كان يعمل مفتشاً وسافر الى قرية "الجرنه" في الاقصر التي بناها المهندس حسن فتحي وكان الاهالي يرفضون ان يسكنوها لأن عملهم مرتبط بالحفر داخل الجبل للعثور على الكنوز. هناك روايتان ليست لهما اهمية في تاريخ فتحي غانم الروائي: "الساخن والبارد" و"من اين"، لكن العمل الذي لفت الانظار هو "رباعية الرجل الذي فقد ظله" وصدرت عام 1961 - 1962. وهذه يتناول فيها الواقع المصري وتحولاته فيما بين التاريخين اللذين حددهما محمد ناجي احد رواة الرباعية ما بين 1923 - 1956. وفتحي غانم من الروائيين المهتمين اهتماماً بالغاً بالشكل او البناء الروائي على رغم ما يبدو من تطويل او استطراد في بعض اعماله. بمعنى أن "الرباعية" وإن كنا نعرف لها سوابق مثل رباعية الاسكندرية لدرايل والصخب والعنف لفوكنر، تبقى روايته اول رواية عربية تستخدم تعدد الاصوات على هذا النحو، ثم انها قدمت تكنيكاً لا يكاد يلتفت اليه احد بمعنى انه سبق في هذا الشكل نجيب محفوظ وجبرا ابراهيم جبرا. اذن نعود لمتابعة تحولات الواقع المصري في اعماله. هناك علاقة بين رباعيته ورواية "زينب والعرش" التي يتابع فيها فتحي غانم الواقع وتحولاته الى ما بعد 1967 بما فيها من صعود ثورة يوليو وتوقفها ثم انحدارها وواقع تأميم الصحافة والتنظيم الطليعي وسيادة الاجهزة.. العمل الثالث المرتبط بهذه المنظومة هو "الافيال" عام 1981 وهذا يتابع فيه الواقع وتحولاته في منتصف السبعينيات على وجه التقريب، الى نشأة التنظيمات الدينية المتطرفة والثلاثة اعمال بينهما من الترابط اكثر ما بينهم من الاختلاف. وظل فتحي غانم يتابع هذا الواقع وتحولاته في "قليل من الحب كثير من العنف" التي تصور ما نسميه ذئاب الانفتاح. وفي عام 1986 نشر روايته "بنت من شبرا" وناقش فيها مرة ثانية قضية التنظيمات الدينية المتطرفة، ومن خلال مناقشته لهذه القضية قدم شيئاً مهماً وهو تصويره لحياة الجاليات الاجنبية التي كانت تعيش في قاهرة الثلاثينيات والاربعينيات. ورواية "أحمد داوود" عام 1990 كانت محاولة لتصوير العنف الذي مارسته الجماعات الصهيونية في فلسطين قبل قيام اسرائيل وبعدها مباشرة. آخر رواياته كانت عام 1995 وهي "قط وفأر في قطار" وهي تختلف اختلافاً واضحاً عن بقية اعماله السابقة. وأيضاً مارس اشكالاً اخرى من الكتابة ومنها السيناريو سيناريو المطلقة وكتب ايضاً ادب الرحلات مثل "البحر" وايضاً جمع عدداً من مقالاته في كتاب اسماه "الفن في حياتنا" يتناول فيه عدداً من كبار فنانينا مثل أم كلثوم وغيرها. وآخر كتبه "معركة بين المثقفين والدولة" عام 1995. ولكن اكرر ان انجاز فتحي غانم الروائي هو اهم انجازاته. فاروق عبدالقادر بين الرواية والصحافة انا اعتبر فتحي غانم من اكبر المواهب الروائية التي عرفها الوطن العربي. هو روائي متدفق وعالمه غني جداً كشف ما يدور في كواليس العمل الصحافي على رغم ان هذا العمل أضر به كمبدع روائي كبير. فنجاحه في العمل الصحافي جاء على حساب عمله الروائي، ولكن هذا لا ينفي بالطبع انه كان من اثرى الروائيين موهبة ولعله اول روائي تناول ظاهرة الارهاب الديني قبل ان يلتفت اليها احد. وبالنسبة للجانب الشخصي فقد كان فتحي غانم عزوفاً وزاهداً محباً للمرح والدعابة ومن الاشياء التي ادهشتني انني صاحبته في رحلة وقابلنا احد لاعبي الشطرنج الروس وبمجرد ان جلس فتحي غانم ليلعب معه قال له: هل انت فتحي غانم المصري؟ فاكتشفت انه يتمتع بشهرة في لعب الشطرنج ليست في مصر وحدها ولكن في العالم بأسره. وأنا افكر الآن في وسيلة او مؤسسة تجمع اعماله المهمة وتصدرها حتى تتعرف الاجيال الجديدة على اهميته ومكانته على خارطة الابداع الروائي العربي. جمال الغيطاني نحن ورواية العالم اول ما يتبادر الى ذهني بالنسبة الى فتحي غانم هو انه احد الذين برعوا فيما يمكن ان اسميه بالرواية الصحافية واقصد تلك الروايات التي كانت تنشر مسلسلة في "روز اليوسف" او غيرها وكانت تجذب القارئ بما توفره له من سرد لا يصدم توقعاته. ورغم اختلافي مع هذا النوع من الروايات لكن لا شك بانه ساهم مع تيارات عدة في تمهيد الشارع الثقافي ليتلقى اية تجديدات اخرى. في اعماله الاخيرة حاول فتحي غانم ان يتخفف قليلاً من وطأة الحدث السياسي ليستطيع ان يكتب الحياة من منظور اوسع. وعلى الصعيد الشخصي فإني اقتربت من الراحل في مؤتمر الرواية المصرية المغربية في الدار البيضاء وتلمست عن قرب قلة كلامه مع شدة وقعه. وكل ما اذكره عن رأيه في الكتابة الجديدة انها تفتح طريقاً في الكتابة لم تتكشف بعد بشكل كاف. وبالنسبة لإسهاماته الاخيرة في مجال المقال الصحافي فقد كان يؤكد دائماً على اننا يجب ان نهيئ انفسنا لدخول القرن الواحد والعشرين، وكان هذا ما يشغله حتى في احاديثه العادية. وبالنسبة لأعماله فأنا شخصيا احب روايته "الجبل" التي كانت استثنائية في وسط اعماله الروائية المشغولة بالتأريخ للواقع الاجتماعي والسياسي حيث كان همها الانسان اكثر من الوقائع اليومية الساخنة. منتصر القفاش مقتحم الأبواب الصلبة فتحي غانم كان الخطوة الموازية ليوسف ادريس، هذا في القصة، وهذا في الرواية. فتحي غانم فتح صفحة في الحياة الحقيقية للبشر في "الجبل" والجبل تقترب من اغوار منطقه لا تزال تضرب في اعماقنا ولم تقترب منها الاعمال الابداعية بالشكل الملائم لأهميتها. "الجبل" تدور حول تجربة حقيقية في قرية "الجرنه" النموذجية التي اقامتها الحكومة لكي يسكن فيها ابناء الجبل ولكنهم رفضوا السكن فيها لأنهم مرتبطون بأعمالهم داخل الصحراء، لذلك يمكن ان نقول ان فتحي غانم دخل بهذه الرواية عالماً انسانياً حقيقياً ومهمشاً، صحيح ان يحيى حقي سبقه إلا ان النقلة الجماعية اول من احدثها هو فتحي غانم. لذلك يمكن ان نقول بغض النظر عن صلابة الابواب يكفي ان نجد عاملاً ماهراً يجيد فتحها مثل فتحي غانم. محمد مستجاب استبصار الحداثة فتحي غانم مؤسس كبير من مؤسسي الرواية العربية، فهو من آباء الحداثة في الرواية وفي وقت مبكر، منذ أن خرج على القاهرة والمدن والريف التقليدي الى بيئة بكر في رواية "الجبل" وهو مجدد في كل رواياته، ومنذ نهاية الخمسينيات عندما صدرت "الرجل الذي فقد ظله". ويتميز بأنه في الوقت الذي ارتكن معظم أبناء جيله الى الواقعية الاشتراكية تميز بالاستقلال وفهم الأبعاد الانسانية الرحبة وباللغة السهلة المتماسكة، كما أنه صاحب استبصارات ربما لم يتنبه اليها النقاد حتى الآن. وفي أعماله استبصار مبكر بالعنف في المجتمع المصري. وروايته "الأفيال" أبرز علامة على الاستبصار كما أنها عمل حداثي بالاضافة الى البنيات الجديدة التي نحتها في فنه. وفي جانب آخر من جوانب كتابات فتحي غانم نجد أنه كشف لنا كواليس عالم السينما والنجوم والصحافة. ابرهيم عبدالمجيد الحرص على الإستقلال كان فتحي غانم شخصية فريدة مستقلة ولم يكن يهتم بالتربيطات والجماعات، واستطاع ان يحافظ على استقلاليته وكذلك كان في عمله الصحافي استطاع ان يكسب الجميع برغم حرصه الشديد على استقلاليته. وبالنسبة لي فهو رائد كبير من رواد الرواية العربية استطاع ان يخلق لنفسه طريقاً خاصاً وان يبتكر اسلوباً مميزاً في الابداع الروائي لا ينتمي الى الواقعية النقدية ولا الى الرومانسية ولا الرمزية ولكنه يجمع بين عناصر من ذلك كله. وبشكل فريد يكشف عن أصالة وموهبة وستظل اعماله الروائية الكبيرة مثل "الجبل" و"الرجل الذي فقد ظله" و"قليل من الحب كثير من العنف" علامات بارزة في تاريخ الرواية المصرية والعربية بسبب تلك الخصائص التي اشرت اليها وبسبب عمق نظرته وقدرته على التحليل الاجتماعي والنفسي لشخصياته. بهاء طاهر مفكر الثورة وناقدها برحيل فتحي غانم رحل أحد الذين شاركوا في تأسيس الرواية العربية الحديثة. فتحي غانم منذ انطلاقته الاولى في "الجبل" وحتى "حكاية تو"، تأسس مشروعه الروائي عبر محاور اساسية، تأملت وطرحت الاسئلة عن متغيرات الواقع المصري والواقع العربي في خمسين عاماً. وفي اعماله هناك مساءلة لإيجابيات وسلبيات ثورة يوليو باعتباره احد الذين ساهموا في تكوينها الفكري والابداعي وتم ذلك عبر روايتيه الهائلتين "زينب والعرش" و"الرجل الذي فقد ظله" ثم "الافيال"، وايضاً عبر اعمال عديدة. كان ناقداً لمجمل تصورات هذه الثورة عن الواقع المصري وكان ذلك في "الافيال" و"حكاية تو". ايضاً كانت احد اهم الهموم الكبيرة التي طرحت على مشروع فتحي غانم الروائي القضية الفلسطينية وعلاقة الاقليات مثل اليهود والطليان واليونانيين ومدى تأثيرهم في الحياة المصرية. وذلك في روايته "بنت من شبرا". وما لا شك فيه ان رحيل فتحي غانم في هذه الآونة التي بدأت تشحب فيها الساحة من الاسماء ذات المهمات التاريخية الكبيرة، يعدّ استكمالاً للأحزان التي صاحبت رحيل توفيق الحكيم ويحيى حقي ويوسف ادريس. سعيد الكفراوي فنه في "تلك الأيام" تعارفنا صدفة وعلى الورق فقط عندما قرأت مقالته عن عبدالحليم عبدالله. أيامها غضبت من فتحي غانم. تعارفنا ثانية في "الجبل" وأمام "الرجل الذي فقد ظله"، ولكننا تعارفنا التعارف الكبير في روايته "تلك الايام". تابعته عندما كان رئيساً لتحرير جريدة "الجمهورية" وتابعته بعد ذلك وكان أدبه يتسع في عالمه وموضوعاته بينما تنحسر فنياته. ظلت "تلك الايام" علامة من الماضي السعيد والى جوارها بعض أخواتها. كان يخايلني دائماً وكأنه الاسم الروائي الثاني بعد نجيب محفوظ، ثم يخايلني وكأنه الروائي شديد الاهمال لفنه، ثم وكأنه الروائي العارف والعازف والزاهد وغير الراغب في الحفاوة والتبجيل. وعندما تعرفت اليه فعلاً ويداً بيد، كان عضواً بارزاً في لجنة التفرغ يجيد الإنصات ويجيد الصمت وعندما تركت اللجنة كنت آسفاً عليه فقط لأنه اجمل اعضائها. اظن اننا سنلتقي كثيراً على الارض وسوف اقرأ ثانية "تلك الايام" سوف اقرأها. عبدالمنعم رمضان صانع الأشكال المتغايرة من الضروري أن اعترف بأنني قد استفدت، بل تعلّمت الكثير من تجليات الشكل والمضمون عند الروائي الكبير "فتحي غانم". فلعله من المعروف لكل قراء الرواية العربية أن فتحي غانم يعتبر أحد أكبر تجليات الشكل الفني في الرواية العربية. أننا إذا تتبعنا روايات "الجبل"، "من أين"، "الساخن والبارد"، "زينب والعرش"، "الافيال"، "حكاية تو"، "بنت من شبرا"، "أحمد داود"، "ست الحسن"، "قط وفأر في قطار"، بل وفي قصصه القصيرة القليلة: "سور حديد مدبب"، "إن بعض الظن إثم..". إذا تتبعنا هذه الأعمال يسهل علينا اكتشاف أن كل عمل منها يعتبر تجربة جديدة وغير مسبوقة في الأشكال الفنية بالنسبة للرواية العربية. كان فتحي غانم على قدر كبير من الجرأة في الاطاحة بالأساليب الراسخة مع احترامه الشديد للكلاسيكية والكلاسيكيين، وكان مغامراً يقتحم مجاهل كان يدرك بحسه الفطري انها - على الأقل - ستوصله الى اعمق اعماق شخصياته التي يحمل همومها. إن شكل التحقيق في رواية "الجبل" - بشقيه الجنائي والاجتماعي - كان جديداً على الرواية العربية آنذاك. فالراوي هو نفسه المحقق الذي أوفدته النيابة الإدارية للتحقيق مع سكان قرية الجرنة التي بناها المعماري حسن فتحي الذين رفضوا الإقامة بها مفضلين العودة الى الجبل بحجة ان بيوت القرية لا تناسبهم، في حين انهم لا يستطيعون التفريط في المقابر التي كانوا يقيمون بيوتهم عليها في الجبل. لم يكن أنسب من هذا الشكل لهذا الموضوع، أما شكل الرواية الصوتية "الرجل الذي فقد ظله" فلم يكن معروفاً من قبل في الرواية العربية، بمعنى أننا نستمع الى اربعة أصوات شهود على الحدث نفسه. وان نرى الحدث الروائي عبر إحساسهم به ووجهات نظرهم كأطراف مشاركة فيه، وهذا ما يختلف عن استخدام "لورانس داريل" للشكل نفسه تقريباً في "رباعية الاسكندرية". أما الشكل في "تلك الرائحة" فإنه فريد وفذ، ولا أظن أنه يمكن ان يتكرر بهذه الدقة في روايات أخرى، لأننا نرى رواية كبيرة بأحداث مهولة وشخصيات ثرية ومعقدة ومركبة، كل ذلك من خلال نقاط يحددها أحد المؤرخين أو أحد الكتّاب في حياة أحد الارهابيين، وفيها تتداخل المذكرات بالفصول المكتوبة، بتيارات الوعي لدى زوجة المؤرخ ولديه، بأوصاف الخارج والداخل بتداخلات فنية حققت تحليلات كاشفة للحدث وللطبيعة ولأعماق الشخصيات بصورة تعجز عنها الأساليب التقليدية المستقرة، وقس على ذلك بقية أعماله التي لم ينصفها النقاد حتى اليوم. فتحي غانم ربما كان الوحيد بين الروائيين الذي اهتم بكواليس الصحافة المصرية وكشفها، وقدم عالمها في بانورما تاريخية فذة في "الرجل الذي فقد ظله" و "زينب والعرش" ومجموعة قصصه الاخيرة وكثير من رواياته الأخرى، استفاد في ذلك - طبعاً - من تجربته كصحفي اقترب خلالها من مواقع صنع القرار السياسي ومن كواليس السياسة المصرية وعلاقتها بالصحافة، وقد أفاده كل ذلك في أن يكشف ذلك الاجتياح الغوغائي الذي أصاب الصحافة المصرية بعد تأميمها، ونتيجة لانتشار التعليم بالمجان حين دخل المهنة الكثير من العناصر الانتهازية التي أضرت بالمهنة وشرفها، منذ ان اصبحت الصحافة قصيدة ملق للحاكم الذي يملك الرفت والتعيين. وأما الصحفي فتحي غانم فإنه جزء مهم جداً من تاريخ الصحافة العربية المعاصرة. لقد كان أهم العناصر التي احتفظت لهذه المهنة بدورها السياسي والاجتماعي كقائدة للتنوير وصانعة الرأي العام. وحينما عُين رئيساً لتحرير مجلة "صباح الخير" التي كان قد شارك في تأسيسها اتبع طريقة لا أظنها كانت معروفة، ولم تتكرر من بعد كأسلوب رفيع وفريد يمثل ديموقراطية التحرير، حين اختار كوكبه من كبار المحررين وأسند اليهم رئاسة التحرير بشكل فرعي، بمعنى ان كل واحد منهم يرأس تحرير عدد من أعداد المجلة ويكون معروفاً لديه موعده، فيستعد له. حين نتذكر هذا نعرف لماذا بقيت مجلة "صباح الخير" في عهده قوية وعلى درجة كبيرة من الحيوية والتألق. قدّر لي ان اقترب من فتحي غانم في السنوات الاخيرة منذ ان شرفت بعضوية لجنة القصة بالمجلس الاعلى للثقافة التي كان مقرراً لها، فكأن الظروف عوضتني عن امل تمنيته وانا شاب وهو ان اعمل تحت رئاسته - محرراً - في مجلة "صباح الخير"، فإذا بي اعّوض عن ذلك الأمل بمزاملته في لجنة القصة، مما كان يشعرني بكثير من الزهو والشرف. في هذه الاثناء تكشفت لي ابعاد شخصية فتحي غانم الرائعة والبديعة والتي استطيع ان ألخصها في عبارة واحدة اقول فيها: إنه كان يمتلك مقومات العملقة، حيث العمل هو الاساس في الحياة دون انتظار لأي عائد، وكان شعاره، من انقطع لشيء فعليه اصلاحه وإلا فعلى الدنيا السلام. وكان صبوراً حمولاً يكره الاشفاق والمواساة ويصيبه الهياج اذا انت ابديت له اشفاقك على مرضه، وكان في كل اجتماع هو اول من يحضر، وآخر من ينصرف، ويقرأ الاعمال المقدمة للمسابقات التي تقيمها اللجنة وهو في عز المرض، لا لشيء إلا لكي يشاركنا فيها مشاركة إيجابية ولكي يكون ضميره مستريحاً اذا حكم بالفوز أو بالاخفاق. رحم الله "فتحي غانم" وأسكنه فسيح جناته.