يمكن القول ان ازمة وجود تيارات داخل مكتب تعزيز الوحدة الطالبية في ايران خرجت الى العلن إثر البيان الذي اصدرته اللجنة الطالبية في كلية الصحة والعلوم الطبية في جامعة طهران، والذي تحدث عن وجود مجموعات تسعى الى خلق تيارات وانشقاقات داخل المكتب والحركة الطالبية، والسعي الى تقويضه لمصلحة تيارات موازية له. وكذلك تغلل بعض القوى والمجموعات السياسية الى داخل الحركة الطالبية واستعمالها للوصول الى مواقع في السلطة. البيان لم يلفت الانظار، لأنه جاء متزامناً مع الهجوم الارهابي على نيويورك وواشنطن، فعمدت الصحافة، خصوصاً المقربة من التيار الاصلاحي، المرور عليه في شكل عابر واكتفت بنقل اجزاء مختصرة منه، لا تشكل ارضية لفهم ما يجري داخل هذا التجمع الطالبي، الذي يعد التشكيل الاهم، والأب الروحي للحركة الطالبية الايرانية بعد انتصار الثورة. وكان مكتب تعزيز الوحدة الطالبي يُعتبر، الى فترة قريبة، واحداً من اهم التشكيلات التي باستطاعتها تحريك الساحة السياسية الايرانية، برز دوره في نهايات رئاسة الشيخ هاشمي رفسنجاني للجمهورية، وقبل انتخاب السيد محمد خاتمي. لكن المشكلات التي تعصف بالمكتب من الداخل، والتي باتت واضحة، دفعت بالمسؤولين عنه الى الابتعاد من اجواء الصحافة والحديث عما يدور داخل الاروقة. الابتعاد من اجواء الصحافة، دفعنا الى التوجه نحو اعضاء في الهيئة العامة، ومسؤولين عن اللجان الطالبية، الذين ينتخبون اللجنة المركزية للمكتب، للوقوف منهم على بعض الاجواء التي تحكم الصراع وخلفياته. لقد سعى مؤسسو المكتب ومنذ البداية الى وضع نظام داخلي وآخر اساسي للمكتب، يقطع الطريق على تفرد أي مجموعة بتوجهاته، لذلك فُرض انتخاب اعضاء اللجنة المركزية السبعة والبدلاء الثلاثة كل سنة، لقطع الطريق على وصول افراد لا يتوافقون مع التوجهات العامة للثورة. في ذلك الوقت، تضمن النظام الاساس ضرورة وجود لجنة تنتخب كل سنة مهمتها دراسة صلاحية المرشحين، وتقويم عمل اللجنة السابقة. بعد انفصال تجمع علماء الدين المناضلين الذي يضم الرئيس خاتمي عن جماعة علماء الدين المجاهدين، والعلاقة التي تربط هؤلاء مع مكتب تعزيز الوحدة الطالبي، تحول المكتب الى مدافع وداعم لهذا التجمع، اضافة الى دعمه بعض الاحزاب التي تعرف بأنها احزاب اليسار، مثل منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية. في العام 1993، أي في الدورة الثانية من رئاسة الشيخ هاشمي رفسنجاني للجمهورية، استطاع التيار المحافظ ان يفرض سيطرته على الحياة السياسية، ما تجمع علماء الدين المناضلين اليسار الديني ومعه منظمة مجاهدي الثورة، الى الانسحاب الى هامش الحياة السياسية، الامر الذي وضع مكتب تعزيز الوحدة الطالبي في وضع خطر. وتطورت الامور الى ان قام مناصرون للتيار المحافظ في مجلس تنسيق الاعلام الاسلامي بسحب آخر ورقة من يد المكتب، وهي التفرد باحتفالات ذكرى احتلال السفارة الاميركية. بعد الانتصار الذي حققه التيار الاصلاحي بوصول خاتمي الى الرئاسة، استطاع مكتب تعزيز الوحدة ان يستعيد فاعليته في الجامعات. وعودة المكتب الى الساحة السياسية، دفعت الطلاب من انصار التيار المحافظ، الى التشويش على حضور المكتب في النشاطات الطالبية، ما جعل ضريبة هذا الحضور كبيرة، ووصلت الى أعلى أثمانها بعد الاشتباكات التي حصلت في الحي الجامعي وانتهت بمقتل البعض منهم. وفرضت هذه التطورات على مكتب تعزيز الوحدة ان يغير من استراتيجية عمله فانكفأ من الشارع الى حرم الجامعات، لكن الاحداث التي وقعت في مدينة خرم آباد، في الصيف الماضي، ادرك معها الطلاب ان ضريبة العمل السياسي اصبحت ثقيلة لا يمكن تحملها، فأدت الى مواجهات مع الشرطة وأعمال شغب وسقوط قتلى من الطرفين، وزادت الامور تعقيداً بعد اعتقال مجموعة من الطلاب ومحاكمتهم بتهمة التخطيط لقلب النظام. تعريف بالمكتب يعتبر مكتب تعزيز الوحدة الطالبي في المرحلة الحالية، من اكبر الحركات الطالبية في ايران، واستطاع ان يشكل واسطة في العلاقة بين الاوساط السياسية والثقافية وبين الطلاب، وعلى رغم ذلك لم يستطع المكتب حتى الآن ان يدعي انه يمثل قيادة الحركات الطالبية بسبب اعتقاد لدى اللجان الاسلامية للطلاب باستقلالها عن المكتب والاختلاف الواضح بينه وبين التعبئة الطالبية، كما يؤكد عبدالله مؤمني، لكنه لا ينفي انه خلال السنوات ال22 الماضية، استطاع ان يحقق مكانة له في الحياة الطالبية والسياسية وان يكون الاكثر شرعية والاكثر ديموقراطية بين المجموعات الطالبية. اما مرتضى زوارزادكان عضو اللجنة الطالبية في احدى الجامعات فيقول: "اذا اعتبرنا ان مكتب تعزيز الوحدة هو ممثل الحركة الطالبية الآن، فهذا صحيح، اما في الماضي فلم يكن في هذا المستوى، اي في سنة 1979، حين تشكل من مجموعة طلاب متطرفين، قدموا انفسهم على انهم يمثلون الحركة الطالبية، وهم كانوا اداة ضغط في يد السلطة الحاكمة، ثم اقدموا على احتلال السفارة الاميركية، من دون اي تنسيق مع قائد الثورة الإمام الخميني، فبدأت حملة افتراءات ضد بعض الاشخاص مثل بازركان والجناح الليبرالي المتدين فاتهموا بالتسوية والخيانة والعمالة للغرب والاستعمار، واستمر هذا الامر حتى رئاسة رفسنجاني". تسعى الاحزاب السياسية، من محافظة واصلاحية، جاهدة الى استيعاب مكتب تعزيز الوحدة الطالبي، الامر الذي يلقى ممانعة من طلاب كثر، فضلوا الابتعاد من العمل الطالبي. وفي هذا الاطار يقول أ. مرادي: "ان كل المصائب التي نزلت بنا مكتب تعزيز الوحدة كانت من منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية التي اتجه نحوها بعض اعضاء المكتب، اما اذا تحدثنا عن جبهة المشاركة، فإنها لعبت دور المنظمة نفسه، وهي جزء منها الجبهة جزء من المنظمة التي تعتبر قوة خلف الستار الآن". بعد انتخابات العام 1997 الرئاسية، تولد اعتقاد لدى الاحزاب والمجموعات السياسية، الاصلاحية والمحافظة، ان الحركة الطالبية، ومكتب تعزيز الوحدة على وجه الخصوص، باستطاعتهم احداث تغيير في الحياة السياسية، ونقل السلطة من جناح الى آخر. ويرى مسؤول احدى اللجان الطالبية علي رضا فراهاني ان بعض الطلاب انتبه الى هذه التوجهات والحاجات الحزبية، وعمد الى استغلالها، واستطاع ان يصل الى مراكز في السلطة والدولة. في حزيران يونيو العام الحالي كان من المقرر ان تجري انتخابات اللجنة المركزية لمكتب تعزيز الوحدة، الا انها لم تجري، والسبب يعود، كما يقول فراهاني الى قرب الانتخابات الرئاسية من تلك الفترة، لكن، في اللقاء السنوي الذي عقد في الصيف الماضي، قال البعض: "لماذا لا تبحث المشكلات الآ طالما ان الجميع موجود، وتحديد مستقبل المكتب، خصوصاً لجهة ما قام به البعض من توحيه ضربة للمكتب حين فتح الابواب امام نفوذ منظمة مجاهدي الثورة وجبهة المشاركة للنفوذ في الحركة الطالبية؟". منشأ الانقسامات الحيوية التي تتمتع بها الحركة الطالبية الايرانية، خصوصاً مكتب تعزيز الوحدة، دفعت كل الاطراف السياسية الى الالتفات لأهمية هذه الحركة، وسعت للحصول على حصة فيها، وهو ما يؤكده علي رضا فراهاني عندما يقول انه وجه سؤالاً الى سعيد حجاريان عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة المشاركة ونائب رئىس بلدية طهران ومستشار خاتمي اثناء عقد المعسكر السنوي للمكتب، حول ما الذي يريدونه من الحركة الطالبية، فقال: "انهم يريدون تشكيل فرع طالبي في حزب المشاركة"، وأكد انه تحدث مع احد اعضاء اللجنة المركزية للمكتب رضا حجتي. ويضيف: "ان تسييس المكتب وصل الى حد ان يقدم على تقديم لائحة مقترحة بأسماء وزراء حكومة خاتمي الذي انتخبه 22 مليوناً. وتعود اسباب الانقسام داخل مكتب تعزيز الوحدة الطالبي الى ما يقارب السنتين، او بالتحديد الى ما بعد الانتصار الذي حققه التيار الاصلاحي في الانتخابات النيابية، اذ شرع بعض الاصلاحيين انتقاد اسلوب عمل حكومة وادارة خاتمي والتركيز على الاخفاقات التي واجهتها. انتقل هذا الكلام الى الاوساط السياسية، الاصلاحية والمحافظة وتحول الى مادة للصراع السياسي الحاد في كثير من الاحيان، وراحت صحف الطرفين الاصلاحي والمحافظ تتطرق الى الموضوع وتحلله فاعتبره الاصلاحيون مؤامرة تهدد تيار "الثاني من خرداد"، فيما راح المحافظون يعملون على الترويج له في شكل واسع. بعد ترسخ هذين التوجهين، النقد الحاد التكتل الحداثوي والمدافع التكتل التقليدي، باتت الامور تتجه نحو الانقسام داخل مكتب تعزيز الوحدة الطالبي في شكل واضح ونهائي. التقليديون: وهم من المقربين الى الاحزاب السياسية الاصلاحية مثل تجمع علماء الدين المناضلين ومنظمة مجاهدي الثورة الاسلامية وأحزاب الثاني من خرداد. الحداثويون: في المقابل، بدأ تكتل الحداثويين يستقطب الكثير من الطلاب، وقامت توجهات هذا الاتجاه على النقد الشديد للسلطة وخاتمي وحكومته متأثرين بالتوجهات القومية - الدينية، وكان رأيهم ان خاتمي لم يقم بأي عمل جدي ومشجع، خصوصاً بعد تشكيل حكومته الثانية، وبالتالي لم يستطع ان يتقدم بمسيرة الاصلاحات كما كان متوقعاً منه ومنتظر. بعد اتضاح الانقسام، بدأت بين الطرفين حرب كلامية واتهامات قاسية، وصلت الى حد اتهام علي افشاري مهدي طباطبائي زعيم تكتل التقليديين، بالتعامل مع جهاز الاستخبارات وفضح اسرار المكتب. وهنا يقول مرتضى زوارزادكان ان هذا الكلام يتخطى الشائعة ومن الممكن ان يكون واقعياً، لأن السيد مهدي طباطبائي كان عنصراً في الاستخبارات، وفي التحقيقات مع علي افشاري، وضعت امامه محاضر جلسات المكتب، وبما ان المحاضر بناء على النظام الاساس هي في عهدة مسؤول تشكيلات المكتب وهو مهدي طباطبائي، لذلك يعتقد انه عنصر استخبارات، ما اجبر طباطبائي على الرد بشدة واتهم افشاري بالتعاون والتعامل مع اعداء الثورة والابتعاد من الحركة الاصلاحية ومعارضة حكومة خاتمي. بعد اشهر من هذه الحادثة، قامت السلطات الامنية باعتقال علي افشاري بتهمة التآمر لقلب النظام، عندها احس التكتل الحداثوي ان الضغوط التي تمارس عليه من قبل التيار المحافظ والقضاء، تجعل من مسألة التفكير بالانفصال عن مكتب تعزيز الوحدة الطالبي امراً صعباً، وبالتالي فإن الضريبة التي سيدفعها اذا ما قام بهذا العمل ستكون باهظة، لذلك عمد الى اتباع سياسة تراجعية في محاولة لاستيعاب المستجدات، وقبل بمبدأ التفاوض والحوار، من اجل اعادة الوحدة الى اهم جسم طالبي في الجامعات الايرانية، وبالتالي القبول بقيام بعض الشخصيات الاصلاحية البارزة والمقربة من خاتمي بلعب دور الوسيط لحل الخلافات وتقريب وجهات النظر. وعن اسباب التحول نحو التيار القومي الديني الليبرالي يقول فراهاني ان الاعتقاد السائد هو ان المثقف خارج السلطة، لأنه اذا ما اصبح داخلها، فسيتحول الى مدافع عنها، ويتخلى عن النقد، وقد يكون السبب في التحول نحو التيار القومي الديني انه الحزب الوحيد خارج السلطة، والناس تذهب نحو احد اثنين، نحو الذي تعرفه جيداً وتعرف اهدافه، او نحو المجهول الذي لا تعرف عنه شيئاً، لذلك فإن الحزب القومي الديني لدى الجيل الجديد الذي يشكل الطلاب غالبيته، هو حزب مجهول، ولم يروا منه اي نشاط، على رغم ان لديه شعارات جميلة. اما مرتضى زوارزادكان فيعلق على النقاش مؤكداً ان الناس ليسوا بلا ذاكرة، وان سبب تحول البعض الى الافكار القومية الدينية، يعود الى ان الناس وذاكرتهم ما زالت حية، فحين يرون ان قيادات هذا الحزب دخلت السجن قبل الثورة وفي بداية الثورة. وان كلامهم لم يتغير عندما كانوا في السلطة وبعد خروجهم منها وان همهم المصلحة العامة، فمن الطبيعي ان تتجه الحركة الطالبية نحوهم. ويضيف ان الاحصاءات التي يملكها عن الكلية التي يدرس فيها الادب الفرنسي تشير الى ان 70 في المئة من الطلاب يتبنون افكار الحزب القومي الديني، وان ما وصله من كلام بعض اعضاء اللجان الطالبية في الكليات والجامعات الاخرى يشير الى ارقام مشابهة. لا شك في ان الحركة الطالبية لا تحظى فقط باهتمام التيار الاصلاحي بل ان التيار المحافظ يسعى جاهداً لاحداث خرق في داخلها، وعلى وجه التحديد مكتب تعزيز الوحدة، في حين يحتفظ قائد الثورة باحترام الجميع، وهو بدوره يعتبر ان الحركة الطالبية احد اهم المؤشرات على ما يدور في المجتمع، وعليها تقع مسؤولية حفظ النظام والثورة، وهو في هذا الاطار، وعبر مكتبه، يقدم دعماً مالياً شهرياً لمكتب تعزيز الوحدة. أما عن مساعي الطرفين للسيطرة على الطلاب وتشكيلاتهم، فيقول أ. مرادي: "القول ان التيار المحافظ يريد ان يقضي على مكتب تعزيز الوحدة، أمر محتمل، لكننا نرى ان التيار الاصلاحي يسعى ايضاً الى ذلك، بل ان التيار الاصلاحي يسعى الى توجيه ضربة للمكتب اكثر من التيار المحافظ. الحركة الطالبية قدمت خدمات كبيرة لجبهة "الثاني من خرداد"، وتحركت في اطار اهدافها. وبما انها حركة انتقادية، فإنها بدأت الآن بانتقاد خاتمي، كما هو الأمر داخل جبهة المشاركة.