قد لا تختلف الحركات الطلابية في الجامعات الإيرانية عن غيرها في جامعات الدول الأخرى من حيث المبدأ، إلا ان الهامش الذي فرضته لنفسها جعلها محط انظار القوى السياسية والحزبية الإيرانية، والسعي الى توظيفها داخل آليات التجاذب والصراع بين الأجنحة والتيارات المتنافسة على السلطة وغيرها. مع بداية العام الدراسي الجامعي، تدأب المجموعات الطلابية، من مختلف الفئات، على رصد اتجاهات الطلاب الجدد، ومحاولة التماس توجهاتهم وانتماءاتهم، تمهيداً لضمهم الى فاعليات التوجه الذي ينتمون إليه. ومن الطبيعي ان تكون اللجنة الطلابية، التي يتم انتخابها مع نهايات العام الدراسي، هي الأكثر فاعلية بين هذه المجموعات، وذلك بهدف توسيع رقعة الطلاب المنتسبين الى تشكلاتهم، وضمان إعادة انتخابها مرة ثانية. فتراهم موزعين على مدخل الجامعة والمطاعم والكافيتيريا والملاعب وفي اروقة الصفوف والقاعات، يحدثون فلاناً أو يرصدون فلانة. إنها حال مليون ومئتي ألف طالب وطالبة موزعين على مختلف الجامعات، ما بين قديم وجديد. وقد لا يكون من المفاجئ القول إن اكثر الطلاب الذين يدخلون الجامعات للمرة الأولى، خصوصاً الذين لا يأتون محملين بانتماءات سياسية وحزبية محددة، يواجهون صعوبة في تحديد الأطر الطلابية التي تعلن انتماءها الى تيارات حزبية خارج تشكيلين اساسيين ترسخا حتى في أذهان العامة منذ ما بعد انتصار الثورة، وهما اللجان الإسلامية للطلاب، ومكتب تعزيز الوحدة الطلابي. يعود اول مظاهر تبلور الحركة الطلابية في الجامعات الإيرانية الى العام 1946، واستمرت من دون ان تأخذ شكلاً منظماً الى الخمسينات أيام حكم رضا شاه، ثم بدأت تتحدد وتأخذ شكلاً معروفاً في اواخر الستينات وبداية السبعينات، وقد مرت هذه الحركة في مراحل مختلفة، من الحضور البارز الى الانكفاء وعدم التأثير. ولعل التحرك البارز لهذه الحركة حدث قبل نحو 48 عاماً، حيث خرجت مسيرات وتظاهرات طلابية انطلاقاً من جامعة طهران احتجاجاً على زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وقد كان في حينه يشغل منصب نائب الرئيس، على خلفية الدور الأميركي في القضاء على حكومة مصدق، أو ما يعرف في القاموس السياسي الإيراني بحركة تأميم النفط. في العام 1953 انتهت التظاهرات بسقوط ثلاثة من الطلاب قتلى في المواجهات التي حدثت مع قوات الأمن الشاهنشاهي. استمر هذا الوضع الى انطلاقة الثورة التي كان للحركة الطلابية والجامعات الدور البارز والمؤثر في نجاحها. ولعل المحطة الأبرز في مسيرة الحركة الطلابية الإيرانية، ما قامت به مجموعة من الطلاب في شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام 1989، وأثناء تظاهرات خرجت اعتراضاً على لقاء تم بين اعضاء من الحكومة الموقتة برئاسة مهدي بازركان زعيم حركة تحرير ايران المحظورة في الوقت الراهن والمستشار الأميركي بريجنسكي، ووصلت هذه التظاهرات الى أمام السفارة الأميركية في طهران، فاحتلها المتظاهرون واعتقلوا جميع افراد السلك الديبلوماسي. ومن اللافت هنا، ان الأشخاص الذين قادوا عملية الاحتلال، هم المجموعة التي تدعو الآن الى الحوار وإعادة العلاقات مع الولاياتالمتحدة. وقد انتقلوا من اقصى التطرف الثوري الى الدعوة الى الانفتاح والحوار. إذاً، اخذت الحركة الطلابية بعد انتصار الثورة شكلاً آخر. وأصبحت اكثر حضوراً على الساحة السياسية، وتحولت الى مؤثر في القرار السياسي، ما اعطاها الفرصة للمزيد من الفاعلية في اجواء الجامعات والمعاهد العلمية العليا الإيرانية. وإذا كانت هذه الحركة في بداياتها تشكلت تحت شعار او اسم "اللجان الإسلامية للطلاب الجامعيين"، وانبثق عنها ما بات يعرف ب"مكتب تعزيز الوحدة الطلابي"، إلا ان التطورات ومرور نحو 22 عاماً على انتصار الثورة، لم يبقِ الأمر على ما كان، خصوصاً بعد المرحلة التي باتت تعرف ب"الخاتمية" إذ ان الطابع السياسي والحزبي اصبح اكثر وضوحاً وتأثيراً في عمل هذه اللجان والحركة في شكل عام. تيارات الحركة الطلابية في البداية لا بد من التوقف عند التحولات الأولى التي حدثت داخل الحركة الطلابية، لأن ذلك يسهم في فهم المتغيرات اللاحقة. فبعد انتهاء مغامرة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية في طهران، والحل الذي انتهت إليه، توصلت مجموعة من الطلاب السائرين على خط الإمام الخميني، الى قناعة بضرورة تشكيل إطار تكون مهمته متابعة قضية ترسيخ الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة في شكل عام، وكذلك تنظيم العمل السياسي وتوجيهه داخل الجامعات. وتوصلوا الى تشكيل ما أصبح يعرف في حينه ب"مكتب تعزيز الوحدة الطلابي". وتجدر الإشارة هنا الى ملاحظة اساسية هي، ان التشكل او العنوان الوحيد المسموح به، والذي تتم من خلاله النشاطات الطلابية داخل الجامعات هو "اللجان الإسلامية للطلاب". 1- مكتب تعزيز الوحدة الطلابي: يعتبر "مكتب تعزيز الوحدة" من أبرز وأهم التشكيلات داخل الحركة الطلابية في الجامعات الإيرانية، ويعود تاريخ ظهوره الى ما بعد مرحلة ما سمّي بالثورة الثقافية غير ثورة ماوتسي تونغ، أي بعد اعادة فتح الجامعات في العام 1982، والتي كانت أقفلت في اطار اعادة النظر في المناهج الدراسية، خصوصاً في فروع العلوم الإنسانية والحقوق والعلوم السياسية. كان الدافع وراء تشكيل هذا المكتب السعي الى الانسجام والتنظيم بين التشكيلات الطلابية، وقطع الطريق على التعددية داخلها، وهو ما تضمنه النظام الأساس والداخلي للمكتب، على أن تكون قيادته مؤلفة من سبعة اشخاص اساسيين وثلاثة بدائل يشكلون اللجنة المركزية له، ويُنتخبون من بين كل طلاب الجامعات الإيرانية ومن داخل اعضاء اللجان الإسلامية للطلاب. يتم انتخاب الأعضاء العشرة كل سنة، في اللقاء السنوي للمكتب، لذلك فإن هذه القيادة هي دائماً في حال تغيير. و"مكتب تعزيز الوحدة الطلابي" يعتبر الأب الروحي لغالبية التشكيلات الطلابية الجامعية التي ظهرت لاحقاً خلال التسعينات. على المستوى الإعلامي تعتبر الصحف الإصلاحية منبراً مفتوحاً له، إضافة الى نشرات داخلية تصدرها لجان الطلاب الإسلامية في كل كليات الجامعات الإيرانية. وقد تعرض الكثير من اعضاء اللجنة المركزية، من القدماء والجدد، الى الاعتقال والسجن بتهم مختلفة، منها المشاركة في مؤامرة اطاحة النظام، ومن هؤلاء علي افشاري وابراهيم شيخ. 2- مجمع الطلاب الإسلاميين: اعادة النظر الاضطرارية في بناء "مكتب تعزيز الوحدة" في بداية التسعينات، واجهها اعتراض شديد من مجموعة في داخله، انفصل اعضاؤها عن المكتب ليشكلوا تياراً طلابياً جديداً عرف باسم "مجمع الطلاب الإسلاميين". يعتبر المجمع من التشكيلات المتوافقة مع "مجمع علماء الدين المجاهدين" الذي يسيطر عليه الطابع المحافظ، ويتولى زعامته في الوقت الحالي آية الله مهدوي كني، ويعتبر الشيخ رفسنجاني من أبرز الشخصيات السياسية الإيرانية المنتمية إليه. العارفون بأمور هذا التشكيل، يعتقدون انه يعاني ازمة في عدم انسجام وافتقار الى وجود برنامج عمل مستقبلي. على صعيد النشاط السياسي، اعلن هذا التجمع عن دعمه للشيخ علي اكبر ناطق نوري في الانتخابات الرئاسية بمواجهة الرئيس محمد خاتمي في الدورة الأولى، اما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة فقد اعلن عن دعمه ل"أحمد توكلي" ضد خاتمي ايضاً. لا يملك هذا التجمع اي صحيفة أو نشرة خاصة، لكنه في المفاصل السياسية والطلابية الأساسية، يعمد الى إصدار بيانات تحمل وجهات نظره ويرسلها الى الصحف ذات الانتشار الواسع، وهو في الاصطلاح الإعلامي الإيراني تعبير عن الصحف المنتمية الى التيار المحافظ أو الرسمية التي يمتلكها النظام خارج اطار الحكومة. ومن أبرز شخصيات هذا التجمع قاضي زاده. 3- اتحاد اللجان الإسلامية للطلاب والمحصلين في الجامعات ومراكز التعليم العالي مجمعة حشمت الله طبرزدي: هذا التشكيل من التشكيلات التي أوجدها التيار المحافظ أو اليميني ليقف امام تفرد "مكتب تعزيز الوحدة" في الساحة الطلابية، ويتولى مسؤولية قيادته او أمانته العامة حشمت الله طبرزدي، وقد بدأ نشاطه في العام 1990، تحت شعار دعم هاشمي رفسنجاني والالتزام بتوجهات قائد الثورة، وهو اول من استعمل صفة "إمام" لقائد الثورة، وصفة آية الله لرفسنجاني على صفحات صحيفته الخاصة باسم "رسالة الطالب التعبوي" وحذفت صفة تعبوي لاحقاً. تعرضت الأفكار السياسية لهذا الاتحاد الى تغييرات تدريجية كثيرة خلال المدة الزمنية الماضية، وتحول من الاتجاه المحافظ اليميني الى معارض لهذا التيار، لكنه لم يحظ ابداً بدعم التيار الإصلاحي أو اليسار. بعد إقدام محكمة الصحافة على ايقاف "رسالة الطالب" لجأ هذا الاتحاد الى إصدار صحيفة اخرى باسم "نداء الطالب" لكنها تعرضت ايضاً للتوقيف، اضافة الى النشرات والصحف الأخرى التي أصدرها وأقفلتها محكمة المطبوعات التي كانت تحمل اسماء "هويتنا أو هوية الذات" و"تقرير اليوم". أبرز شخصيات هذا الاتحاد الى جانب الأمين العام حشمت الله طبرزدي، محمد حسين علي بور ورضا سرافراز ومحمد حسين زارعي ومحمد سلامتي وسيد جواد امامي. 4- مركز الطلاب المسلمين هو تجمع جديد لم يمض على تأسيسه اكثر من اشهر، ويعتبر من التشكيلات المنسجمة في الأهداف مع مكتب تعزيز الوحدة، لكن حتى الآن لم تتضح معالم توجهاته الأساسية وأسلوب عمله وحتى الأشخاص الذين يتولون قيادته. 5- التعبئة الطلابية التعبئة الطلابية من التشكيلات الطلابية الإيرانية الأكثر انسجاماً وتنظيماً، وقد نالت ترخيصاً رسمياً. تتميز بالتنسيق العالي بين افرادها، وأهم وظائفها داخل الجامعات المسائل الأخلاقية. ودور التعبئة داخل الجامعات منسق ومتوافق مع توجهات بعض التيارات السياسية، مثل تجمع "حزب الله" قسم طهران الذي يتزعمه مسعود دهنمكي، ومجموعة اتحاد طلاب حزب الله الذي يرأسه حسين الله كرم. تسعى تشكيلات التعبئة الطلابية باتجاه الإصلاح الثقافي الاجتماعي في الجامعات، ويرى اعضاؤها ان النضال ومواجهة الهجوم الثقافي الغربي بجميع ابعاده يجب ان يكون جزءاً من البرامج الدراسية الجامعية الرسمية المقررة. لا ترى التعبئة الطلابية انها تمثل حزباً سياسياً، وتؤكد استقلاليتها، لكنها في الانتخابات الرئاسية السابقة اعلنت دعمها بشكل واضح وصريح الشيخ علي اكبر ناطق نوري ممثل التيار المحافظ في مقابل السيد خاتمي، وكان ذلك اول تدخل لها في الصراعات السياسية والحزبية. لا تمتلك التعبئة الطلابية نشرة او صحيفة خاصة بها، لكنها تعمد في الكثير من الأحيان الى إصدار نشرات خاصة منسجمة مع المناسبات توزعها داخل الجامعات. وعلى المستوى العام، تعتبر صحف يا لثارات وبرتو سخن = شعاع الكلام وصبح من الصحف التي تعكس وجهات نظر هذه المجموعة، وهي صحف محسوبة على التيار المحافظ بامتياز. وهناك مجموعات طلابية اخرى تقوم بنشاطات داخل الجامعات، وهي المنتمية الى "حركة تحرير ايران" و"التيار القومي - الديني أو ايران الغد" و"حركة المسلمين المناضلين" و"حزب الأمة الإيرانية". وهي تشكيلات تعاني الآن ازمة حرية العمل العلني بين الطلاب، ويعتري المنتمين إليها الخوف من الإعلان عن انتمائهم وتوجهاتهم بشكل صريح، خصوصاً بعد الحملة الأمنية والاعتقالات التي تعرض لها اعضاء من هذه التنظيمات السياسية بتهمة الإعداد لإطاحة النظام وقلبه. وقد اعلنت المحكمة عن حظر عمل وعدم قانونية "حركة تحرير ايران" فيما تجرى الآن محاكمات غير علنية لبعض اعضائها بهذه التهمة الى جانب اعضاء من التيار القومي - الديني. اما الأمين العام لحزب الأمة الإيرانية فروهر والذي كان عضواً في الحكومة الموقتة التي تشكلت بعد الثورة، فقد تم اغتياله ضمن مسلسل الاغتيالات الذي طاول بعض المثقفين والمعارضين السياسيين في العام 1998 وما بعدها. 6- حركة المسلمين المناضلين تعتبر هذه الحركة انشقاقاً داخل "حركة تحرير الشعب الإيراني - غاما" وتضم مثقفين وجامعيين ولها توجهات قومية. 7- حزب الأمة الإيرانية الأرضية التي خرج منها هذا التشكل هي مجتمع طهران وطبقة الطلاب والمثقفين المنتمين الى الجيل الماضي. مؤسسو هذا الحزب اصحاب توجهات وطنية، وانتقلت هذه التوجهات التي قسم من الطلاب الجامعيين الذين شكلوا تياراً طلابياً تحت هذا الاسم ويحمل الشعارات نفسها. وفي الوقت الحالي، يدعو هذا الحزب الى الPan Iranism وتوجهاته مشابهة للتوجهات الوطنية الاجتماعية الغربية. 8- القوى القومية - الدينية مجموعة ايران الغد نشأت هذه المجموعة في جامعات ايران، وأكثر المنتمين إليها من الأساتذة والطلاب ورجال الدين المثقفين والمجددين، ويقوم البناء الفكري لهم على شعاري القومية والدين الوطنية، ويتهم هذا التيار بأنه يدعو الى إقامة دولة علمانية، يفصل فيها الدين عن الدولة. اما سبب إطلاق اسم ايران الغد على هذا التجمع، فيعود الى علاقة ناشطيه بمجلة ايران الغد الشهرية التي أقفلت، وكان يشرف عليها المهندس عزت الله سحابي الموجود الآن في السجن بتهمة الإعداد لقلب النظام.