منذ انتصارها مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، لم تفشل الولاياتالمتحدة في تحقيق اي من اهدافها الاستراتيجية في العالم. ورغم ان الانتصارات لم تكن "نظيفة"، بل كان بعضها مكلفاً جداً، كما في فيتنام، غير ان اميركا انتصرت في النهاية على الشيوعية التي كانت هدف حربها الاساسي في تلك الحقبة، كذلك في الشرق الاوسط اذ تمكنت وحلفاءها من احتواء الثورة الايرانية التي هددت مصالحها الحيوية النفطية، ومن ثم احتواء العراق الذي اراد فرض نفوذه على المصالح ذاتها بعد "انتصاره" على ايران. وربما اعتقدت واشنطن ان تدمير العراق ومحاصرته بعد حرب الخليج الثانية اغلق ملف التهديدات لمصالح الاميركية في المنطقة، خصوصاً ان مصالحها التقت مع مصالح حلفائها الذين رأوا في ايرانوالعراق تهديداً لمصالحهم إن لم يكن لوجودهم أيضاً. بيد ان السنوات الاخيرة من عهد ادارة الرئيس بيل كلينتون شهدت تراخياً اميركياً في المنطقة، من اهم اسبابه التركيز على ايجاد تسوية سلمية للصراع العربي - الاسرائيلي، الامر الذي حال دون تنفيذ سياسات اميركية اكثر حزماً تجاه الحفاظ على التوازن القائم في منطقة الخليج، وساهم تعثر التسوية السلمية في اضعاف القبضة الاميركية على العراق، الذي بدأ يكسر عزلته السياسية معتمداً على التعاطف العربي والدولي مع شعب العراق، وشبكة المصالح الاقتصادية التي اعاد بناءها مع دول المنطقة والعالم. في هذا الاثناء كان نظام طالبان الافغاني يعزز نفوذه في باكستان من خلال اختراق المؤسسة الامنية والعسكرية في شكل خلف تداخلاً في المصالح الاقليمة بين البلدين على حساب العلاقة الاميركية - الباكستانية، وتبين لواشنطن ان الاحتواء الباكستاني لطالبان تحّول احتواء متبادلاً بين نظام اسلامي متطرف ودولة اسلامية تملك قدرات نووية تم اختبارها ليصبح الخطر مضاعفاً بالنسبة الى المصالح الاميركية الاستراتيجية في منطقة تحتوي 70 في المئة من احتياطي النفط في العالم. حتى قبل احداث 11 ايلول سبتمر، كان واضحاً ان النفوذ الاميركي في العالم في انحسار، فيما تحركت القوى الراديكالية الاسلامية لتسريع "الانسحاب" الاميركي بضرب السفارتين في افريقيا والمدمرة "كول" في ساحل اليمن، وتصعيد الحملة ضد الوجود العسكري الاميركي في المنطقة. ورغم ان تفجيرات نيويوركوواشنطن تتناقض شكلاً مع استراتيجية "طرد" اميركا من المنطقة من حيث أنها تستدعي تورطاً اكبر لها كما في الحرب على افغانستان، فإن رهان منفذي تلك التفجيرات قد يكون على تعميق التورط في شكل يعمق العداء الاسلامي لواشنطن، الامر الذي قد يقود في النهاية الى مواجهة شاملة يتبعها انسحاب شامل! الاكيد هو ان الحرب على الارهاب لن تقضي عليه إن لم تؤد الى تفريخ ارهاب اكثر تعقيداً وتطوراً واستخداماً للتكنولوجيا الحديثة، تماماً كما حدث في الحرب على المخدرات. وكما ان قتل "بابلو اسكوبار" لم يقض على تجارة المخدرات في كولومبيا، لن يقضي قتل اسامة بن لادن على تجارة الارهاب. اقصى ما يمكن عمله هو إزالة الغطاء السياسي الذي تتغطى به الجماعات المتطرفة من خلال حل القضايا التي تستخدم حجة لتبرير الارهاب، وهو ما يبدو شبه مستحيل في عالمنا اليوم. من المفارقات ان افغانستان - طالبان جمعت ما بين الارهاب والمخدرات ، من دون أن يكون لأي منهما علاقة بالإسلام والارجح ان نجاح اميركا في مكافحة الارهاب لن يكون اكبر من نجاحها في مكافحة المخدرات!