أعتقد أن بن لادن شكل ظاهرة شغلت العالم طيلة أكثر من عقد من الزمن ,وبمقتله طويت حقبة مؤلمة أساءت للإسلام, استغلها أعداء الأمة لوصم المسلمين بالإرهاب, نعم هناك منصفون لكنهم قلة وهم يشيرون بأصابع الاتهام لأشخاص وليس لتعميم النظرة لجميع المسلمين, فالإسلام هو الإسلام دين الاعتدال والتسامح والسلام ولكن لاينبغي أن تُرجِع تصرفات خاطئة من قلة منهم للإسلام؟ فالإسلام لا يقاس على سلوكيات بعينها يرتكبها مسلمون .بل الإسلام هو كماورد بالقرآن والسنة ولايمكن أن يُحصر بخانة مايرتكبه المخالفون والمتطرفون والمفرطون و لايمكن أن يكونوا هم عناوين للإسلام. الغرور والإعجاب المفرط بالنفس وعدم مراعاة واقع المرء الحقيقي وإمكانياته وشرعيته هي التي تقوده للخسران. فالرسول صلى الله عليه وسلم عاد عن فتح مكة واختار الصلح مع المشركين كي يكون مستعدا ليفتح مكة بظروف أفضل وكان من نتائج ذلك دخول كثير من الناس للإسلام مماضاعف أعداد الجيش الفاتح لمكةالمكرمة , ونبيي الرحمة لم يقاتل أو يغزو إلا بعد يستنجد به المسلمون المستضعفون بالأمصار الذين نكل بهم حكامهم بحكم أنهم أقليات ببلاد لم يعتنق غالبية شعوبها الاسلام فعامل غير المسلمين بما أوحي إليه ومن لم يسلم لم يُكره على اعتناقالإسلام , فأوصى وخلفاؤه من بعده بترك أهل الكتاب الذين لايعادون المسلمين أن يمارسوا طقوسهم وفقاً لعقائدهم . كما أعفى مشركي قريش من الملاحقة بعد فتح مكة وبهذا السلوك الإسلامي السوي دخلوا الإسلام. أخلص من تلك المقدمة لأعيد للأذهان الخسارة ورداءة الأوضاع بأفغانستان التي ازدادت وتيرتها بعد امتناع طالبان عن تسليم أسامة بن لادن لاتهامه كزعيم للقاعدة التي ينتمي إليها مفجرو برجي نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأميركية بواشنط, فكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير, ومن جراء المآسي التي عانى منها الشعب الأفغاني ولايزال يدفع ضريبتها بعد أن قدمت طالبان بزعامة الملا عمر أفغانستان على طبق من فضة لأميركا عوضاً عن تسليم شخص واحد اعترف علناً بضلوعه في ما أسماه "غزوة مانهاتن" بوقت كانت للمجاهدين الأوائل الذي حرروا أفغانستان من الاحتلال السوفيتي مواقف ثأرية وعدائية "لحكومة طالبان" وذلك جراء إستحواذها على مقاليد الأمور بأفغانستان , في وقت كان الشعب الأفغاني يئن تحت وطأة حرب شرسة خاضها رفاق الجهاد من الأحزاب الأفغانية المتناحرة على السلطة. وبحكم الأمر الواقع حكمت طالبان أفغانستان بدعم باكستاني شمل التخطيط والتمويل والتسليح الأمر الذي مكن طالبان من تسلم بل انتزاع مقاليد الأمور بأفغانستان بعد هزيمتها للمجاهدين ,فبدأت في تثبيت الأمن والاستقرار النسبي ومكنها ذلك من استئصال عصابات الاتجار بالمخدرات مما حدا بأميركا أن تثنيَ على جهودها في تقليص نفوذ تجار المخدرات الذين اعتمدوا على شبكات تهريب واسعة وبكميات كبيرة , ورأوا في تعاون حكومة طالبان في الحد من زراعة الحشيش والأفيون عملاً إيجابياً استلزم دعمها وبالتالي تلقت منهامساعدات مالية لاستبدال زراعة المخدرات بمحاصيل زراعية . و حين أسرفت حكومة طالبان في كبت طموحات شرائح بعينها ؛إذ فرضت إجراءات صارمة تمنع بموجبها المرأة من التعليم , وعزلت أفغانستان عن العالم الخارجي ؛ من حظر إلإذاعات المحلية , وقنوات التليفزيون وغيرها من الإجراءات القاسية ,والمتشددة التي كانت تركز عليها لاطمئنانها أن الأمور أصبحت قيد السيطرة , الأمر الذي سمح للقاعدة من تكثيف جهوزيتها القتالية لتنفيذ عملياتها فأقامت مراكز تدريب عسكرية للقادمين من الأحداث الذين تم شحنهم من قبل منظرين وممولين غرروا بهم ووعدوهم بالفردوس ,فوفدوا إليها من مختلف الدول العربية للتدريب العسكري والأدلجة لتنفيذ مخططات تنظيم القاعدة الناشيء الذي أغرى الظواهري به بن لادن بعد أن كان الأخيريفكر بالعودة بعيد انسحاب السوفييت من أفغانستان. وكانت أحداث سبتمبر 2001م قاصمة الظهر لطالبان كون القاعدة تتخذ من أفغانستان قاعدة لها, يشار إلى أنه مع بداية حكم طالبان أن كانت باكستان ودولتين عربيتين هما السعودية والإمارات يعترفان بها بحكم الأمر الواقع ولأن المجاهدين نقضوا اتفاق مكة وأوصلوا أفغانستان لحرب أهلية من أجل السلطة رغم كل الجهود التي بذلتها المملكة لوحدة الصف الأفغاني ومن الطبيعي بعد أن هدأت الأوضاع نسبياً أن تستكمل المملكة جهودها لمساعدة الشعب الأفغاني لأن يعيش آمناً مستقرا , إضافة لاعتراف أميركا بحكومة طالبان لجهودها ببسط الأمن والاستقرار ومحاربتها لتجارة المخدرات ومن ثم خفض معدلات تصديرها لأميركا . بعد هجمات سبتمبر قررت أميركا إسقاط حكومة طالبان فالسياسة ليست لها ثوابت بقدر ماتكون وفق قانون المصالح أنى وجدت يُسعى إليها , ويُهمل ماسواها, نعم كان الملاعمر لايطيق نفوذ بن لادن ووقف بصلابة ضد موقف بن لادن الرافض لمد أنبوب النفط والغاز عبر أفغانستان للهند من دول آسيا الوسطى, ومنعه من مخططه الذي عرضه عليه لتفجيره , وكان ذلك الافتراق بين فكر بملادن والملاعمر . ومع الهجوم الأميركي الذي أفضى لاحتلال أفغانستان جراء تفجيرات نيويوركوواشنطن عام 2001م واعتراف بن لادن بالضلوع فيها عبر تسميته لها "بغزوة مانهاتن" عندها وحسب مقربين من الملا عمر أنه لم يكن يعلم بخطط بن لادن لضرب نيويوركوواشنطن بطائرات ركاب مدنية بهجومين انتحاريين بل ووجه لأسامة بن لادن لوماً قاسياً , لكن الملا عمر وحسب الأعراف الأفغانية التي تذرع بها ورفض بموجبها تسليم بن لادن بالرغم من المطالبات الأميركية وتمنيات الأمم المتجدة ومن ثم قيام التحالف الأوروبي مع أميركا الذي قاد للإنتقام من طالبان والقاعدة دون التفريق بين الجانين ,والذي أصر على إيوائه , في وقت كانت باكستان عبر مخابراتها عين على النظام الباكستاني وعين لإخضاع أفغانستان لنفوذها فهي التي دربت طلاب المدارس الدينية ببشاور ودعمتهم لإنهاء حكم المجاهدين المتصارعين على السلطة الذين نقضوا اتفاقية مكة وتقاسموا النفوذ كل بمنطقته وبحماية رجالهم القبليين واستعصاء أحمد شاه مسعود" أسد بانشير" وهو من الطاجيك, الذي تمت تصفيته واتهام بن لادن بالوقوف وراء اغتياله لاتهامه له بالعمالة لأوروبا وخاصة ألمانيا. من ثم اكتسب بن لادن عداوات أفرقاء أفغان من الأوزبك والطاجيك وكذلك الهزارة الموالين لإيران وزاد الطين بلة تعاون باكستان مع أميركا ونفض يدها ظاهرياً عن حكومة طالبان ثم بضغوط أميركية وأوروبية سمجت بفتح أراضيها لدعم الجهود الدولية لكسر شوكة طالبان والقضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان في آنٍ واحد. والتي استمرت لسنوات في تعقب بن لادن خصوصاً ورصد تحركاته ثم أخيراٍ تم كشف موقعه تمهيدا لتغييب عن الوجود, فيما بقي الملاعمر يقود طالبان لمقاومة القوات الأميركية بهدف دحرها وتحرير أفغانستان , ولم تتلطخ حركة طالبان أفغانستان بقيامها بعمليات خارج التراب الأفغاني , واكتقت بحث شقيقتها طالبان باكستان حيث تنتميان لقبائل البشتون لتوجيه ضرباتها على القوات الباكستانية والأميركية جراء تعاون باكستان مع أميركا في ضرب مناطق القبائل المتاخمة لأفغانستان بحجة تصفية قادة القاعدة وزعيمها بن لادن الذي كانت كل الدلائل التي ساقتها واشنطن بوجوده بحماية زعماء قبائل البشتون المتعاطفة مع طالبان أفغانستان التي تنمي قياداتها ومقاتليه إلى البشتون أيضاً في غير مكانها إذ اتضح أنه يقبع ببناية فخمة يعتقد أن المخابرات الباكستانية ضالعة في إخفائه منذ مايقارب أربع سنوات . السؤال هل سيتم كذلك اغتيال الملا عمر زعيم حركة طالبان ؟,أم أن أميركا ستلجأ إليه كخيار واقعي أقل كلفة ؟,مما يمهد لعقد صفقة تعجل بانسحابها من المستنقع الأفغاني , لربما تفكر أميركا بإعادة زعيم طالبان الملاعمر ليحكم أفغانستان بعد تهيئته وإعادة تأهيله ليحل مكان الرئيس الأفغاني الحالي حميد قرضاي الذي يعتبره الأميركيون رئيساًضعيفا ساهم في استشراء الفساد في لاده , كما هو حال رئيس المحاكم الإسلامية الذي أصبح رئيساً للصومال والذي اختار نهج الاعتدال . بذلك ستنحسر عمليات حركة طالبان " باكستان" وتلتقط إسلام أباد أنفاسها وستخف من موجة الغضب الشعبي الباكستاني الضاغط على الحكومة الباكستانية بفك تحالفها مع أميركا وستمكن أوباما من الخروج من بأقل الخسائر من أفغانستان ويصبح أوباما بموقف قوي ليُعاد انتخابه لولاية رئاسية ثانية.