يدرك من يقرأ سيرة رحبعام زئيفي، والذي أفاضت الصحف وحتى الاسرائيلية في الحديث عن انجازات تطرفه، بعد اغتياله، ان الرجل يمثل نموذجاً صافياً للأصولية الصهيونية المتطرفة. وهو يرمز الى ذلك الرعيل الأول الذي قاتل بشراسة في التشكيلات العسكرية الأولى للصهيونية في الأربعينات من القرن الماضي من اجل قيام دولة اسرائيل، والتي لم تكن لتنشأ لولا عمليات طرد الفلسطينيين من ارضهم بشتى انواع الارهاب وفصوله المعروفة. وفي وقت تدعو "معاريف" وتعليقات صحافية اخرى في اسرائيل الى معاملة رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات كما تُعامل اميركا "طالبان"، في الرد على نجاح الجبهة الشعبية في تنفيذ العملية، فإن المزاج الشعبي والسياسي الاسرائيلي يبدو غير قابل للتوقف لحظة امام اي نوع من الأسئلة. هكذا... كأن أحد القادة التاريخيين في حركة التحرير الفلسطينية، أبو علي مصطفى، توفي قضاء وقدراً. فالمنحى التصعيدي الذي يتحكم بالمزاج الاسرائيلي، الشعبي والسياسي ما زال يطغى، وبدلاً من ان يشكل اغتيال زئيفي صدمة في اسرائىل بعد الحديث الاميركي والبريطاني عن وجوب قيام الدولة الفلسطينية، بدا انه محطة اخرى تشحذ همّة آرييل شارون، الى حد تهديده بإزالة عرفات من الوجود. وواقع الأمر ان الاسرائيليين لا يزالون يعيشون التداعيات السلبية لصدمة اغتيال اسحق رابين في العام 1995، على يد التطرف اليهودي، الذي اخذ يحقق التقدم تلو التقدم منذ حينه، الى الحد الذي جعل حزب "العمل" بقيادة ايهودا باراك يمعن في تقويض التسوية السلمية ببنائه العدد الاكبر من المستوطنات، قياساً الى ما بناه حكم اليمين ايام بنيامين نتانياهو واسحق شامير. ولعل هذا المنحى ضمن الرأي العام الاسرائيلي هو الذي يفسر شكوك الكثيرين، من العرب، في مقابل تفاؤل بعضهم، بأن الولاياتالمتحدة وأوروبا ستتجهان نحو السعي الجدّي الى ايجاد حل للقضية الفلسطينية، بعد ادراك قادة الغرب ان الفوز بمكافحة الارهاب صعب من دون قيام الدولة الفلسطينية. ولأصحاب الشكوك مبرراتهم المقنعة. فالعودة الى العملية السلمية لن تكون بسحر ساحر بعد ان انتخب الاسرائيليون من يعدهم بإنهاء الانتفاضة، بأكثرية قلّ نظيرها. بل ان هذه العودة تتطلب عملية سياسية اخرى لا تقل تعقيداً عن عملية السلام نفسها، وهي إحداث تغيير في التركيبة السياسية الحاكمة في اسرائيل، وفي المجتمع الاسرائيلي نفسه لجعل الرأي العام الاسرائيلي يتقبّل فكرة "حق" شعب آخر. فمن غير المنطقي ان تتصور واشنطن وأوروبا إمكان حصول تسوية بين عرفات وشارون، على رغم ان الاخير خضع نسبياً، لضغوط تخفيف الحصار وإجراءات القمع ضد الفلسطينيين. إلا ان إضعاف شارون المتطرف، يتم لمصلحة الأكثر تطرفاً، أي لمصلحة زئيفي نفسه، الذي استقال من الحكومة قبل يومين من اغتياله، مع ممثل حركة "شاس"، احتجاجاً على "تهاون" رئيس الحكومة، ولمصلحة الأكثر تشدداً في "ليكود" نفسه، الذي يدعو بعض رموزه الى اجتماع قيادته من اجل محاسبة شارون على "تنازلاته" بتخفيف الحصار... وهذه كلها مؤشرات، إذا أضيفت اليها حقائق اخرى حول نمو النزعات المتشددة سواء ضمن المهاجرين الروس، وفي حزب "العمل"، تجعل حتى أي مراهنة غربية على انتخابات مبكرة في اسرائيل في سياق العملية السياسية الهادفة الى تعديل التركيبة الحاكمة، مخاطرة كبرى، لن تقود الى نتائج على صعيد عملية السلام، إذا نجحت إعادة اطلاقها. فالاسرائيليون في حاجة الى صدمة سياسية، تغيّر في اتجاهات الرأي العام في صفوفهم، كي يعترفوا بحقوق الفلسطينيين، وهي صدمة لن تأتي إلا من اميركا وأوروبا، حتى يستفيقوا، ويتخلّوا عن افكار زئيفي عن "أرض اسرائيل".