لن تُقرأ هذه السطور حتى يكون شهر ايلول سبتمبر قد مضى، فقد خفت ان أكتب فيه فأستفزه، ليوقع مزيداً من الخسائر في الأرواح والممتلكات والأسهم. الإرهاب الذي تعرضت له الولاياتالمتحدة غير مسبوق، وكذلك سقوط البورصة، فمؤشر داو جونز هبط 684 نقطة في يوم واحد وحوالى 1300 نقطة في اسبوع، كان الأسوأ على الإطلاق. وخسر مؤشر نازداك لأسهم التكنولوجيا 14 في المئة من قيمته في الأسبوع نفسه، واستردت البورصة بعض عافيتها قبل نهاية الشهر من دون ان تتعافى تماماً. والمشكلة انه عندما تسعل بورصة نيويورك تصاب الأسواق العالمية بزكام، وقد خسر مؤشر داو جونز في اسبوع 4،1 تريليون دولار، وبلغ مجموع الخسائر 1،3 تريليون. وإذا كانت أسواق اليابان وأوروبا خسرت مبالغ أقل فذلك لمجرد انها اقل قيمة من السوق الأميركية. والخسائر المالية تهون لأنها لا يمكن ان تعوض، ولكن خسارة الأرواح البريئة كارثة يبقى اثرها مع الأهل والأصدقاء سنوات طويلة. كان على الأميركيين ان يلزموا الحذر مع ايلول مثلنا، فعندنا تسمية "أيلول الأسود" من المواجهة بين المنظمات الفلسطينية والسلطات الأردنية سنة 1970. والواقع ان كل شهر عربي اسود، إلا انني أبقى مع ايلول وحده، بعد ان سبق الجميع، بما في ذلك تموز يوليو شهر الثورات العربية، أو الانقلابات إذا شئنا الدقة. في 14 ايلول 1967 انتحر المشير عبدالحكيم عامر، او انتحروه، وفى أول ايلول 1969 وقعت ثورة "الفاتح" في ليبيا، وفي 28 ايلول 1970 توفي الرئيس جمال عبدالناصر، وفي 14 ايلول 1982 اغتيل الرئيس بشير الجميل، وهو اليوم نفسه الذي توفيت فيه الأميرة غريس كيلي في حادث سيارة. وأحيينا هذه السنة الذكرى التاسعة عشرة لمجزرة صبرا وشاتيلا، في 17 منه، والذكرى السنوية الأولى لانتفاضة الأقصى المباركة في 28 منه. والموضوعان واحد. فوراء مجزرة صبرا وشاتيلا السفاح آرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل الذي كان وزير الدفاع في حينه، وسبب انتفاضة الأقصى تدنيس مجرم الحرب هذا الحرم الشريف بزيارته في 27 ايلول من السنة الماضية. ونعرف ان شارون استغل انشغال العالم بالإرهاب في الولاياتالمتحدة فارتكب مجزرة في جنين، وقتل الناس في أريحا ورام القدس، وحيث استطاع. واليوم نقول ان من اسباب كره السياسة الأميركية انحيازها الكامل لإسرائيل، ثم نقول ان من واجب العالم كله مساعدة الولاياتالمتحدة على استئصال شأفة الإرهاب في كل مكان، وهذا يعني إسرائيل إضافة الى اسامة بن لادن وقاعدته في افغانستان. والشيء بالشيء يذكر، ففي ايلول 1990 خطب جورج بوش الأب في جلسة مشتركة للكونغرس، وأعلن العزم على تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وفي أيلول 2001 خطب جورج بوش الابن في جلسة مشتركة للكونغرس وأعلن الحرب على الإرهاب. ويبدو ان العرب الذين ايدوا بوش الأب يؤيدون اليوم بوش الابن، فالقضاء على الإرهاب واجب العالم المتحضر كله، وواجب المسلمين قبل غيرهم، لأن الإرهابيين أساؤوا الى دين التسامح واليسر، وإلى أمة وسط تنبذ الإرهاب، وتقول "انه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعاً...". الإرهابيون قتلوا الأبرياء في 11 ايلول، وصدق نوستراداموس مرة اخرى، فذلك اليوم الرهيب لم ينقض حتى كنت أتلقى بالبريد الإلكتروني نصاً ينسب الى هذا الفلكي والعالم الفرنسي الذي عاش في القرن السادس عشر قوله انه "في السنة الأولى من القرن الجديد وتسعة اشهر يهبط ملك الرعب من السماء وتشتعل السماء بزاوية 45 درجة، ويحدث انهيار هائل في مدينة يورك، فيدمر الأخوين التوأمين الفوضى، ويعلن الزعيم العظيم الحرب الثالثة فيما المدينة تحترق...". نوستراداموس قال إن الحرب الثالثة ستكون اكبر من الحربين الأولى والثانية، وشخصياً لا أصدق شيئاً من كلامه، بل لا أصدق انه قاله، وإنما أنشره لأنه متداول وهناك من يصدقه. وكنت مرة اشتريت كتاب نبوءات نوستراداموس ووجدت انه يتحدث بالرموز، وبلغة قارئة الفنجان، اي على طريقة "بعد 3 اشارات، قدامك طريق..." وهكذا. ما أعرف هو ان طياراً انتحارياً صدم البرج الشمالي من مركز التجارة العالمية بطائرة شركة اميركان ايرلاينز في الرحلة 11، في 11 ايلول، والأميركيون كانوا يصفون البرجين بعبارة "الأحد عشر الكبير" لأن شكلهما كالعدد 11 بالعربية والإنكليزية. هل هناك رمز في هذه الصدف؟ ربما طلع علينا احد غداً بنبوءة مزعومة اخرى لنوستراداموس تربط هذه الأحداث والأرقام بعضاً ببعض. شخصياً أنا من رأي الشاعر الذي قال "خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به"، فالمنجمون كذبوا ولو صدقوا، وما أعرف يقيناً هو ان ثورة الفاتح من سبتمبر وقعت، كما يدل اسمها في اول الشهر، وأن أول سبتمبر الماضي شهد بطولة لحم الماعز المشوي في بلدة برادى، بتكساس، ولاية الرئيس بوش. غير انني ألزم الحذر فلا أربط هذه بتلك.