«وحشي وعبقري»، «ديغول إسرائيل»، «الرجل الذي أخضع الإرهاب»، «الاسم الأبرز في حرب لبنان الأولى ومجزرة صبرا وشاتيلا» و «صاحب العمليات المثيرة للجدل من عملية قبية عبر ممرات المتلا والجدي في سيناء وحتى احتلال بيروت»... صفات ترددت في إسرائيل، خلال تسجية جثمان ومراسيم دفن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، أرئيل شارون، المعروف في العالم العربي ب «السفاح». فالإسرائيليون أيضاً محتارون حول هذا الرجل. من جهة يرون الغطرسة الإسرائيلية في شخصيته وسياسته، ومن جهة ثانية يرون البطل ليس فقط في الحرب بل أيضاً في السلام (يقصدون انسحابه من قطاع غزة)، ويرونه بطلاً حتى في الصمود ثماني سنوات في العيش بغيبوبة. وسائل الإعلام، المرئية والمكتوبة والمسموعة، أبرزت ذلك الجانب الذي ميزه عن غيره من القادة الإسرائيليين، أولئك الذين لم يختلفوا عنه بجرائمهم تجاه الفلسطينيين والعرب ولكنه تفوق عليهم في سياسته الاحتلالية في لبنان، خلال حرب 1982، وفي مجزرة صبرا وشاتيلا. وأبرزت وسائل الإعلام، كراهية المجتمع الدولي لشارون في غالبية عهده، وكراهية المستوطنين له لأنه أقدم على إخلائهم من قطاع غزة، بعد قرار الانسحاب الذي اتخذه وسجل واحدة مما أسماها الإسرائيليون «القرارات الجريئة». ولم يتردد البعض في ترحيبهم بأنه لم يبقَ حياً بينهم حتى لا يتخذ قرارات شبيهة في الضفة الغربية. ولكن ما بين هذا والتأكيد أنه الرئيس الذي سجل لإسرائيل مكانة مهمة، من حيث القدرات والقوة العسكرية، بقي شارون الرئيس صاحب الشخصية البالغة الأهمية. فكيل المدائح له خلال تناول تاريخه، كان سيد الموقف، حتى رأى البعض أن غيابه عن الساحة السياسية جعل إسرائيل تفتقر إلى قيادة تعترف بحدود القوة وتحافظ على التحالف مع الولاياتالمتحدة. وفي هذا الجانب رأى الإسرائيليون أن شارون، ولحرصه على التحالف مع الولاياتالمتحدة، لم يجرؤ على سياسة شبيهة بسياسة نتانياهو تجاه إيران الذي يهدد بقصفها ويتعامل بوقاحة فظة مع السياسة الأميركية، كما لو كانت إسرائيل هي القوة العظمى وأميركا تخضع لرعايتها، ولم يجرؤ على سياسة أفيغدور ليبرمان الذي بحث عن حلفاء غيرها. ويقول في هذا الجانب، الصحافي جدعون ليفي: «لم يكن شارون يجرؤ على فعل ذلك. فلقد فهم أنه من دون دعم الولاياتالمتحدة، لا مستقبل لإسرائيل، تماماً كما فهم أن اعتمادها على سلاحها وجيشها لم يعد يكفي... فشارون، وزير الحروب، والمستوطنات والاحتلال الذي اعتبره الحل النهائي بالنسبة لإسرائيل – ومن هذه الناحية يعتبر وزير التاريخ تقريباً - أدرك بعد تأخير مصيري أنه من المستحيل مواجهة العالم كله والاعتماد على «القبة الفولاذ»، وأنه لا يمكن الاستهتار بالولاياتالمتحدة. ربما يكون قد أدرك في نهاية حياته جرائمه في لبنان، أيضاً، لكنه فهم أن احتلالات إسرائيل أضعفتها. وقد فهم ذلك في شأن قطاع غزة، على رغم أنه حاول قبل ذلك ببضع سنوات فقط الإقناع بأن الانسحاب منها سيؤدي إلى كارثة»، على حد قول ليفي. وفي نظر الإسرائيليين فإن شارون وخلافاً لشخصيته المتهورة كان اتخذ خلال وجوده في السلطة قرارات حذرة ونفذها بعد ضمان دعم الجمهور وواشنطن. هكذا، خرج متأخراً لتنفيذ عميلة «السور الواقي» بهدف وقف الهجمات. وهكذا، وافق على إنشاء الجدار الفاصل، خلافاً لمواقفه السابقة. وهكذا، أخلى المستوطنين من قطاع غزة، وامتنع عن مهاجمة المنشآت النووية في إيران وفضل عمليات الاغتيال الهادئة ل «موساد». وقد حدد قراره إخلاء مستوطنات غوش قطيف (في قطاع غزة)، والذي يعتبر ميراثه السياسي، سابقة مهمة تبين أن المستوطنات ليست أبدية. من الهاغانا حتى مجزرة صبرا وشاتيلا الروح الحربية والقسوة تجاه الفلسطينيين والعرب، نشأت لدى شارون وهو في عمر ال14 عاماً، لدى انضمامه إلى جماعة «الهاغانا»، ثم تعيينه قائداً لكتيبة في لواء إسكندروني. بعد انتهاء حرب ال48 عين قائداً لوحدات عسكرية عدة حتى أنشأ وحدة الكوماندوس «101» التي عرفت بالوحدة الأبرز والأشهر في عملياتها في «أرض العدو»، ووصف بصاحب الطرق الحربية الذكية والقائد الشجاع. في بداية الستينات بدأ شارون بدراسة القانون إلى جانب خدمته العسكرية، وبعد أشهر قليلة من ترقيته إلى منصب جنرال وقعت حرب الأيام الستة، وحقق مجداً بعد قيادته للمعارك في أم القطف وأبو عجيلة في سيناء، كقائد لوحدة المدرعات 38. وفي 1973 اضطر شارون إلى الاستقالة من الجيش بعد تعيين دافيد بن أليعزار قائداً عاماً للجيش، واشترى 4000 دونم في النقب، أقام عليها مزرعة «هشكاميم» التي قضى فيها غالبية سنوات غيبوبته إلى حين نقله إلى مستشفى للعلاج. وأبرز ما تناولته وسائل الإعلام كان دور شارون في حرب لبنان عام 1982. واستذكرت صحيفة «هآرتس» تلك الفترة بالقول: «إثر محاولة اغتيال السفير شلومو أرغوف في لندن، أقنع شارون رئيس الحكومة (مناحيم بيغن) بشن «حملة محدودة» على لبنان، لإبعاد «قواعد المخربين» عن الحدود، على حد تعبير الصحيفة الإسرائيلية، وكان مقرراً أن تستغرق حرب «سلامة الجليل» 48 ساعة، كما وعد الحكومة، يصل الجيش خلالها إلى مسافة 40 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية. لكن تلك الحملة تحولت إلى حرب لبنان التي حارب خلالها الجيش الإسرائيلي الجيش السوري والقوات الفلسطينية والتنظيمات المحلية، فغاصت إسرائيل طوال 18 عاماً في لبنان. واتهم شارون بتضليل بيغن ووزراء الحكومة وعدم إشراكهم في خطة «الترتيبات الجديدة» في لبنان. ووصل الجيش إلى بيروت وتعاون مع الكتائب بقيادة بشير الجميل. وفي أيلول (سبتمبر) 1982، بعد يوم من مقتل الجميل، سمح شارون بدخول ميليشيا لبنانية إلى مخيمي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا غرب بيروت، فقتلت المئات من سكانهما، واتهمت إسرائيل بالمسؤولية عن المجزرة، وأجبرت التظاهرة الضخمة التي جرت في ساحة ملوك إسرائيل في تل أبيب، الحكومة على تشكيل لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العليا يتسحاق كاهان، وحملت اللجنة المسؤولية غير المباشرة عن المجزرة لشارون، فاضطر إلى الاستقالة من وزارة الأمن وبقي وزيراً بلا حقيبة». وتحت عنوان «ميراث شارون» كتبت الصحيفة تقول: «لقد صنع شارون لنفسه قانونه الخاص في إنجازاته وإخفاقاته، استهتر بالمسؤولين عنه وكذب في تقاريره، وكانت كراهيته للعرب وتحقيره للساسة الإسرائيليين من ميزات مسيرته السياسية التي بدأت بمبادرته إلى تأسيس «ليكود» في 1973. وكان شارون راعياً للمستوطنين وملأ الضفة الغربية وقطاع غزة بعشرات المستوطنات المضرة والزائدة. عارض اتفاقيات السلام التي وقعتها إسرائيل مع جاراتها، وأدت زيارته إلى الحرم القدسي في صيف 2000 إلى تفجير الانتفاضة الثانية. ودأب في حياته على الوعظ بما سمعه من أمه «لا تصدق العرب». ولكن، منذ تحقيقه حلمه وانتخابه رئيساً للحكومة تغير نهجه، فعندما ألقيت المسؤولية على عاتقه تمسك شارون بحدود القوة وأولى اهتماماً كبيراً لضمان الدعم الأميركي لإسرائيل، وامتنع عن عمليات كان من شأنها تهديد هذا الدعم. وفي التطرق إلى سياسته الحربية كان ملفتاً القول إن طريقه العسكري والديبلوماسي والسياسي استند إلى شهوة القوة الجامحة وشجاعته. ولكنه فهم أن القوة العسكرية التي قامت على أساسها إسرائيل، لا يمكنها تأمين مستقبلها، فإسرائيل لا يمكن أن تعيش إلى الأبد على حد السيف، وقد فهم شارون ذلك ولكن بتأخر يائس. فهم أنها لن تستطيع الاحتفاظ بتفوقها العسكري إلى الأبد. ديغول ورمز العدوان في تحليل مسهب لتاريخ شارون وشخصيته وصفه البروفيسور شلومو أفنيري ب «بلدوزر المستوطنات»، واعتبره رمز العدوان الإسرائيلي وكتب: «تحول عضو «الهاغانا» الشاب من «كفار ملال» إلى قائد عسكري كبير، إلى متبحر في العدوان الإسرائيلي الذي انعكس في قرار شن حرب لبنان الأولى. هكذا، تحولت إسرائيل من دافيد الذي يواجه غوليات، إلى قوة عسكرية إقليمية. ولكن شارون فهم لاحقاً، كما فهمت إسرائيل كلها حدود القوة والأخطار الكامنة فيها. وعندما أذهل شارون أعضاء «ليكود» قبل فك الارتباط عن قطاع غزة، بقوله إن استمرار السيطرة الإسرائيلية على الأراضي سيئ ليس فقط للعرب ولكن لليهود أيضاً - كان من الواضح أن الرؤية الواقعية تغلبت ليس فقط على أيديولوجية المشروع الاستيطاني وإنما، أيضاً، على نشوة القوة التي ميزت إسرائيل بعد عام 1967. واتضح أن جدلية السياسة القاسية، تسمح بالذات للشخص اليميني بتنفيذ ما لم يشأ اليسار عمله، لكنه لم يملك القدرة على ذلك». وفي تشبيهه بالجنرال الفرنسي شارل ديغول قيل: «لقد رغب الاشتراكيون الفرنسيون بالخروج من الجزائر، لكنهم لم يستطيعوا حشد الغالبية المطلوبة لذلك. ولكن ديغول الذي وصل إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري (لم يكن بالإمكان حدوث ذلك في إسرائيل) تحت شعار «الجزائر فرنسية»، كان الرجل الذي وضع حداً ل130 عاماً من الحكم الفرنسي في الجزائر، وقاد إلى اقتلاع أكثر من مليون مستوطن. في هذه الأيام، وفق مقوّمي شخصية شارون، سيتزايد عدد الذين سيناقشون إرث شارون المركب: «من المؤكد أن المشروع الاستيطاني في الضفة يصعّب عملية التفاوض، ولكن فك الارتباط عن غزة يشير إلى الخطوة الوحيدة الممكنة: قيام إسرائيل بخطوات مؤلمة، حتى في غياب اتفاق مع الفلسطينيين، للحد من سيطرتها عليهم، مع الحفاظ على أمنها ووجودها كدولة يهودية». محطات في سيرته معارضته مبادرة وزير الدفاع، اسحق رابين، للانسحاب إلى الحزام الأمني في جنوبلبنان. اقتراح إقامة دولة فلسطينية في الجهة الشرقية من نهر الأردن. وقبل انتخابات 1988، اقترح ضم أجزاء من الضفة إلى إسرائيل. شكل مع دافيد ليفي ويتسحاق موداعي الثلاثي المعارض لشامير داخل الليكود. عام 1990 استقال شارون من الحكومة بعد الليلة التي عرفت باسم «ليلة الميكروفون» والتي قام خلالها شارون باختطاف الميكروفون في اجتماع لمركز حزب الليكود وطالب الحضور بالتصويت مع القضاء على الإرهاب. وعاد إلى حكومة شامير بعد انسحاب حزب العمل من الحكومة وتسلم منصب وزير البناء، فبادر إلى إنشاء الكثير من مواقع الكرفانات من دون تخطيط وترخيص لاستيعاب المهاجرين اليهود من إثيوبيا ودول الاتحاد السوفياتي. بعد عودة رابين وبيريز إلى السلطة بين 92 و96، بقي شارون في المعارضة، وتصدى بشدة لاتفاقيات أوسلو وطالب بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، وشارك في العديد من التظاهرات الفظة التي سبقت اغتيال رابين، وكان يقف على المنصة عندما كان المتظاهرون ينعتون رابين بالخائن. عام 2000 صعد إلى الحرم القدسي ليعلن «حق اليهود بالصلاة فيه»، وتسبب باندلاع الانتفاضة الثانية، التي بدأت بأحداث «القدس والأقصى»، داخل الخط الأخضر والتي قتل خلالها 13 مواطناً عربياً بنيران الشرطة. وفي شباط (فبراير) 2001 جرت انتخابات مباشرة لرئاسة الحكومة، من دون انتخاب كنيست جديد، فهزم شارون ايهود باراك، ودعا حزب العمل للانضمام إلى حكومة برئاسته، وتم تسليم شمعون بيريز منصب وزير الخارجية، وبنيامين بن اليعزر منصب وزير الأمن. وتحتم على حكومة شارون مواجهة موجة العمليات الفلسطينية، التي اجتاحت المدن الإسرائيلية، فصادق شارون على سياسة الاغتيالات وعمليات عسكرية واسعة ك «السور الواقي» والتي أعيد خلالها احتلال مدن الضفة الغربية ومحاصرة مقر القيادة الفلسطينية في رام الله. في أيلول (سبتمبر) 2001 أعلن لأول مرة حق الفلسطينيين بدولة مستقلة غرب نهر الأردن، وصادقت حكومته بتحفظ على خريطة الطريق التي رسمها في حينه جورج بوش. وبعد انتخابات 2003 بدأ شارون بتطبيق خطته السياسية، وشملت خطة الانفصال التي أعلنها في أواخر 2003، وإخلاء مستوطنات قطاع غزة، وأربع مستوطنات في شمال الضفة وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة. واستقالت عدة كتل يمينية من الحكومة احتجاجاً على الخطة، ورفضها أعضاء الليكود، لكن شارون تمكن من تمرير الخطة في الحكومة والكنيست، بمساعدة حزب العمل الذي عاد إلى الحكومة. وتم تنفيذ الخطة في آب (أغسطس) 2005، خلال ثمانية أيام، على رغم الحملة التي شنها المستوطنون واليمين والمتمردون في الليكود.