تبدأ صالات السينما الأوروبية عرض فيلم "عديمو الإيمان" من اخراج النروجية ليف أولمان، والنص للمسرحي والسينمائي الكبير انغمار برغمان الذي أهداه الى زوجته السابقة أولمان لتتصرف به كما تشاء من دون أن يتدخل في تفاصيل الاخراج. ولكن لا يكفي أن يكون المخرج زوجة سابقة لصانع الصور برغمان حتى تنجح في عمل ما، ولو كان نص العمل السينمائي هذا مقتبساً من الواقع وبالتحديد من واقع حياة المخرج برغمان الذي كتب نص الفيلم منذ زمن طويل، لكنه لم يتصرف به لأسباب مجهولة. الفيلم دراما ثلاثية تدور احداثها بين المخرج المسرحي "دافيد" الفاشل في حياته الزوجية وكذلك في عمله، و"ماريان" المرأة الجميلة التي تربطها علاقة صداقة قديمة بدافيد، وبين زوج ماريان الموسيقي "ماركوس" الذي أصبح على أبواب الشهرة العالمية في مجال الموسيقى والذي يحب زوجته، ولهما ابنة في التاسعة من العمر، وصديق العائلة دافيد. لكن علاقة ماريان بدافيد تتطور لتصبح علاقة حب جارفة تدفعهما الى المغامرة بكل ما يملكان من أجل أن يلتقيا على مقعد واحد، في مقهى واحد، وفي الفندق نفسه، وحتى في السرير نفسه، فقط من أجل إشباع رغبة الحب العمياء التي تجتاحهما. تبقى علاقتهما تتمتع بسرية تامة طويلاً. ولكن في أحد الأيام تقرر ماريان ان تسافر الى باريس لتمضية فترة من الراحة وتتفق مع حبيبها دافيد على أن يلتقيا هناك، وتختار أن تقول لزوجها إن صديقهما ذاهب أيضاً الى باريس وبهذا يمكنهم أن يلتقوا جميعاً هناك ليتمتعوا بجمال عاصمة الحب. لكن ماركوس الذي يدب الشك فيه، خصوصاً بعد أن يتلقى رسالة من صديق تقول ان زوجته تخونه مع صديقه دافيد، يتركهما يسافران من دونه الى باريس ويعتذر عن عدم مرافقتهما بسبب "ارتباطات موسيقية" في اميركا. هدف ماركوس كان أبعد من ذلك، فهو أراد أن يتأكد هل صحيح أن هناك علاقة حب تربط زوجته بصديقه؟ وأراد لتلك العلاقة التي يسميها في الفيلم "ولعاً موقتاً" ان تنطفئ لأنها، كما يعتقد، مثل الكثير من العلاقات تأتي في سرعة وتنتهي في سرعة، وبهذا يريد أن يتجنب المشكلات العائلية. لكن دافيد وماريان يستمران في علاقتهما حتى انها تصبح أقوى بكثير بعد عودتهما من باريس. وفي أحد الأيام يقرر ماركوس الذهاب الى شقة دافيد أثناء وجود ماريان هناك كي يثبت لهما انه على علم بالعلاقة. ينفصل ماركوس عن ماريان التي تنتقل بدورها الى بيت دافيد ويبدأ الصراع على حضانة ابنتهما ايزابيلا التي تقع ضحية نزاع نفسي عميق بين أهلها من جهة وعشيق والدتها من جهة أخرى. تصدر المحكمة قراراً يعطي ماركوس حق الحضانة الكاملة، لكن شعوره بصعوبة الخيانة يدفعه الى الانتقام من زوجته السابقة. وفي وقت متقدم من احدى الليالي يرن هاتف ماريان وينبعث صوت ماركوس هادئاً يقول لها إنه يريد أن يصل الى حل سلمي معها إكراماً لطفلتهما، لذا يريد أن يقابلها على انفراد لمناقشة الأمر. مطلبه الوحيد من ماريان كي يعطيها حق الحضانة، ان تشاركه السرير للمرة الأخيرة... وينال مبتغاه. بعد عودتها في آخر الليل تعترف لعشيقها انها ضاجعت ماركوس فيصب كل غضبه عليها، وتقع ماريان ضحية عنف نفسي يرهقها. لكن العنف ذلك يمتد الى ماركوس الذي يتمتع بمشاعر حساسة جداً، وبعدها يجد أن كل الذي حدث أكبر من أن يتحمله فينتحر. تختار المخرجة ليف أولمان أن يكون لبرغمان دور في الفيلم، فهو في الأساس دافيد الذي يكون على علاقة حب مع ماريان، فتجعل احد الممثلين الذي يأخذ دور برغمان المتقدم في السن، يروي القصة بتفاصيلها، فيدخل بين الحين والآخر على الحوار الرئيسي للفيلم ليروي تفاصيل أحداث معينة ثم تنتقل عدسة الكاميرا الى واقع الفيلم مجدداً لتظهر استمرار الأحداث. وبهذا يأخذ الفيلم شكلاً ليس بجديد، لكنه ممل بعض الأحيان، لأنه يحد من الديناميكية في سرعة الأحداث. والحركة البطىئة تظهر عوارضها من أول العرض، إذ لا يعرف المشاهد ما هو دور دافيد ومن هي ماريان ومن يكون ماركوس بالنسبة الى ماريان، ولا يدري أن الرجل الكبير الذي يروي القصة هو دافيد أي برغمان، إلا بعد مرور 35 دقيقة على عرض الفيلم. وهذا وقت لا يستخدم إلا في المسلسلات التلفزيونية التي لا تنتهي، وبهذا تخرق أولمان العرف السينمائي الذي يقول ان على الفيلم أن يجذب انتباه المشاهد ويعطيه فكرة عن مضمونه خلال دقائقه الخمس أو العشر الأولى. ان اختيار المخرجة أولماً صوراً مقربة لأوجه الممثلين يتعب نظر المشاهد بسبب كثرة تلك الصور. فهي لا تعطي مسافة للصور خارجية وتختار ان ينجز أكثر من 80 في المئة من التصوير داخل المنزل وبهذا تحرم المشاهد صوراً خارجية كانت ستبدو متميزة في فيلم كهذا، خصوصاً ان احداثه تدور في أماكن رائعة الجمال، مثل العاصمة ستوكهولم وجزيرة فارو السويدية وفي باريس حيث كان ممكناً إظهار مناظر خلابة تريح نظر المشاهد وتضفي تنوعاً على صور الفيلم الذي تمتد أحداثه أكثر من ساعتين ونصف الساعة. كان فيلم "عديمو الإيمان" مرشحاً لجوائز عدة في مهرجان "كان" السينمائي، إلا أن الحظ لم يكن الى جانب أولمان التي من الواضح انها بذلت جهداً كبيراً لإيصال مضمون نص سينمائي رائع لبرغمان فأخفقت في ذلك بطريقة سينمائية جيدة، لأسباب منها تقني، ومنها ابداعي. وبهذا قتلت نصاً مضمونه من أروع ما يكون، بسبب تلك الأخطاء. وأولمان التي تعبت من بعض الصحف التي ألقت الضوء على اسم برغمان في الفيلم ونسيت اسمها، كان من المفترض بها أن تعطي النص لصاحبه ليعطيه قيمته الحقيقية بين الأفلام العالمية التي عودنا عليها برغمان...