تفتح المخرجة النروجية ليف أولمان باب أحد صالونات "غراند هوتل" في ستوكهولم وتطل بوجهها المُشرق مرحبة بصحيفة "الحياة": "انها المرة الأولى أقابل صحيفة عربية" تقول، ثم تجلس على كنبتها وهي تطرح أسئلة عن عدد سكان الوطن العربي وأديانه وعاداته. زوجة المخرج والروائي الكبير انغمار برغمان موجودة في العاصمة السويدية اكراماً لفيلمها "عديمو الإيمان" الذي يبدأ عرضه في صالات السينما قريباً. "أنا فرحة جداً ومؤمنة بالفيلم الذي أخذ من وقتنا سنتين من العمل المستمر، لذا انتظر رد فعل الجمهور عليه بشوق خال من القلق لأني مقتنعة أني أديت مهمتي في ايصال ما كنت أريد ايصاله. صورة عن حياة المخرج انغمار برغمان ممزوجة برسالة حب، وأترك الفيلم يدافع عن نفسه من دون أن أتدخل في ذلك، ثم اني مصممة، على ألا أقرأ ما سيكتبه النقاد، لأن لا دخل لي بالفيلم الآن فهو يدافع عن نفسه" تقول أولمان، قبل أن تضيف: "ان كل الأفراد في الفيلم هم انغمار برغمان"، حتى الطفلة الصغيرة هي برغمان عندما كان طفلاً. لكن شخصية برغمان المسيطرة على مضمون الفيلم أثرت بعض الشيء في دور المخرجة إذ حجب اسم برغمان اسم اولمان. فهناك نقاد كثر ألقوا الضوء على برغمان، لكنهم نسوا، لبعض الوقت، ان ليف أولمان لها الدور الرئيسي في اخراج الفيلم. وهي تقول عن هذا: "من الطبيعي أن يحدث هذا الشيء خصوصاً ان برغمان هو من المخرجين العظماء في العالم، وأنا فخورة جداً أن يظلل اسمه اسمي ويحجبه قليلاً، ولكن الآن أصبح الفيلم على شاطئ الأمان وسأحاول ألا أنظر الى الوراء لأني مصممة على الاستمرار في طريق تكون طريقي الشخصية بعيداً من أضواء انغمار برغمان". وتضيف أولمان: "عندما سيكتب النقاد عن الفيلم بطريقة جيدة سيقولون ان الفضل يعود الى كاتب النص برغمان لكنهم في حال كتبوا بطريقة ناقدة وسلبية، سيضعون اللوم على مخرجة الفيلم أولمان، لكن هذا لن يغضبني لأنني مقتنعة بالذي أقوم به، ثم ان الممثلين وانغمار برغمان على علم تام بالمجهود الذي وضعته وهذا يكفي بالنسبة إليّ. أما إذا كنت سأحزن أم سأفرح للنقد الذي سيتعرض له الفيلم، فهذا يعود الى مقدرتي الشخصية على اختيار الفرح أو الحزن، وأنا من النوع الذي لا يعطي أهمية للنقد الجارح، لذا لن أحزن على أي شيء". فيلم "عديمو الإيمان" هو قصة واقعية من حياة انغمار برغمان، كتبها بنفسه منذ سنتين على رغم ان تاريخ أحداثه تعود الى 40 سنة الى الوراء، حين كان برغمان في سن الشباب. ويحكي الفيلم عن دراما ثلاثية تدور أحداثها بين دافيد المخرج المسرحي الفاشل الذي يغرم بماريان المتزوجة من صديقه الشخصي ماركوس، والتي تخون زوجها إكراماً لحب ينشأ بينها وبين دافيد، ويؤدي ذلك الى انتحار الزوج. دافيد هو برغمان، لكن المخرجة أولمان لا ترغب في الافصاح عن هوية ماريان. وتعلق: "كما قلت لك ان كل الشخصيات هي انغمار برغمان، انها حياته كلها حتى مجرى الأحداث السيئة والجيدة تعود اليه شخصياً، أما أنا فاني موجودة في الفيلم تماماً مثل أي شخص آخر يشعر انه موجود في تلك التفاصيل". نقد مسبق تعرض الفيلم لنقد قبل أن يبدأ عرضه خصوصاً نقد مسبق حيث قيل انه مليء بالصور التقريبية للممثلين ويفتقر الى الحركة السريعة. والجزء الأكبر من التصوير يتم داخل المنازل وبهذا يحرم الجمهور مشاهدة مناظر طبيعية خلابة من جزيرة "فور او" السويدية ومن باريسوستوكهولم، لكن أولمان ترد على ذلك: "اخترت هذه التقنية في توزيع الصور لأني أرغب في القاء الضوء على أهمية العنصر الإنساني في الفيلم، خصوصاً ان الممثلين هم من النوعية الممتازة. لذلا لم أضع كثيراً من الصور الخارجية ولم استخدم صوراً عريضة، بل فضلت ان تكون عدسة الكاميرا محصورة في أوجه الممثلين لأهمية نوعية القصة. فإذا أردت أن تصف علاقة زوجين أو حبيبين أو شخصين. فمعظم الأحداث تدور داخل المنزل وليس خارجه، لذا اخترت تقنية "المونولوغ" لوصف ما يجري من أحداث بين الطرفين في الداخل وليس في الخارج. واخترت ان تعوض أوجه الممثلين في الفيلم الطبيعة الخارجية، فبدلاً من أن أصور خارج المنزل، كما يحصل عادة في فن اخراج الأفلام، اخترت أن أضع صوراً قريبة لأوجه الممثلين لتحكي عن الطبيعة في الخارج". لكن الفيلم الدي تمتد أحداثه على مدار ساعتين ونصف الساعة، يبدأ ببطء كبير إذ لا يعرف المشاهد فيه أدوار الممثلين، إلا بعد مرور 35 دقيقة في أحداثه، ما يضعه في خانة خطرة، هي خروج المشاهد من صالة العرض قبل أن تبدأ تفاصيله المهمة جداً. وتقول: "أنا أوافقك الرأي". تسير أحداث الفيلم ببطء، لأني لا أريد لأحداث الفيلم ان تدور في سرعة لأن الأحداث السريعة لا تتطابق ونوعية الدراما التي أتطرق اليها. قد تكون هناك خطورة في أن يترك المشاهد قاعة السينما، لكن هؤلاء الذين يقررون الخروج بعد وقت قصير يجب أن يكونوا من الأشخاص الذين يتمتعون بحياة خالية من المشكلات، ولكن في حال حصل ذلك، فإن المشاهد سيخسر شيئاً مهماً في تفاصيل الفيلم وهي الأحداث الأكثر أهمية التي تدور من منتصف الفيلم الى آخره". أصبحت ليف أولمان في عمر يناهز ال62 عاماً، لكنها لا تزال تتمتع بروح شابة تحب الحياة وتؤمن بالذي تفعله. ومن الواضح ان الخبرة التي اكتسبتها في حياتها أعطتها تلك الروح الإنسانية على رغم انها تعرضت لنكسات صعبة في حياتها. فهي ولدت في طوكيو ثم انتقلت مع أهلها الى نيويورك ولم تكن تجاوزت السادسة من عمرها، حين خسرت والدها في حادث طائرة، واختارت والدتها بعد ذلك الانتقال الى النروج للسكن. تعرفت أولمان الى برغمان في سن مبكرة وتزوجا وأنجبا ابنتهما لين أولمان التي تعمل كاتبة وصحافية. لكن ليف وبرغمان انفصلا بعد مدة، وبقيت هي في النروج وهو في ستوكهولم. الا ان الانفصال لم يؤثر في علاقتهما. فهي تقابله في استمرار، واختياره لها لتخرج قصة "عديمو الإيمان ليس إلا اثباتاً لحب لا يزال يعيش في قلبه لأولمان التي تعطي أهمية كبيرة لشباب اليوم". تشير أولمان الى ان برغمان لم يتدخل في عملية الاخراج، فهو أسهم فقط من خلال النص وتركها تصنعه كما تريد. وتعود في ختام حديثها الى ما بدأت به عن الوطن العربي لتشير الى انها تنظر دائماً الى الحضارات المختلفة من خلال ثقافاتها، لا من خلال سياسييها: "انا لست من النوع الذي يراقب المجتمعات من خلال الوعود الفارغة والمملة التي يأتي بها الساسة، بل أراقبها من خلال ثقافتها، وأعتقد ان أحداث الفيلم قد تدور في أي حضارة أو مجتمع في العالم، لأن قضية الحب عالمية وليست محلية". وتتابع ان عملها المقبل لن يكون له أي علاقة بانغمار برغمان فهي ستختار موضوعاً بعيداً من أضواء زوجها السابق، لأنها كما تقول أصبحت ناضجة للوقوف على رجليها.