بعد غياب طويل عن عالم الصحافة يطل المخرج السينمائي والمسرحي السويدي انغمار برغمن في اول لقاء صحافي له منذ عشر سنين ليعلن ولادة فيلم سينمائي جديد له عنوانه "عديمي الإيمان". النص كتبه برغمن وتنازل عن إخراجه هذه المرة للمخرجة ليف أولمان، وسيتم عرضه في اوائل العام 2000 في الصالات ومن ثم في التلفزيون السويدي الرسمي الذي يموّله. ويكشف برغمن خلال مؤتمر صحافي عقده في مبنى التلفزيون السويدي في استوكهولم اخيراً عن مضمون الفيلم قائلاً: "يروي الفيلم قصة حب درامية ويتخلله تشويق بوليسي. انه مقتبس عن فترة زمنية مررت بها في حياتي. وأطمئن الجميع بأن لا وجود لأبي أو أمي أو خالاتي وعماتي في هذا الفيلم، الوحيد الموجود من عائلة برغمن هو انغمار وحده". ويتابع حديثه ممازحاً المخرجة أولمان، التي كانت شريكة حياته فترة زمنية طويلة، بأنه كان ينوي التمثيل في الفيلم شخصياً ولكن الفيتو الذي وضعته المخرجة أولمان والذي يصفه ممازحاً ب"العديم الإحترام" حال دون اشتراكه في التمثيل. فهي تعتقد ان برغمن ممثل فاشل حسب تعبيره ولهذا سوف يأخذ الممثل ارلاند جوسفسون دور برغمن في الفيلم الجديد. ويشير برغمن في حديثه بأنه يثق بجوسفسون لأنه لعب دوره من قبل في افلام عدة. وهناك تعاون مشترك بينهما يمتد من العام 1938 سنة دخول برغمن عالم المسرح. وعلى رغم تجاوز برغمن الثمانين من العمر فهو لا يزال يحظى بشعبية كبيرة وسط جمهور الشباب. ف"سيد الصور" كما تكتب عنه الصحف السويدية، يحتل دائماً مشاعر وقلوب الشباب إذ يطرح أسئلة من خلال أفلامه وأعملاه المسرحية قد يكون من المستحيل الإجابة عنها، وهذا ما يثير إعجاب الشباب به. ويتطرق في أعماله الى مواضيع اجتماعية وروحية تتعلق بالتواصل بين الحياة والموت. ويعرف عنه انه من انصار الحزب الاشتراكي الديموقراطي، اكبر حزب في السويد، ولكنه أعلن منذ فترة مواقف ضد سياسة الحزب الإجتماعية، وقال "كانت هناك مواقف واضحة أحببتها في الحزب الاشتراكي، ابرزها نجاح الحزب في دمج مجموعة كبيرة من الفقراء والرأسماليين وإنشاء جبهة من الممكن تسميتها بالرمادية. ولكن تغير الزمن والإنسان في عصرنا هذا ألحق بالحزب خيبات أمل كبيرة تبعاً لأخطاء بعض القياديين". ويقصد برغمن في حديثه ابتعاد قيادة الحزب عن الجماهير ويحمّل المسؤولية بعض الأكاديميين في القيادة، استناداً الى عدم ثقته بالشريحة الأكاديمية في المجتمع. مجمل أخطاء الحزب وخلاف برغمن مع سلطة الضرائب السويدية التي اتهمته عام 1967 بالتهرّب من دفع الضرائب أجبراه على العزلة في جزيرته التي يحبها فوراو. ولهذا ابتعد عن الأضواء وبدأ يعيش مع ذكرياته في تلك الجزيرة. ولكنه كان يفاجئ الجمهور بين الحين والآخر بعمل ما. وآخر إطلالة له على المسرح كانت في العام الماضي حين قام بإخراج آخر عمل للكاتب السويدي ب.و. انغكفيست "صانعو الصور" التي تدور أحداثها في العام 1920. رواية انغكفيست تحكي عن جدال حول الإبداع يجري بين الكاتبة السويدية سلمى لاغرلوف، الحائزة على جائزة نوبل للآداب، والشابة تورا تويي حين يتواجدان في عرض خاص لفيلم من اعمال الشاب فيكتور شوستروم. ويصبح الجدال حاداً بين الشابة تويي والكاتبة لاغرلوف. والمسرحية العميقة تستضيفها نيويورك وستراسبورغ وميلانو فترة هذا الصيف وفي مسارح مختلفة. إطلالة برغمن غير المتوقعة على الصحافيين يفسّرها البعض في تحسن نفسية برغمن وقد يعود السبب الى وجود حب جديد في حياته لم يعلن عنه بعد. يأتي الإعلان عن فيلم "عديمو الإيمان" في وقت يحتفل محلياً وعالمياً بعيد ميلاد انغمار برغمن الحادي والثمانين. وكان برغمن أعلن مرات بأنه سيعتزل العمل المسرحي والسينمائي وكان يرفض ان يشترك في اي مؤتمر صحافي ويعلّق ممازحاً: "في الواقع انا اعلنت بأنني سأعتزل الحياة العملية عبر التوقف عن اعطاء مقابلات صحافية وإنتاج اعمال سينمائية ومسرحية، ولكن بما انني ممثل على غرار الممثلين الكبار فمن المفروض ان اعطي اكثر من خمسين حفلة اعتزال قبل ان اعتزل". يُعرف برغمن بحبه الكبير للعنصر النسائي، فهو تزوج اكثر من مرة وكانت له علاقات غرامية عدة. ويقول انه كتب نص فيلمه الجديد مباشرة للممثلة السويدية لينا اندرى التي لولاها لما كان هناك نص للفيلم بحسب تعبير برغمن: "عنصر الممثلة لينا اندرى كان عامل إلهام لكتابة النص، ولولا عدم وجود عامل الضغط هذا لما استطعت أن أعطي أي إنتاج شخصي في هذه المرحلة. وعندما عرضت عليها فكرة الفيلم انتظرت بتوتر قرب الهاتف لأحصل على جواب منها". وتقول الممثلة اندرى ان سبب تأخرها بالرد على برغمن يعود الى وقت احتاجته من اجل قراءة النص والإقتناع بمضمونه، وهي لم تفكر لحظة واحدة بأن ترفض نصاً من تأليف أهم صانعي الأفلام في العالم. ويشير برغمن الى انه لن يشارك في صناعة العمل، فالمخرجة ليف أولمان هي وحدها ستهتم بالإخراج والإطلاع على آلية التصوير. ويقول: "انا اشعر بارتياح كبير لتوقفي عن الإخراج او الاهتمام بالأفلام، ولكن كتابة النصوص السينمائية والمسرحية شيء ممتع ولهذا سأستمر بالكتابة حتى آخر أيام حياتي". والمخرجة أولمان التي ستحل مكان برغمن في الإخراج تقول انه "استطاع ان يبدع مرة اخرى، فهو في فيلمه هذا يكتب سيرة ذاتية عن حياة امرأة، وتشير بذلك الى الممثلة اندرى". وليف أولمان التي عملت فترة 35 سنة مع برغمان منها 5 سنين تحت سقف واحد، تصنف الفيلم الجديد بالعمل الدرامي والمشوّق وتشبّهه بأعمال هتشكوك. وكالعادة لم يجد برغمان الصعوبة في تمويل فيلمه، ففرع الدراما في التلفزيون السويدي وافق مباشرة فور الإعلان عن الفكرة على تمويل الفيلم الذي ستكون مدته حوالى الساعتين وسيعرض اولاً في الصالات ثم على شاشة التلفزيون السويدي. وبهذا تكون جعبة برغمن السينمائية قد وصلت الى 36 فيلماً استطاعت جميعها أن تؤلّف عالماً سينمائياً هو من أعظم العوالم في عصرنا.