حذر الرئيس حسني مبارك من أن أي اتفاق سلام يعطي اسرائيل حق السيادة على الأماكن الاسلامية المقدسة في القدس سيطلق انتفاضة فلسطينية جديدة. وأوضح في حديث الى صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية تصوره للاتفاق الذي يضمن السلام، قائلاً انه يجب ان تكون للفلسطينيين سيادة كاملة على القدسالشرقية ولاسرائيل سيادة كاملة على القدس الغربية. وأضاف ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات "لن يقبل مطلقاً أي مساومة تعطي اسرائيل حق السيادة على الأماكن الاسلامية المقدسة". وعشية لقاء مبارك بنظيره الفرنسي جاك شيراك في باريس اليوم، ازدادت الدلائل على صعوبة التوصل الى صيغة تشكل حلاً للمأزق التفاوضي الفلسطيني - الاسرائيلي، والذي تحتل فيه قضية السيادة على القدس وعلى المسجد الأقصى مكانة مركزية. وبدأ تباعد المواقف يعبر عن نفسه بمواقف سلبية أبرزها البيان الذي صدر أمس عن مجلس الوزراء الاسرائيلي ليعلن ان رئيس الوزراء ايهود باراك لن يلتقي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في نيويورك مطلع هذا الشهر لمناسبة انعقاد قمة الألفية في الأممالمتحدة. وأكد البيان ان "باراك لم يدرج على جدول أعماله أي لقاء مع عرفات في نيويورك، سواء ضمن اطار ثنائي أو ثلاثي" مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون. وحذرت بريطانيا من "انهيار قريب لعملية السلام" في حال لم يتم التوصل الى "انطلاقة تاريخية". وواصلت الدوائر السياسية الاسرائيلية حملتها على عرفات عبر الصحافة، اذ نسبت صحيفة "يديعوت احرونوت" الى "مصادر سياسية عليا" اتهامها الرئيس الفلسطيني بتشديد موقفه و"خلق مصاعب في المفاوضات مع اسرائيل". ونقلت عن أحد هذه المصادر ان "عرفات يعتقد كما يبدو أن باراك ضعيف سياسياً، لذلك فهو عرفات يجرجر قدميه". وزادت الصحيفة ان مصادر سياسية اسرائيلية أبلغتها ان فريق السلام الأميركي أيضاً يضع اللوم على عرفات ويرى أنه "يجد صعوبة في الانعتاق من القيود التي كبل بها نفسه، إما بمحض إرادته وإما لأنه أرغم على ذلك". في السياق ذاته كتبت صحيفة "معاريف" ان مسؤولين في مكتب باراك تحدثوا عن عدم وجود مفاوضات حقيقية حالياً مع الفلسطينيين، وقال أحدهم ان "عرفات لم يتخذ بعد الخطوط الضرورية ولم يظهر أي نوع من الاستعداد للقبول بأي حل". ونقلت الصحيفة عن باراك قوله أول من أمس تعليقاً على أنباء عن تقسيم السيادة على الحرم القدسي: "لا علم لي بهذا الاقتراح، ولا بد أن اعترف بعدم وجود محادثات حقيقية بيننا وبين الأميركيين والمصريين والفلسطينيين في هذه المرحلة، ولن تكون هناك فرصة لاجراء حوار إلا إذا رأينا درجة ما من المرونة والانفتاح لدى الجانب الآخر. في هذه المرحلة لا استطيع القول هل مثل هذا الحوار سيجرى". تحذير بريطاني الى ذلك انتقل الاحساس باحتمالات الفشل الى الوسطاء الدوليين، وعبر عن ذلك وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية بيتر هين، في بيان وزعه على الصحافيين بعد لقائه عرفات في غزة، اعتبر فيه ان "فرص التوصل الى اتفاق باتت ضيقة". وأضاف بديبلوماسية: "لهذا فإنه الوقت المناسب لأصدقاء العملية السلمية كي يعملوا ما بإمكانهم من أجل تشجيع كل الأطراف للعمل البناء". وأوضح ان تفاصيل المحادثات التي اجراها مع الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني "على درجة عالية من الحساسية، ويعمل الطرفان لتضييق الفجوات، وسيتمكنان بشجاعة وبقيادة حكيمة من ايجاد سبل لحل الخلافات". وقال هين في تصريح الى الصحافيين: "إما ان نتوصل الى انطلاقة تاريخية وإما ان نواجه انهياراً قريباً لعملية السلام". وزاد ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير طلب لقاء عرفات على هامش قمة الألفية في نيويورك. وبعدما أعلنت مصر عن خلاف بين مبارك وكلينتون على الأفكار المصرية لتسوية أزمة السيادة على القدس، أعلن امس في كل من القاهرةوباريس، ان الرئيس المصري سيصل اليوم الى فرنسا في زيارة عمل. وصرحت مصادر سياسية بأن مبارك سيعرض مع شيراك مجموعة من الأفكار التي يجري تداولها لكسر الجمود في عملية السلام على كل المسارات، خصوصاً المسار الفلسطيني. ولاحظت المصادر توافقاً في وجهات النظر بين القاهرةوباريس بخصوص تأجيل اعلان الدولة الفلسطينية، بعض الوقت في سبيل التوصل الى حل واتفاق، مع الإقرار بحق السلطة الفلسطينية في اختيار توقيت هذا الاعلان. وكان أعلن في القاهرة برنامج زيارة مبارك لباريس، حيث يستقبله لدى وصوله وزير الخارجية هوبير فيدرين، ثم يلتقي شيراك في محادثات تمتد على غداء عمل، ويستقبل في مقر اقامته غداً رئيس الوزراء ليونيل جوسبان. والى عملية السلام وقضايا المنطقة، يبحث مبارك مع المسؤولين الفرنسيين موضوع الشراكة الأوروبية - المصرية وإنشاء الجامعة الفرنسية في مصر. وصرح وزير الخارجية المصري عمرو موسى بأن لقاء مبارك - شيراك "فرصة مهمة للتنسيق" بين البلدين، مذكراً بأن فرنسا ترأس الاتحاد الأوروبي. وعبرت أجواء التشاؤم عن نفسها أيضاً من خلال تصريحات لمسؤولين فلسطينيين، أبرزها تصريحات الدكتور نبيل شعث وزير التخطيط الذي اعلن رفض الاقتراح الأميركي الداعي الى تقسيم المسجد الأقصى أربعة أقسام، وتقسيم السيادة فيه الى أربع سيادات. وجاء هذا الموقف بعد اجتماع عرفات مع مبارك في القاهرة أول من أمس، حيث أطلع الرئيس المصري نظيره الفلسطيني على فحوى المحادثات التي أجراها مع كلينتون، وهي المحادثات التي شهدت الاقتراح الأميركي وعدم القبول المصري له. وقال شعث للاذاعة الاسرائيلية: "نريد كامل السيادة على القدس وعلى أماكنها المقدسة الاسلامية والمسيحية. كل الصيغ التي نحن مستعدون لدرسها يجب أن تأخذ في الاعتبار هذا المطلب". وعزا الطريق المسدود الذي وصلت اليه المفاوضات الى الاقتراحات القاضية بإبقاء السيادة الاسرائيلية على الحرم الشريف، وزاد ان "التسوية الوحيدة الممكنة تتعلق بحائط المبكى الذي له وضع خاص، ولو أننا نختلف أيضاً على قدسيته، ولا نرى أي امكان لتقسيم الحرم الشريف". ووسط الأزمة المستعصية أفادت صحيفة "هآرتس" ان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية جورج تينيت سيزور اليوم اسرائيل ثم الأراضي الفلسطينية لاجراء محادثات مع باراك وعرفات. وأوفد كلينتون تينيت الى المنطقة للتحضير للقاءاته المنفصلة مع باراك وعرفات الاربعاء المقبل في نيويورك، على هامش قمة الألفية. ورفضت سفارة الولاياتالمتحدة في تل أبيب ومكتب باراك تأكيد النبأ. وأشارت الصحيفة الى ان تينيت كان في القاهرة قبل زيارة كلينتون لمصر، وذكرت معلومات صحافية ان تينيت اضطلع بدور أساسي خلال قمة "كامب ديفيد". ولم يصدر في واشنطن نفي أو تأكيد لما تناقلته وسائل الاعلام في المنطقة أخيراً عن اقتراحات أميركية لحل مشكلة القدس، لكن الادارة الأميركية تؤكد ان للقدس وضعاً خاصاً وان من الضروري ان تكون المدينة مفتوحة لاتباع الأديان السماوية الثلاثة. ونفى مسؤول في الخارجية الأميركية انباء اسرائيلية أفادت ان الولاياتالمتحدة تعتزم الاسبوع المقبل اعلان رفع مستوى علاقاتها مع اسرائيل الى مرتبة "حليف استراتيجي".