حسين الحكيم. لعنة الانقلابات. مطبعة الداودي، دمشق. 1999. 328 صفحة. لم تمر دولة في الشرق الاوسط بانقلابات عسكرية كما مرّت سورية. واذا كان هناك العديد من الكتب حول تاريخ واسباب تلك الانقلابات، الا ا نها لا تغدو مجرد ذكريات شخصية. لكن الكتاب الذي بين يدينا يتميز، على رغم تصنيفه في مجال الذكريات الشخصية، بأن مؤلفه حسين الحكيم كان ضابطاً في الجيش السوري، بمعنى انه كان قريباً من واضعي مخططات الانقلابات وحتى انه كان من بين منفّذي بعضها. يستهل المؤلف كتابه بتعريف القارئ بالضباط الذين خدم معهم مركزاً بشكل خاص على اديب الشيشكلي وحسني الزعيم. ومن ثم يخصّ مؤلفه بفصل كامل عن مشاركته في حرب فلسطين وعن تشكيل نواة الجيش السوري التي كانت عبارة عن جمهرة قتالية. والملاحظ في هذا الفصل ان هناك غصّة في حلق الكاتب حين يسهب في شرحه لاسباب الهزيمة التي مُنيت بها الجيوش العربية وخاصة اثناء حديثه عن الخلافات الشخصية بين كل جيش وبين زعماء الجيوش من جهة، وعن المؤامرات والاستهتارات التي حصلت من جهة ثانية. وبعد حديثه المليء بالحزن عن ضياع فلسطين، يركز على ما دار على الساحة السورية باعتبار ان كل دولة اتجهت للاهتمام بترتيب بيتها الداخلي، ويبدأ بانقلاب حسني الزعيم على شكري القوتلي الذي شارك فيه شخصياً. فيقول ان اديب الشيشكلي أتى يطلب منه المشاركة في قلب حكومة القوتلي حيث تم الاتفاق على الترتيبات وحدد يوم 29 آذار مارس 1949 ساعة الصفر. وانطلق الشيشكلي بلوائه من قطنا الى دمشق واتجه رتل من القنيطرة بزعامة حسني الزعيم. وهنا يشير الكاتب الى ان دوره كان في قطع الاتصالات عن دمشق ومنها، شارحا عملية احتلال الاركان واذاعة البيان الاول صباح 30 آذار. وكأمر طبيعي اجريت تنقلات كثيرة في الجيش، ونُقل الموالون للقوتلي الى القنيطرة ووضعوا تحت مراقبة الملازم عبدالحميد السراج. وتقدمت الاحزاب المعارضة للمشاركة في الحكم، لكن الزعيم تخلى عن وعوده واعطى لنفسه سلطات تشريعية وتنفيذية واسعة النطاق. والاهم انه ابعد رفيقه في الانقلاب، الشيشكلي، الى حماه ووضعه تحت الاقامة الجبرية. ولم تسر الاوضاع كما يشتهي الزعيم: فقد كثُرت اخطاؤه وزادت النقمة عليه خاصة من قبل ضباط الجيش وقادة الاحزاب الذين تلاعب بهم واعضاء الحزب القومي السوري حين غدر بزعيمهم انطون سعادة وسلّمه الى لبنان ليُصار الى اعدامه. وهذه الاسباب هيأت الظروف لانقلاب ثان ضده، وهذه المرة من اقرب المقرّبين له وهو سامي الحناوي. ويوضح الكاتب الذي اشترك في الانقلاب الثاني ان العقيد محمد دياب جاء اليه للاتفاق معه على الانقلاب الذي يشارك فيه اعضاء الحزب القومي السوري والشيشكلي المبعد. ووضعت الخطة وحددت ساعة الصفر وتحرك اللواء من قطنا ايضاً باتجاه الاركان وقُبض على الزعيم قبل هروبه من مطار المزة في لباس النوم ورُمي بالرصاص حسب اوامر اكرم الحوراني، لا الحناوي. وعلى اثر هذا الانقلاب أعاد الحناوي الضباط الذين سرّحهم الزعيم وشكّل حكومة جديدة برئاسة هاشم الأتاسي. هنا دخلت الاحزاب في صراع مع نفسها حول مشروع الوحدة مع العراق وانقسمت البلاد فريقين: الاول معارض بزعامة اكرم الحوراني وميشيل عفلق، والثاني يؤيد بدعم من الحناوي نفسه. ونتيجة لهذا الانقسام اتجه الحوراني نحو دعم ابن بلده الشيشكلي للتحضير للانقلاب الثالث الذي لم يشترك فيه المؤلف، لكنه عند مقابلته للشيشكلي اكد له الاخير ان العملية وليدة ساعتها. وعلى الفور ابعد الحناوي الى بيروت واعتقل الضباط الذين شاركوه انقلابه كما شُكلت وزارة جديدة برئاسة خالد العظم فيما سمّي الحوراني وزيراً للدفاع والشيشكلي معاوناً لرئيس الاركان. وبعد فترة قصيرة دخلت البلاد بعض المتاهات وارسل الكاتب الى القاهرة كملحق عسكري، ورُفّع الشيكشلي الى عميد وتسلّم منصب رئاسة الاركان. كذلك انتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للبلاد، وأُعيد تشكيل الوزارة الجديدة، لكن هذه المرة برئاسة ناظم القدسي. وهذا الاخير لم يعرف سر اللعبة ودعا لاحياء مشروع الوحدة مع العراق الذي كان وراء سقوط حكومته وتشكيل اخرى جديدة برئاسة معروف الدواليي. ونتيجة لذلك كثُرت الاعتقالات في صفوف الاحزاب واستقال الأتاسي وحل محله فوزي سلو بمساندة الشيشكلي حيث اعتُبرت هذه العملية انقلاباً رابعاً بقيادة الاخير. ويعود الكاتب الى دمشق لكنْ بسبب وشاية عليه للشيشكلي يُنقل الى اللواء السادس في حوران كرئيس اركان لواء، ما يعتبره اهانة له كونه صديقا قديما للشيشكلي الذي اتسع نفوذه دافعا بأكرم الحوراني للتآمر عليه بالتعاون مع ضباط البعث وعدنان المالكي. لكن الشيشكلي تنبّه لتلك المؤامرة واعتقل الكثيرين من الضالعين فيها فيما هرب زعماء البعث والعربي الاشتراكي: الحوراني وعفلق وصلاح البيطار الى بيروت، لينصّب الشيشكلي نفسه رئيساً للبلاد في 21 حزيران يونيو 1953. وهكذا انقسم الضباط وانقسمت الاحزاب، لكن المالكي استطاع بذكائه ان يجمع القسمين تحت اسم "حزب البعث العربي الاشتراكي" واصبح الحوراني القائد الفعلي لهذا التنظيم الذي بدأ يقود المعركة ضد الشيشكلي من بيروت. وحين اصدر الشيشكلي عفواً سياسياً عاد الحوراني وعفلق وعقدا مؤتمراً في حمص عام 1953 حيث وقعت وثيقة اسقاط ديكتاتورية الشيشكلي. وبعد اجتماعات سرية وضعت خطة الانقلاب في 25/2/1954 حيث بدأت من حلب ودير الزور واعلن من اذاعة حلب إلغاء الشرعية القائمة. وبعد الضغط استقال الشيشكلي وسيطر ضباط البعث على قيادة الجيش وتدافعت الاسماء لرئاسة البلاد بين مأمون الكزبري وهاشم الأتاسي وشكري القوتلي، لكن في النهاية حُسم الامر واستطاعت احزاب اليسار ابعاد احزاب اليمين حزب الشعب وعُين صبري العسلي رئيساً للوزراء، وتسلّم القوتلي لدى عودته من منفاه رئاسة البلاد في ايلول سبتمبر 1954. بعد حسم مشكلة رئاسة الحكومة والبلاد اشتد الصراع على رئاسة الاركان بين عدنان المالكي وشوكت شقير. لكن في حادث غامض اغتيل المالكي في الملعب البلدي بدمشق واتهم القومي السوري باغتياله، وتمت الاعتقالات، وكان الكاتب من بين المعتقلين بتهمة التحريض على اغتياله. وكان وقتها عبدالحميد السراج متنفذاً في الشعبة الثانية التي كانت برئاسة سامي جمعة. وينتقل الكاتب في فصله العاشر للحديث عن الصراع على سورية سواء داخلياً او خارجياً. وبعد ذلك يمر على الوحدة والانفصال حين رُحّل المشير عبدالحكيم عامر واعتقل السراج لكنه هرب الى بيروت ثم الى مصر. وهنا يتحدث عن حركة الضباط الاحرار داخل القوات السورية او "اللجنة العسكرية" التي كانت نواتها محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الاسد، عبدالكريم الجندي ومصطفى طلاس. وكيف تم اعتقال تلك النواة بعد محاولة السيطرة على حلب وكيف تم الافراج عمن لم يشاركوا في عملية حلب وكان من بينهم عمران والاسد والجندي حيث لعبوا دوراً مهماً في لمّ الشمل وبدء الاجتماعات السرية لاطاحة رئاسة ناظم قدسي، وتحدد يوم 8 آذار مارس 1963 موعدا. وينهي الكاتب بالاشارة الى حرب 1967 والى غزو العراق للكويت، واصفاً فصله الاخير بالعهد الابيض الذي يبدأ مع تسلّم حافظ الاسد رئاسة البلاد.